تلعب الصور دورًا محوريًا في حياتنا، فتسمح لنا باكتشاف العالم، كي ندركه ونستمتع به.

فزوج العين الذي نملكه يعد أداة جبارة، غير أن تقنيات التصوير الحديثة ذهبت إلى أبعد من هذا، إذ كشفت لنا مجرات سحيقة في كوننا وخلايا ضئيلة في جسدنا.

وليست الرياضيات إلا اللغة التي تحيك خيوط هذه التقنيات.

تمثل الصورة العليا مساحات من غابة إنجليزية، وتمثل الوسطى صورة لأشجار منفردة تم عزلها، أما الصورة السفلى فتمثل صورة نسخة ثلاثية الأبعاد من الصورة الوسطى
حقوق الصور: جوهيون لي

تنتج مجموعة جامعة كامبريدج لتحليل الصور تقنيات يمكن استخدامها في نطاق واسع من التطبيقات، سواء كانت في ترميم الأعمال الفنية أو استعادة صورة الأقمار الصناعية.

وأحدث الأمثلة على ذلك هو أسلوب يمكن تطبيقه ضمن سياقين مختلفين: وهما علم بيئة الغابات ومعالجة مرضى السرطان.

ولم يأت هذا إلى نتيجة للتعاون بين مجموعة علم بيئة الغابات وحفظها- فوريست إيكولوجي آند كونسيرفيشن جروب- وقسم العلوم النباتية في جامعة كامبريدج، وقسم الهندسة، ومختبر كافينديش ومستشفى أدينبروك.

يواجه علماء بيئة الغابات وعلماء الطب المشكلة ذاتها: وهي تمييز الأجسام في الصورة تلقائيًا.

فبالنسبة لعلماء الطب فإن الأجسام قد تكون أعضاء بشرية معافاة في جسم المريض تحتاج إلى الحماية من إشعاع مؤذٍ خلال علاج أعضاء مسرطنة.

وبما أن العضو قد يتمركز في مكان مختلف في كل جلسة علاج، فإن الهدف يمكن في صنع تقنية تحدد تلقائيًا موقع العضو ومن ثم تسلط الإشعاع بناء على هذا الأساس.

أما بالنسبة لعلماء بيئة الغابات فتمثل تلك الأجسام أشجارًا، إذ يتطلب الأمر من العلماء استعراض مجموعة من الأشجار في مساحات شاسعة جدًا تجعل من الصعب عد تلك الأشجار.

وعوضًا عن ذلك، فإنهم يتناولون أنواعًا مختلفة من الصور الجوية: وهي صور طيفية تعطي معلومات عن المادة التي تتكون منها تلك الأشجار وبيانات يستنتج منها ارتفاع تلك الأشجار.

ويجري الحال أن يحلل الحاسوب هذه الصور ويخرج بنتيجة نهائية.

وتلعب الرياضيات دورًا مفيدًا هنا، إذ تحلل الصورة إلى قائمة من الأرقام تخزن على الحاسوب: ويعرف كل بيكسل من الصورة بموقعه (وفقًا لإحداثيين) ولونه (الذي يملك قيمة رقمية) وربما يدلي أيضًا بمعلومات رقمية إضافية.

وحين تتواجد أكثر من صورة للمشهد ذاته، كما في حالة الغابات، تكمن المهمة عندها في إجراء تراكب للصور بشكل صحيح، وذلك لرسم خريطة تربط البكسل الموجود في صورة واحدة بالآخر الموجود في صورة أخرى.

وبما أن الصور تبدو مختلفة فإن هذا يبرز مشكلة لدى العلماء، فكيف يمكن معرفة أي بيسكل يرتبط بالآخر؟ قام الرياضيون بحل هذه المعضلة بتحويلها إلى مشكلة مصغرة؛ أي بالتصغير وحصر الاحتمالات، فعرفوا في البداية جسمًا رياضيًا يقيس الفرق بين صورتين.

ثم تمكنوا من استنتاج الخريطة التي تمتلك أصغر الفروقات من بين جميع الخرائط المحتملة.

تتلخص المهمة التالية لكل من التصوير الطبي والأشجار، في اختبار الخطوط الكنتورية التي تفصل جسمًا ما – كشجرة أو عضو- من محيطه.

وهنا برز الرياضييون مرة أخرى في حل هذه المشكلة بالطريقة ذاتها التي اتبعوها مع المشكلة السابقة.

وببساطة، تكمن الخطوة الأولى في البحث عن خطوط الكنتور التي تفصل الصورة إلى مناطق مختلفة حتى يتساوى المعدل للقيمة الرقمية للبكسلات لأي منطقة مع القيمة المحددة.

توضح الصورة التقنية التي استخدمت في تحديد مكان شرج المريض (حقوق الصورة: الدكتور إكسياهاو كاي

تسمى المسائل التي يتطلب حلها تصغير الكميات الخاضعة لقيود ما أو تكبيرها بالمسائل التغايرية -Variational problems.

وتمتلك هذه المسائل تاريخًا طويلًا مع الرياضيات وغالبًا ما يشكل حل هذه المسائل صعوبة بالغة.

ومن الصعوبة التعرف على المعطى أو الجسم المطلوب تصغيره أو تكبيره، فكيف يمكنك اكتشاف الفرق بين صورتين مثلًا؟

وعلاوة على ذلك، يتطلب هذا النوع من المسائل وجود قيود إضافية لإيجاد حل نهائي.

وعند البحث عن الجسم المطلوب، فإن العديد من الخطوط الكنتورية يحتمل أن ترشح نفسها ما يجبرك على إيجاد طريقة لاختيار المرشح الأفضل.

ويعتمد هذا على السياق: فمثلًا، ربما تقرر الذهاب إلى المرشحين الذي يمتلكون الطول الأقصر.

وتصاغ المسائل التغايرية غالبًا بلغة المعادلات التفاضلية، والتي يمكن استخدامها لوصف التفاضلات الكمية.

انبثق برنامج حاسوبي عن عمل مجموعة تحليل الصور في الجامعة بالتعاون مع مجموعة «VoxTox» لأبحاث السرطان في المملكة المتحدة البريطانية في جامعة كامبريدج، ويتم حاليًا اختبار هذه البرمجية في مختبر كافانديش في الجامعة، كما يجري حاليًا تقييم أسلوب عد الأشجار من أطراف مختلفة حول العالم، وما يميز مجموعة تحليل الصور هو وقوفها على مفترق طرق تتفرع منه حقول مختلفة.

إذ تلعب دورًا في صور الشبكة الرقمية التي تجمع أكاديميين بارزين من المدارس الست التابعة لجامعة كامبريدج وخبراء دوليين وصناعات قائمة على الأبحات، وجميعها تسعى إلى ريادة تقنيات التصوير.


  • ترجمة: قصي أبوشامة
  • تدقيق: رؤى درخباني
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر