عندما نحدق النظر في الكون من خلال التليسكوبات، يمكننا أن نرى النجوم والمجرات تصل عمرها إلى مليارات السنين.

هذا ممكن فقط لإن الوسط بين المجرى الذى نحن نبحث من خلاله شفافة. ولكن لم يكن هذا هو الحال دائمًا.

جاءت عملية إعادة التركيب بعد حوالي 380.000 سنة من الانفجار العظيم، عندما قامت الكتلة الساخنة من الجزيئات التي كونت الكون بتبريد ما يكفي للإلكترونات لزوج مع البروتونات، وتشكيل الهيدروجين المتعادل.

هذا جلب العصور المظلمة، فأثناء امتصاص الغاز المتعادل في الوسط المجرى كانت معظم الفوتونات عالية الطاقة حوله، مما يجعل الكون معتمه لهذه الموجات من الضوء.

وبعد بضع مئات من ملايين السنين، ظهرت مصادر جديدة للڤوتونات النشيطة، مما أدى إلى تجريد ذرات الهيدروجين من إلكتروناتها وإعادتها إلى حالتها المتأينة، مما سمح للضوء بالسفر بسهولة عبر الوسط المجري.

بعد هذا العصر من إعادة التأين الذي كان كاملًا، أصبح الكون شفافًا تمامًا مرة أخرى.

الفيزيائيون يستخدمون مجموعة متنوعة من الطرق للبحث عن مصادر إعادة التأين، وإيجادهم سيوفر نظرة ثاقبة للمجرات وهيئة الكون الأولى وربما حتى خصائص المادة المظلمة.

مصادر حيوية :

تشير الأبحاث الحالية إلى أن معظم -إن لم يكن كل- الفوتونات المؤينة جاءت من تكوين النجوم والمجرات الأولى.

فيقول برانت روبرتسون، عالم الفيزياء الفلكية النظرية في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز: “إن عملية إعادة التأين هي في الأساس منافسة بين معدل إنتاج النجوم للإشعاع المؤين ومعدل إعادة التركيب في وسط المجرات”.

ومع ذلك، لم يجد علماء الفلك حتى الآن هذه المجرات الأولى، مما يترك مجالًا لمصادر محتملة أخرى.

النجوم الأولى وحدها قد لا يكون كافيا.

وقال روبرتسون: “لا شك في أن هناك مساهمات أخرى، لكننا نتجادل عن مدى أهمية تلك المساهمات”.

يمكن أن تكون النوى المجرية النشطة، أو (AGN) مصدراً لإعادة التأين.

(AGN) هي أجسام مضيئة، مثل (الكوازارات-quasars)، والتي تعمل بواسطة الثقوب السوداء وإطلاق الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية.

ومع ذلك، فإن العلماء لا يعرفون حتى الآن مدى وفرة هذه الكائنات في الكون المبكر.

آخر احتمال وهو الأكثر غرابة، هو فناء المادة المظلمة.

في بعض النماذج من المادة المظلمة، تتصادم الجسيمات مع بعضها البعض، وتُدمر وتُنتج مواد كما انها تُشع.

إذا كان من خلال هذه القناة أو أي شيء آخر يمكن أن نجد أدلة على فناء المادة المظلمة، التي من شأنها أن تكون مصدر اهتمام عظيم، لأنه سيعطيك على الفور تقدير كتلة المادة المظلمة ومدى قوة التفاعل مع نموذج (الجسيمات القياسية)، ويقول تريسي سلاتير، وهو فيزيائي الجسيمات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT).

فناء المادة المظلمة و(AGN) قد ساعدت أيضًا بشكل غير مباشر فى إعادة التأين من خلال توفير حرارة اضافية للكون.

التحقيق في بزوغ الكون:

يقوم الفلكيون بفحص هذه الحقبة في تاريخ الكون لإختبار نظريات مسار إعادة التأين الكوني باستخدام أساليب مختلفة بما في ذلك ملاحظات التلسكوب، وهو ما يسمى (21-centimeter cosmology) والتحقيق في خلفية الموجات الكونية.

لم يجد علماء الفلك حتى الآن دليلا على المصدر الأكثر احتمالا لإعادة تأين -أقرب النجوم- لكنهم يبحثون.

يمكن للفيزيائيين تقدير عدد الفوتونات المؤينة من خلال تقييم لمعان المجرات الأولى التي أطلقتها.

ليس هناك ملاحظات للمجرات الفعلية التي تعيد توحيد الكون حتى الآن، وحتى هابل لا يمكن أن يسلم أي من تلك، يقول جون وايس عالم الفيزياء الفلكية في جورجيا تيش (لكن الأمل هو أن تلسكوب جيمس ويب الفضائي).

بعض من أكثر المعلومات المُعبره سيأتي من (21 centimeter cosmology)، ودعا لذلك لأنه يدرس موجات راديو (21 سنتيمتر).

الهيدروجين المتعادل يُعطي قبالة موجات الراديو من هذا التردد، لكن الهيدروجين المتأين لا يفعل ذلك.

تجارب مثل عصر الهيدروجين القادم من صفيف إعادة التأين سوف تكتشف الهيدروجين المتعادل باستخدام التليسكوبات الراديوية بضبطها لهذا التردد.

ويمكن أن يوفر ذلك دليلاً واضحًا على مصادر إعادة التأين.

يقول أدريان ليو وهو زميل هابل في جامعة كاليفورنيا في بيركلي: (إن الفكرة الأساسية مع (centimeter cosmology 21) هي عدم النظر إلى المجرات نفسها، ولكن في محاولة لإجراء قياسات مباشرة لمتوسط الهيدروجين بين المجرى وبين المجرات).

هذا يتيح لك، من حيث المبدأ، رؤية مباشرة إعادة التأين، (من خلال رؤية كيف) أنه يؤثر على الوسط بين المجرى.

يمكن للعلماء الفلكيين إنشاء خريطة لكيفية توزيع الهيدروجين المتعادل في الكون المبكر من خلال تحديد مكان تأين الكون ومكانه.

يقول ستيفن فورلانيتو، عالم الفيزياء الفلكية النظرية في جامعة كاليفورنيا، لوس انجلوس :(لو أن المجرات تفعل ذلك، سيكون لديك فقاعات متأينة من حولهم.

أما إذا كانت مادة مظلمة -المادة المظلمة في كل مكان- لذلك التأين سيكون في كل مكان، رغمًا عن وجود فقاعات من الغاز المؤين).

ويمكن للفيزيائيين أيضًا فهم مصادر إعادة التأين من خلال دراسة خلفية الميكروويف الكونية أو (CMB).

عندما تتأين الذرة، الإلكترون الذي يتم إطلاقه يتبعثر ويعطل (CMB).

يمكن للفيزيائيين استخدام هذه المعلومات لتحديد متى حدث إعادة التأين ووضع قيود على عدد الفوتونات اللازمة لإتمام العملية.

فعلى سبيل المثال، أفاد الفيزيائيون في العام الماضي أن البيانات الصادرة عن القمر الصناعي (بلانك-Planck) تمكنت من خفض تقديرها لمدى التأين الذي سببته مصادر أخرى غير المجرات.

يقول سلاتير: (فقط لأنك يمكن أن تفسر ذلك مع المجرات النجمية، فإن ذلك لا يعني أن شيئا آخر لا يكمُن في البيانات).

نأمل في الحصول على قياسات أفضل بكثير من عصر إعادة التأين باستخدام تجارب مثل الرصد 21 سنتيمترا (21-centimeter observations).

لا يزال من السابق لأوانه استبعاد التفسيرات البديلة لمصادر إعادة التأين، حيث أن الفلكيين لا يزالون في بداية كشف هذه الحقبة في تاريخ عالمنا، كما يقول ليو.

(أود أن أقول إن واحدة من أكثر الأشياء متعة حول العمل في هذا المجال هي أننا لا نعرف بالضبط ما حدث).


  • ترجمه : أحمد طه المكّاوي
  • تدقيق: يحيى أحمد
  • تحرير: طارق الشعر
  • المصدر