يُجيبنا على هذا التساؤل أستاذ الفيزياء في كلية فاسار-Vassar college, مورتون تافيل-Morton Tavel:

«عندما تتحرك جسيمات أولية معينة خلال مجال مغناطيسي، فإنها تنحرف بطريقة تُشير إلى أنها تملك خصائص مغناطيسية صغيرة.

في العالم الكلاسيكي، الجسم المشحون الدوّار يملك خصائص مغناطيسية تشبه إلى حد كبير تلك التي تُظهرها هذه الجسميات الأولية, ولأن الفيزيائيين يفضلون التشبيهات, لذلك عبرّوا عن حالة تلك الجسيمات الاولية بمصطلح “الدوران”>

لسوء الحظ ينهار هذا التشابه, وسنصل إلى حقيقة أنه من المضلل تخيّل صورة للإلكترون على شكل جُسيم صغير دوّار>

بدلاً من ذلك نعرف ببساطة حقيقة واضحة أن الالكترونات تنحرف بواسطة المجالات المغناطيسية.

إذا أصر أحدهم على صورة الجُسيم الدوّار حينها ستظهر المفارقات الحقيقية, على العكس من كرة مضرب دوَارة على سبيل المثال لا الحصر فإن دوران الإلكترون لا يتغير أبدًا وله اتجاهان محتملان فقط, بالاضافة إلى أن فكرة تشبيه الالكترونات والبروتونات بأشياء صلبة تدور في الفراغ يعد أمرًا من الصعب التمسك به نظرًا لما نعرفه لما عن قواعد ميكانيكا الكم, فإن مصطلح «دوران» لا يزال قائمًا».

يُضيف الدكتور كورت.تي باكمان- kurt.t Bachmann من كلية برمنغهام الجنوبية بعض الخلفية التاريخية

«أجرى العالمان أوتو ستيرن (Otto Stern) ووالتر غيرلاك (Walther Gerlach) من جامعة هامبورغ في ألمانيا سنة 1920 سلسلة من تجارب الحزم الذرّية الهامة, بمعرفة أن كل الشحنات المتحركة توّلد مجالات مغناطيسية اقترحا قياس المجالات المغناطيسية التي تنتجها الالكترونات أثناء دورانها حول النواة في الذرة. إلا أن الفيزيائييْن وجدا أن الالكترونات نفسها تتصرف كما لو أنها تدور حول نفسها بسرعة كبيرة منتجة حقولًا مغناطيسية صغيرة مستقلة عن تلك التي تنتج بسبب حركتها المدارية, حينها استُخدِم مصطلح «دوران» لوصف هذا الدوران الظاهري للجسيمات دون الذرّية.

«الدوران» عبارة عن كميةّ مادية غريبة, إنه مماثل لدوران كوكب من حيث إعطاءه عزمًا زاوي ومجالًا مغناطيسي صغير يُطلق عليه العزم المغناطيسي اعتمادا على حجم الجسيم دون الذرّي. مع ذلك, فإن سطوح الجسيمات المشحونة يجب أن تتحرك أسرع من سرعة الضوء لكي تنتج العزوم مغناطيسية المراد قياسها, إضافة إلى ذلك فإن «الدوران» مكمم أي أنه يخضع إلى مبادئ الكم مما يعني وجود حالة واحدة معينة من الدوران مسموح بها, هذا الوضع يخلق كل أنواع التعقيدات التي تجعل من «الدوران» أحد أكثر الجوانب تحديا من ميكانياك الكم.

بمعنى أوسع فإن «الدوران» خاصية أساسية تؤثر على ترتيب الالكترونات والأنوية في الذرات والجزيئات مما يمنحه أهمية مادية كبيرة في الكيمياء وفيزياء الحالة الصلبة, كما يعتبر «الدوران» الأساس في جميع التفاعلات بين الجسيمات دون الذرّية سواء في إشعاع الجسيمات ذات الطاقة العالية, السوائل ذات درجة الحرارة المنخفضة أو التدفق الضعيف للجسيمات من الشمس والمعروف بالرياح الشمسية, في الواقع إن الكثير من العمليات الفيزيائية التي تتراوح من أصغر المقاييس النووية إلى أكبر المسافات في الفيزياء الفلكية تعتمد بصورة كبيرة على تفاعلات و دوران تلك الجسيمات دون الذرّية».

فيكتور جي. ستينغر-Victor J. Stenger، أستاذ الفيزياء في جامعة هاواي في مانوا، يقدّم رأيا آخر أكثر تقنية:

«الدوران هو الزخم الزاوّي الكلي أو الزخم الفعلي لجسم ما, دوران الجسيمات الأولية مشابه لدوران الأجسام المرئية
في الحقيقة دوران أي كوكب هو مجموع الدوران والزخم الزاوي لكل جسيماته الأولية, كذلك هو الحال مع بقية الأجسام المركبة الأخرى مثل الذرّات، التي تشمل نواة الذرة والبروتونات (التي تتكون من الكواركات)».

في الفيزياء الكلاسيكية الزخم الزاوي عبارة عن متغير مستمر, في فيزياء الكم يكون الزخم الزاوي متفردا و مكمما بوحدات ثابت بلانك مقسومة على المقدار (4π), في العام 1913 اقترح الفيزيائي نيلز بور أن الزخم الزاوي مكمم (خاضع لمبادئ الكم) واستخدم هذا الاقتراح في تفسير إشعاع طيف الهيدروجين.

«على مستوى فهمنا الحالي، الجسيمات الأولية هي الكواركات، اللبتونات (مثل الإلكترون) والبوزونات (مثل الفوتون)، كل هذه الجسيمات نتصورها بشكل نقطي لذا ربما قد تتسائل كيف يمكن أن يكون لها “دوران”؟».

قد تكون الاجابة بسيطة, ربما لأن هذه الجسيمات مركبّة ايضا, لكن لأسباب نظرية عميقة والتي تتعلق بالتماثل الدوراني للطبيعة تؤدي إلى أن “دوران” الجسيمات الأولية ووجودها يكون مكمما.

الأهمية الخاصة تتجلى في الاختلاف بين الفرميونات, جزيئات مثل الالكترون تملك عدد “دوران” نصف عدد صحيح مضروبا في ثابت بلانك مقسوما على (2π) والبوزونات التي تمتلك عدد دوران صحيحًا واحدًا .

الفرميونات كذلك تخضع إلى مبدأ باولي للاستبعاد والذي ينص على أن الفرميونات المتشابهة لا يمكن لها أن تكون بنفس الحالة, دون مبدأ الاستبعاد لن تمتلك الكيمياء جدول العناصر الدوري الخاص بها, البوزونات من جهة أخرى تميل إلى التواجد بحالة واحدة مخالفة لمبدأ باولي مما يؤدي إلى ظواهر مثل الموصلية الفائقة و تكاثف بوز-أينشتاين.
عمل مصطلح “الدوران” باعتباره نموذجًا لمفاهيم حتى أكثر تجريدا من امتلاكها خصائص رياضية للزخم الزاوي وعدم امتلاكها التناظر الكلاسيكي البسيط. على سبيل المثال تُستخدم نظائر “الدوران” في الفيزياء النووية لتمثيل الحالتين الخاصة بالنكليون (جسيمات النيوترون-بروتون), وبالمثل فإن الكواركات تقترن بدوران تناظري “أعلى” و “أسفل” وهي الاسماء التي تُعطى إلى الكواركين الاثنين اللذين يمثلان المادة العادية.

التماثل الدوراني للزمان والمكان معمم يشمل التماثل في الأبعاد الداخلية الأكثر تجريدا، وبالنتيجة فإن الكثير من التركيب المعقد للعالم المجهري يمكن النظر إليه نتيجة لانهيار التماثل, ويرتبط عميقًا بالأفكار التي تصف التكوين التلقائي لتركيب العالم المجهري.


  • ترجمة :مصطفى المالكي.
  • تدقيق: محمد نور
  • المصدر