الفلسفة حرفيًا تعني حب الحكمة، ولكن في الواقع تبدأ الفلسفة بالتعجب، وكان ذلك اعتقاد غالبية الرموز الكبيرة للفلسفة القديمة، ومنهم أفلاطون وأرسطو وتاو تي تشينغ، وهي تنتهي بالتعجب أيضًا عندما يقوم التعليم الفلسفي بأفضل ما يمكنه، كما قال أ.ن وايتهيد. إذن، ما الذي يميز التعجب الفلسفي؟ وكيف يمكن تحقيقه؟ وكيف يمكن قراءة الفلسفة وكتابتها؟ ولمَ ينبغي دراستها؟

الفلسفة بوصفها جوابًا:

بالنسبة إلى بعض الناس، إن هدف الفلسفة هو رؤية منهجية للعالم، وتصبح فيلسوفًا عندما تتمكن من إيجاد مكان لأية حقيقة في السماء أو في الأرض.

وضع الفلاسفة بالفعل نظريات منهجية للتاريخ والعدالة والدولة والعالم الطبيعي والمعرفة والحب والصداقة وكل ما يخطر على بال، والانخراط في التفكير الفلسفي -ضمن وجهة النظر هذه- يشبه ترتيب غرفتك الخاصة لاستقبال ضيف ما، فعلى كل شيء أن يكون في مكانه، وأن يكون لوجوده هناك سبب أيضًا.

المبادئ الفلسفية:

تُرتب الغرف وفق مبادئ أساسية، فتوضع المفاتيح في السلة، ولا يجب أن تكون الثياب مبعثرة إلا في حال استخدامها، وعلى كل الكتب أن توضع على الرف إلا التي تُقرأ حاليًا.

وقياسًا على ذلك، فالفلاسفة المنهجيون لديهم مبادئ أساسية يقومون ببناء نظرة العالم حولها. هيجل -مثلًا- كان معروفًا بخطواته الجدلية الثلاث: الأطروحة والنقيض والتوليف، رغم أنه لم يستعمل هذه المصطلحات قط.

بعض المبادئ تكون خاصة بالفرع، مثل: مبدأ السبب الكافي: «على كل شيء أن يكون له سبب»، الخاص بفرع الميتافيزيقيا، أو مبدأ آخر مثير للجدل في علم الأخلاق، وهو مبدأ النفعية التي أثارها من يُدعون بالعواقبيين: «الأمر الصحيح هو الأمر الذي ينتج أكبر كمية من المنفعة»، أو نظرية المعرفة التي ترتكز على مبدأ الإغلاق المعرفي: «إذا عرف الشخص A، وA ينتج B، فإن ذلك الشخص يعرف B أيضًا».

الأسئلة الخاطئة؟

هل الفلسفة المنهجية محكومة بالفشل؟ يعتقد بعضهم ذلك. أولًا المناهج الفلسفية تسبب أضرارًا كثيرة، مثلًا: استعملت نظرية هيجل عبر التاريخ لتبرير السياسات العنصرية والدول القومية، وعندما حاول أفلاطون تطبيق المبادئ المبينة في كتابه الجمهورية على مدينة سيراكيوز واجه فشلًا ذريعًا. وحتى إن لم تسبب ضررًا، فقد نشرت الفلسفة -في بعض الأوقات- أفكارًا خاطئة وأثارت نقاشات عديمة الجدوى، وأحدثت مقاربات منهجية مبالغ فيها، كنظرية النفوس والملائكة التي تسببت بطرح أسئلة مثل: «كم عدد الملائكة التي تستطيع الرقص على رأس دبوس؟».

الفلسفة بوصفها سلوكًا:

يأخذ بعض الناس طريقًا مغايرًا، وبالنسبة إلى هؤلاء إن جوهر الفلسفة لا يقع في الأجوبة، إنما في الأسئلة، والتعجب الفلسفي هو منهجية، ولا يهم الموضوع الذي يُناقش، وماذا نصنع به؟ فالفلسفة تتعلق بالموقف الذي نتخذه تجاه الموضوع، والفلسفة هي ذلك السلوك الذي يجعلك تتساءل عن أكثر الأمور وضوحًا، مثلًا: لمَ توجد بقع على سطح القمر؟ ما الذي يسبب المد؟ ما هو الفرق بين كائن حي وآخر غير حي؟ في يوم من الأيام كانت هذه أسئلة فلسفية، والتعجب الذي انطلقت منه كان التعجب الفلسفي.

ما الذي يتطلبه الأمر لتصبح فيلسوفًا؟

في هذه الأيام، يوجد أغلب الفلاسفة في العالم الأكاديمي، ولكن بالتأكيد لا يتطلب الأمر أن تكون أستاذًا جامعيًا لتكون فيلسوفًا، فرموز عدة في تاريخ الفلسفة مارسوا مهنًا أخرى لكسب لقمة العيش. كان باروخ سبينوزا صانع عدسات، وعمل جوتفريد ليبنيز دبلوماسيًا ضمن العديد من الأعمال، والعمل الرئيسي لديفيد هيوم كان أستاذًا ومؤرخًا، بالتالي إذا كان لديك نظرة منهجية للعالم أو السلوك المناسب، قد تطمح لأن تلقب فيلسوفًا، ولكن عليك الحذر فالتسمية قد لا تكون دومًا ذات سمعة حميدة.

ملكة العلوم؟!

الفلاسفة المنهجيون التقليديون، مثل أفلاطون وأرسطو وديكارت وهيجل أكدوا بوضوح أن الفلسفة هي أساس كل العلوم الأخرى، وأيضًا بين أولئك الذي ينظرون إلى الفلسفة بوصفها منهجًا، نجد الكثيرين الذي يعدونها المصدر الرئيسي لكل المعرفة، فهل الفلسفة حقًا ملكة العلوم؟ من المؤكد أنه في وقت ما مُنحت الفلسفة دور البطل الرئيسي في أيامنا هذه، وعلى أية حال قد يكون في الأمر مبالغة، وبنحو أكثر تواضعًا قد تبدو الفلسفة وكأنها تمدنا بمصادر ثمينة للتفكير بالأسئلة الأساسية، وهذا ينعكس مثلًا على نمو شعبية الاستشارة الفلسفية والمقاهي الفلسفية والنجاح الذي تتمتع به اختصاصات الفلسفة في سوق العمل.

أي فرع من الفلسفة؟

العلاقة العميقة والمتنوعة التي تتمتع بها الفلسفة مع العلوم الأخرى واضحة عبر النظر إلى فروعها، ولدى الفلسفة بعض المناطق الجوهرية، مثل: الميتافيزيقيا ونظرية المعرفة والأخلاق والجماليات والمنطق. وعلى تلك يجب إضافة عدد لا منتهٍ من الفروع، وبعضها أكثر نموذجية، مثل: الفلسفة السياسية وفلسفة اللغة وفلسفة العقل وفلسفة الدين وفلسفة العلم، وأفرع أخرى تتعلق بالاختصاص، مثل: فلسفة الفيزياء وفلسفة الأحياء وفلسفة الطعام وفلسفة الحضارة وفلسفة التعليم وفلسفة علم الإنسان وفلسفة الفن وفلسفة الاقتصاد والفلسفة القانونية والفلسفة البيئية وفلسفة التكنولوجيا.

ولقد أثر تخصص البحث الفكري المعاصر على ملكة التعجب أيضًا.

اقرأ أيضًا:

ما هي المبادئ الثلاثة للفلسفة النفعية؟

كيف تجد معنى لحياتك بواسطة العلاج النفسي والفلسفة والشعر؟

قراءة في كتاب «في البدء – فيزياء، فلسفة وتاريخ علم الكون»

ترجمة: علي باسم يوسف

تدقيق: محمد سمير

مراجعة: حسين جرود

المصدر