ما الضرر من تعاطي المنشطات؟


عادة ما يثير الكشف عن تعاطي المنشطات غضباً اخلاقياً. بحيث يعتبر القيام بذلك تصرفا غير رياضي وغشا يستحق العقاب.
وتؤيد هذه الفكرة كل من وسائل الإعلام والوكالة العامة لمكافحة المنشطات (World Anti-Doping Association (WADA)) بالإضافة إلى المسؤولين الرياضيين الرسميين في الألعاب الأولمبية التي أقيمت مؤخرا بريو دي جانيرو، دون أن ننسى الرياضيين أنفسهم. لكن لماذا يعتبر تعاطي المنشطات أمرا خاطئا؟ وهل يبقى خاطئاً حتى لو كان لا يخالف القواعد؟
يسعى الرياضيون الذين يتعاطون المنشطات للحصول على أفضلية تنافسية على منافسيهم. لكن هناك طرق عديدة للحصول على هذه الأفضلية. بحيث إذا كان من الخطأ تحسين الأداء الرياضي عن طريق تعاطي المنشطات فلماذا لا يعتبر الأمر خاطئاً إذا ما تم عن طريق أخذ المكملات الغذائية، أو تناول البروتينات أو الكربوهيدرات أو حتى التمرن في المرتفعات؟

الجرم الأخلاقي.

المواد الممنوعة هي بالعادة مواد مصنعة لتحسن الأداء الرياضي. وبما أن الهدف من الرياضة هو اختبار الحدود الطبيعية للطبيعة البشرية فزيادة هذه الحدود اصطناعياً تخالف جوهر الرياضة.
العديد من المواد الممنوعة مثل الستيروئيدات الابتنائية هي مواد مصنعة. لكن العديد من المواد الموجودة بشكل طبيعي مثل الإريثروبيوتين (EPO) و التقنيات التي لا تتضمن أي مواد مصنعة مثل blood doping (تقنية تعتمد على حقن الرياضي بالدم المؤكسج لتحسين اداءه) ممنوعة أيضاً.
لكن ما يثير الجدل هو أن العديد من محسنات الأداء مسموحة. كالثياب المصممة لتخفيف مقاومة جريان الهواء والسوائل أو خوذات سائقي الدراجات الهوائية وأحذية الجري.

كما أن الحقن بالدم المؤكسج يهدف لزيادة كريات الدم الحمراء مما يؤدي لزيادة قدرة التحمل وهو ممنوع في حين أن وسائل أخرى للحصول على نفس التأثير مسموحة من الوكالة العامة لمكافحة المنشطات (WADA) .
كما أن خيمات المرتفعات وهي خيمات مغلقة مصممة لمحاكات نقص الأوكسجين في المرتفعات، ليست على قائمة ممنوعات WADA حالياً. لكن حتى لو كانت، هل ستمنع WADA الرياضيين من الذهاب إلى المرتفعات العالية للتمرن علماً أن الأمر يحقق نفس التأثير؟
ربما المشكلة الحقيقية تكمن في التأثير القسري للمنشطات الذي يدعى “سباق التسلح”. بحيث إذا كان بعض الرياضيين يملكون أفضلية لأنهم يتعاطون المنشطات فإنهم يضغطون على باقي الرياضيين ليتعاطوا المنشطات هم أيضاً.
لكن لكي يتمكنوا من الاستمرار في المنافسة، يجب على الرياضيين أن يُخضِعوا أنفسهم لحميات تدريبية قاسية وأنظمة غذائية محكمة والتي من المحتمل أن تسبب أذى على المدى البعيد، وبما أن هذه الطرق تؤدي لنتائج أفضل يبقى لزاما على الرياضيين تبني هذه الوسائل ومع ذلك، فلا أحد يقترح أن هناك أي شيء خاطىء في هذا الشكل القسري من الرياضة.

الغش والأفضلية الظالمة.

يعتبر تعاطي المنشطات غش لأنه يخالف القواعد. لكن لماذا هو مخالف للقواعد؟ بكل بساطة، لأنه غش!
يبدو الأمر وكأنه يدور في حلقة مفرغة، تعاطي المنشطات ممنوع لأنه غش، الغش خطأ اذاً تعاطي المنشطات خطأ. لكن لماذا تعاطي المنشطات غش؟ لأنه ممنوع.
المشكل يكمن إذا في مبرر القاعدة التي تمنع تعاطي المنشطات في المقام الأول؟
الجواب الأكثر وضوحا هو أن المنشطات تعطي أفضلية غيرعادلة. لكن هذه الأفضلية تكتسب بشكل غير عادل فقط لأنها ممنوعة: يحصل الرياضيون الذين يتعاطون المنشطات، خلافا للقواعد، على أفضلية لا يحصل عليها منافسيهم الأكثر إطاعة لهذه القواعد.
هناك العديد من الطرق التي يستخدمها الرياضيون لمحاولة الحصول على أفضلية على منافسيهم: باستخدام المدربين الأفضل، وسائل التمرن، الحميات الغذائية…الخ. لكن نحن ننظر إلى هذه الوسائل على أنها عادلة لأنها ضمن القواعد.
وبالتالي اعتُبِرت الأفضلية التي تمنحها المنشطات غشا لأنها مخالفة للقواعد.

خطوة للأمام.

ربما ينبع اعتبار المنشطات غشا عن الحدس الأخلاقي الذي يطغى بقوة على كون تعاطيها خطأ وخارجا عن القواعد الرياضية، لكن ربما يجب إيجاد طريقة أوضح لتبرير هذا المنع.
أحد الاقتراحات هي التخلي عن فكرة أن تعاطي المنشطات خاطئ أخلاقيا في جوهره مقابل أن منع تعاطيها مبرر بنفس الطريقة التي تبرر بها قواعد الرياضات المزاولة.
بحيث أن قواعد أية رياضة مصممة بشكل اعتباطي وفق أهداف محددة: كتسهيل عدالة التسابق بين المتنافسين، ومكافأة مهارات معينة، أو تحقيق التسلية…. الخ. وهذه القواعد لا تملك أسبابا جوهرية لوضعها.
القاعدة التي تمنع تعاطي المنشطات في أي رياضة من الممكن ببساطة أن تكون أحد هذه القواعد، بحيث لا تملك أي وزن أخلاقي إضافي عن قاعدة التسلل في كرة القدم. وبالتالي يمكن أن يُعتبر تعاطي المنشطات غشاً مثلما أن استقلال المترو يعتبر غشاً أثناء المشاركة في الماراثون.
قرار اللجنة الأولمبية الدولية مؤخراً بعدم منع الفريق الأولمبي الروسي وترك اتحادات الرياضة الدولية تحكم على الرياضيين بطريقة فردية يمكن رؤيته كخطوة في هذا الاتجاه. عوضاً عن تبني شكل موحد ونظرة متماثلة إزاء تعاطي المنشطات في كل الرياضات، فوضت لكيانات الرياضات الفردية اتخاذ قرارات حول كيفية التعامل مع تعاطي المنشطات ضمن تلك الرياضة.
ربما يجب أن نكبح غضبنا الأخلاقي. القواعد ضد تعاطي المنشطات في رياضة معينة لا تملك وزنا أخلاقياً أكثر من أي قاعدة أخرى في تلك الرياضة.


إعداد سيمون العيد
تدقيق بدر الفراك
المصدر