ما لا يجب فعله في العلم هو احتكار العلم


يدخل آلاف العلماء في ألمانيا وبيرو وتايوان العام الجديد من دون توفر الوصول عن طريق الإنترنت لمجلات دار النشر الهولندية العملاقة «Elsevier – إلزفير.»

وكانت المفاوضات عن عقود الوصول في ألمانيا وتايوان توقفت في ديسمبر بينما أوقفت الحكومة في بيرو الدعم المالي المخصص لرخصة التعامل مع إلزفير.

ويقول «هورست هيبلر» المتحدث باسم «ديل-DEAL» (وهو اتحاد مكون من المنظمات البحثية والجامعات التي تعمل على نفقة الدولة، وهي تشرف على المفاوضات في ألمانيا): «إنه أمر محزن لكن لا يمكننا قبول ما اقترحته إلزفير حتى الآن.»

تشتكي الجامعات باستمرار من ارتفاع تكاليف المجلات الأكاديمية، وهي تهدد في بعض الأحيان بإلغاء اشتراكاتها ولكن المفاوضون يبرمون غالبًا الاتفاقيات لتجنب توقف الباحثين عن العمل.

ففي العام الماضي مثلًا هددت جمعية من أربع عشرة جامعة في هولندا بمقاطعة «إلزفير» إذا لم توافق على جعل مقالات الكتاب الهولنديين متاحة للوصول إليها. وكانت النتيجة التوصل إلى حل وسط يتاح فيه الوصول إلى 30% من الأوراق العلمية الهولندية بحلول العام 2018.

ولم تتمكن الجمعية الفنلندية هذا الشهر الموافقة على شروط الناشرين الرئيسين ومنهم إلزفير وتوصلت إلى تسوية لتمديد الاتفاق السابق لعام إضافي مع استمرار المفاوضات.

لم يحدث هذا في ألمانيا وتايوان. ومن المفترض في ألمانيا أن تلغي جمعية «ديل» الاتفاقية الدولية الأولى المبرمة حتى بداية 2017.

فهي تريد أن تجعل جميع المقالات الألمانية متاحة أمام الوصول إليها.

ولكن هيبلر يقول إن العقد المقترح عن طريق إلزفير يكلف مبالغ كبيرة، ولا يتضمن أي بند عن إتاحة الوصول إلى تلك المقالات.

انتهت المفاوضات في ديسمبر من دون الوصول إلى أي اتفاق، يقول هيبلر أنها من المحتمل أن تُستكمل في يناير.

ورَدًا على طلب للتعليق أشار المتحدث باسم إلزفير إلى بيان 2 ديسمبر الذي يقول أن الناشر يقترح مسارات لإتاحة الوصول للمنشورات العلمية في ألمانيا، وأنه يتطلع إلى استكمال المحادثات في 2017. ورفضت إلزفير أن تعلق أكثر من ذلك على تفاصيل تلك المفاوضات.

عدم إمكانية الوصول

قبل تكوُّن جمعية ديل، تفاوضت المعاهد الألمانية على عقودها الخاصة مع إلزفير منفردة. وما زالت مئات الجامعات على ذمة عقود فردية لأعوام عديدة، لذلك فهم لم يتأثروا بالتغيرات الجديدة.

تنتهي رخصة الوصول للمجلات في نهاية العام 2016 لأكثر من ستين معهد علمي.

وقد يتم إبرام الاتفاق الدولي، إلا أنه قرروا ألاَّ يتم تجديده تلقائيًا. ويتوقع الباحثون الأكاديميون في تلك المعاهد أن يفقدوا إمكانية الوصول في بعض الحالات إلى تلك المقالات التي تم نشرها من بداية 2017 وحتى الآن، وفي بعض الحالات الأخرى أن يفقدوا الوصول إلى المقالات القديمة المحفوظة أيضًا.

فمثلًا لم يكن لدى الباحثين من جامعة «غوتنغن» إمكانية الوصول إلى المحتوى المحفوظ في المجلات الإقتصادية.

ويمكن للمعاهد المتأثرة اختيار أن تجدد رُخصُها الفردية لكن مع فقدان الوصول للمحتوى خلال استمرار المفاوضات مع ديل.

يقول هيبلر أن إلزفير وجمعية ديل مازالوا حتى الآن مختلفين عن التسعير المنتظر وطريقة العمل مع إمكانية إتاحة الوصول ويقول أيضًا: «لدى دافعي الضرائب الحق في قراءة ما يدفعون من أجله. لابد أن يفهم الناشرون أن الطريق إلى النشر ذو الوصول المفتوح بسعر مناسب أمر لا رجعة فيه.»

ويقول «يان جي هاونج» مدير مكتبة جامعة تايوان الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والتي تعرف أيضًا بـ (NTUST  أو Taiwan Tech): « في تايوان وفي غضون ذلك، أكثر من 75% من الجامعات، منها أهم 11 معهدًا في الدولة شاركت في مقاطعة جماعية ضد إلزفير.»

في السابع من ديسمبر أعلنت الجمعية التايوانية والتي تمثل أكثر من 140 معهدًا أنها لن تجدد عقودها مع إلزفير لأن التكاليف أصبحت باهظة.

انتقلت إلزفير إلى التعامل مع الجامعات فرديًا. لكن جامعة «NTUST» والعديد من الجامعات الأخرى – متضمنة المعهد التايواني الرائد في مجال البحوث «Academia Sinica» – قررت الانضمام إلى المقاطعة بداية من 1 يناير 2017.

فجاء بيان جامعة «NTUST» كالآتي: «بروح من الصداقة الحميمة التي تجمعنا بباقي الجامعات العلمية، قررت مكتبة جامعة تايوان الوطنية للعلوم والتكنولوجيا المشاركة في المقاطعة الجماعية ضد إلزفير مع باقي جامعات القمة في تايوان.»

طرق الوصول البديلة

يقول «رالف شيمر» أمين مكتبة في جمعية ماكس بلانك في ميونخ في ألمانيا (التي لم تنتهي رخصتها مع إلزفير بعد): «المشكلة ليست درامية كما تبدو من الوهلة الأولى، لأنه من السهل الآن الوصول إلى أوراق منشورة حديثًا بطريقة مجانية بعيدًا عن مواقع الناشرين التجارية، توجد العديد من الطرائق الكاملة الشرعية للحصول على الأوراق العلمية من المنصات المتاح الوصول إليها، أو من المعاهد المجاورة أو من المؤلف مباشرة.»

يقول «هاونج»: «تعرض الجامعات المتأثرة في ألمانيا الآن على العلماء إتاحة إمكانية الوصول من خلال قروض بين المكتبات وهي الطريقة المتبعة في تايوان الآن.»

فمثلًا تقدمت جامعة تايوان الوطنية لتشارك في الخدمة الدولية «القروض السريعة بين المكتبات» والتي تُقَدم عن طريق مكتبات جامعة ولاية كولورادو والتي لديها بالفعل أعضاء في تايوان وسنغافورة وأستراليا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ويستعد الباحثون في بيرو أيضًا للتخلي عن إمكانية الوصول إلى منصات إلزفير «سينس دايركت» أو «سكوبوس» بدءًا من العام 2017 وذلك لنقص في تمويل الحكومة لهم.

لكن بعض العلماء هناك يقولون أن هذه ليست مشكلة، لأنهم يستطيعون الحصول على الأوراق العلمية التي يحتاجونها بطريقة غير شرعية من موقع «Sci-Hub.»

يقول أحد علماء الأحياء متخصص في علم النبات (رفض ذكر اسمه): «تنزيل الأوراق العلمية من شبكة الإنترنت أفضل الآن مع موقع Sci-Hub.»

سبب توقف حكومة بيرو عن الدعم المادي للمجلس الوطنى للعلوم والتكنولوجيا والابتكار التكنولوجي (CONCYTEC) اللازم للوصول لمنتجات إلزفير غير واضح. وأعلن المجلس الوطني للعلوم (CONCYTEC) عن المشكلة في 14 ديسمبر، لكنه رفض أن يعلق على أسباب توقف الدعم المالي.

يقول المتحدث باسم إلزفير :«إلغاء العقد كان نتيجة طبيعية لنقص الدعم المادي من الحكومة».

ويعتقد «جوسميل باتشيكو ميندوزا» وهو باحث في جامعة سان إجناشيو دي لويولا في ليما، أن المشكلة نتيجة مجموعة من الأسباب منها نقص الدعم المادي من الحكومة وزيادة تكاليف الاشتراك، فالحكومة تدفع ما يقارب 10 ملايين دولار مقابل الاشتراك لمدة ثلاثة أعوام.

كانت بيرو مؤهلة حتى وقت قريب للحصول مجاناً أو بتكلفة منخفضة على حق الوصول إلى المجلات العلمية الرئيسية تحت مبادرة تسمى «HINARI»، تم إقامتها عن طريق منظمة الصحة العالمية.

لكن نتيجة نموها الإقتصادي، فقدت الدولة هذا الطريق في 2012. في ذلك التوقيت – وقبل أن يبرم المجلس الوطني للعلوم CONCYTEC عقود وطنية تبدأ في 2014 – كان على الباحثون أن يتوسلوا بشتى الطرق للحصول على الأوراق العلمية من خلال مجموعات التواصل الاجتماعي أو من الزملاء في الجامعات الأجنبية، ويقول عالم النبات البيولوجي: «يستخدم الجميع الآن Sci-Hub ولديّ 30 عاماً ويمكنني القول إن حوالي 95% من جيلي كانوا يستخدمونه».

لكن علماء بيرو الأخرين يقولون أنهم يمانعون استخدام Sci-Hub، ولا يمكن أن يكون حلاً دائماً لعدم استطاعتهم الوصول إلى الأوراق العلمية المرغوبة.

وتقول «ديونيكيا جامبوا» وهي عالمة طفيليات جزيئية في جامعة كايتانو هيريديا في ليما :« آمل أن تكون الحكومة على علم بأهمية قواعد البيانات هذه، فعدم استطاعتنا الوصول إلى تلك المعلومات هو خطوة للوراء».


ملحوظة: يوجد تصحيح في المقال نفسة كُتِبَ فيه
يذكر هذا المقال بالأساس أن إلزفير لم تعلق على المفاوضات الألمانية. تم تصحيحها بتفاصيل عن بيان للناشر في وقت سابق

ترجمة: محمد خالد عبدالرحمن
تدقيق: أحمد شهم شريف
المصدر