ما حقيقة الدراسة المزعومة التي قد تدمر نتائج 3000 بحث علمي متعلق بالدماغ والأعصاب؟


في الحقيقة، لا زال الدماغ البشري يشكل لغزًا للعلماء، ولا ينفك الباحثون يدرسونه بمختلف الطرق. وأحد أهم هذه الطرق وأكثرها تطورًا هو التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي للدماغ functional magnetic-resonance imaging)) (fMRI)، والذي يتم من خلاله فحص أدمغة مجموعة من المتطوعين أثناء قيامهم بأنشطة معينة، لتساعد علماء الأعصاب في التعرّف على وظيفة أجزاء الدماغ المختلفة وأنشطتها.

في البداية، أظهرت التقنية نتائج مبهرة، وساعدت في نشر آلاف الأوراق البحثية التي اعتنت بدراسة الفعالية لمناطق معينة من الدماغ خلال القيام ببعض النشاطات الفكرية الكثيرة، إبتداءً من قراءة مشاعر الآخرين أو تذكّر العناوين إلى أطروحات مذهلة تمجّد استخدام التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي في كشف الكذب، أو لمعرفة مالذي يحلم به الناس، أو حتى لمعرفة فيما إذا كان الشخص يؤمن بالإله فعلًا.

ولكن هذه التقنية لها عيوبها أيضًا، فقد كان الكثير من العلماء قلقين حيال استنتاج معلومات كهذه من عينات قليلة. البعض الآخر كان قلقًا من الإسهاب في تفسير التغيّرات الصغيرة التي يلتقطها الجهاز.

ففي عام 2009 تم نشر ورقة بحثية عن وجود نشاط واضح في أدمغة سمك السلمون الميت. والآن أضاف مجموعة من الباحثين السويديين بقيادة البروفيسور أندرس إيكلوند (Anders Eklund)، من جامعة لنكوبنغ (Linkoping University)، شكوكًا أخرى تتعلق بوجود خلل في برنامج الحاسوب المسؤول عن استنتاج النتائج التي حصلوا عليها من دراسة الأنشطة الدماغية لمجموعة من المتطوعين، في الأكاديمية الوطنية للعلوم.

حيث تعمل هذه التقنية من خلال تصوير تدفق الدم إلى الدماغ. وتكمن الفكرة هنا، في إن التفكير مشابه لأي عملية وظيفية أخرى في الجسم، تحتاج الخلايا التي تقوم به إلى سكر الجلوكوز والأكسجين والذي يصلها عن طريق الدم، لتحرير الطاقة اللازمة.

فيقوم المجال المغناطيسي المكثّف الذي يولده جهاز التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي بتمييز الهيموغلوبين (بروتين داخل كريات الدم الحمراء وظيفته هي نقل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون من وإلى خلايا الجسم) المؤكسج من غيره، كمؤشر على كمية الجهد الذي تبذله خلايا الدماغ.

عندما يتم تصوير الدماغ، فإن الجهاز سيعرض صورة تتكون من الفوكسلات Voxels (وحدة حجمية مكعبة ثلاثية الأبعاد مشابهة للبكسل في الشاشات ثنائية الأبعاد)، ثم تقوم خوارزمية الحاسوب بتقدير التغيّرات التي تحصل في الفوكسلات على المستوى الفردي أو مستوى التجمعات، حيث وجد الدوكتور إيكلوند ومساعديه المشكلة في عملية معالجة تجمعات الفوكسلات.

ولإثبات وجهة نظرهم قام الفريق بتحميل المعلومات من الجهاز لمجموعة من الأبحاث والدراسات القديمة، تحديدا دراسة أجريت على 499 متطوع تم فحص أدمغتهم وهم في حالة من السكون (دون أن يشغلوا تفكيرهم بشيء معين) ليتم استخدام هذه المعلومات كمقياس لتنظيم ومعايرة النتائج الأخرى، وقد قسّم الباحثون المعلومات بشكل محكم إلى نوعين هما المعلومات القياسية، والمعلومات الداخلة في التجارب، ثم تمت معالجة البيانات من خلال ثلاثة برامج معالجة مختلفة يتم استخدامها في جهاز الرنين المغناطيسي.

وبعد ذلك قاموا بإعادة تقسيمها وتحليلها من جديد، بشكل متكرر إلى أن وصلوا إلى ما يقارب 3 ملايين تحليل في النهاية.

وبما إن جميع المعلومات الأولية قد تم جمعها من متطوعين وتم اعتبارها كمقياس ضبط في الدراسة الأصلية، فقد كان يتوجب أن لا تحتوي نتائجهم على إشارات ملموسة.

لكن من المحتمل أنهم جميعا كانوا يفكرون بشيء ما أو أنهم كانوا يتسكعون في عقولهم عوضًا عن القيام بشيء محدد مطلوب، فلقد كان يتوجب أن تتطابق النتائج في المجموعتين اللتين قام الفريق بتقسيمهما في البداية. ولكن في الكثير من الحالات لم تكن هذه النتائج التي حصلوا عليها، فقد تعرف الجهاز على إشارات موجبة كاذبة (أن تتم قراءة إشارات -مناطق نشاط في الدماغ- وهمية غير موجودة) بنسبة 70%.

بصورة عامة فإن التخلص الكامل من الإشارات الموجبة الكاذبة أمر مستحيل. إلا أن المعيار المتبع في هذا النمط من الأبحاث العلمية هو وجود احتمال واحد لكل 20 نتيجة، وتكمن المشكلة كما يوضح الدوكتور إيكلوند في أخطاء الفرضيات الإحصائية لخوارزميات نظام المعالجة في الجهاز. وكذلك فقد وجد الفريق الباحث ثغرة أخرى أثناء تحقيقهم في البرنامج، فقد عثروا على خطأ برمجي في أحد أنظمة التشغيل الثلاث، والذي كان يولّد نتائج موجبة كاذبة أيضًا.

وتعتبر هذه البرامج الثلاث التي تم فحصها من قبل الفريق الباحث هي القاعدة الأساس التي أجريت من خلالها كل الأبحاث في جهاز التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي. وأشار الدكتور إيكلوند وفريقه إلى أن نتائجهم ستشكك بالنتائج النهائية لما يقارب 40 ألف دراسة منشورة.

وبعد التدقيق في الموضوع بشكل أكبر اتضح كما يعتقدونه بحدود الثلاثة آلاف دراسة قد تكون متأثرة بهذه النوع من الأخطاء، ولكن من دون مراجعتها كل على حدة والتدقيق فيها فإنه من المستحيل معرفة أي 3000 دراسة هي المتأثرة.

وبهذا وضع الدكتور إيكلوند فجوة عميقة في جسد الكثير من الدراسات الفسلجية والعصبية. وهم بذلك أيضًا نبّهوا إلى الكثير من التساؤلات حول العلوم الأخرى كالهندسة الوراثية وعلم الفلك وغيرها من العلوم التي تعتمد على الحواسيب التي تغربل مجموعات كبيرة من المعلومات قبل أن تقدّم الخلاصة للباحثين.

كذلك فقد حاول بعض الباحثين التحقق من الفرضيات التي تم إنشاء أنظمة التشغيل وفقا لها، أو أن يقوموا بتنظيف البرنامج من الأخطاء البرمجية، التي من المؤكد وجودها في البرامج الطويلة والمعقدة. إلا أن الموضوع ليس بهذه البساطة كما يوضح الدكتور إيكلوند، فمن الصعب الحصول على الموارد المالية لهكذا أبحاث، إذ أن الأشخاص المسؤولين عن تمويل الفرق البحثية يهتمون بالعناوين البراقة والاكتشافات، مما يجعل بعض أبحاث التدقيق قليلة الأهمية (لكنها حيوية وضرورية أحيانًا) صعبة الإنجاز.

إن هذا النوع من الاكتشافات قد يكون حجر التغيير بالنسبة للكثير من المفاهيم في العلوم المختلفة -بما فيها علم النفس- التي تعاني من أزمة التغيّر في رصانة الكثير من المفاهيم الأساسية من خلال إعادة التجارب. مما يقترح الحاجة إلى إعادة النظر الدائم والتدقيق وبشكل عاجل.


إعداد: مصطفى الشوك
تدقيق: دانه أبو فرحة
المصدر الاول
المصدر الثاني