لعلك لمحت مصطلح «إيجابي الجنس» هنا وهناك، تصحبه بعض العبارات المحررة والداعمة للصحة الجنسية، والدعوة لتقبل الفروق الجسدية والحث على الإجراء الدوري لفحوص الأمراض المنقولة جنسيًا. لكن كون أحدهم إيجابي الجنس لا يقتصر على ممارسته تلك الأمور، بل يمتد الأمر لأن يجعله يستبدل العار بالمتعة والتحرر.

ما معنى أن يكون أحدهم إيجابي الجنس؟

تشير إيجابية الجنس إلى إمكانية أن يصبح الجنس أمرًا ذا أثر إيجابي في حياة الفرد. وأشارت إليها المُثقفة الجنسية جودي هوارد بأنها مساحة الأفراد لتجسيد واستكشاف جنسانيتهم وجندرهم دون خزي أو خوف من الأحكام والانتقادات.

تقول عايدة ماندولي، المُثقِّفة الجنسية واختصاصية العلاج المنصب على الصدمات: «تتضمن إيجابية الجنس أن يكون الفرد غير انتقادي ومُحترِمًا للتنوع الذي يفرضه تعبير الفرد عن جنسانيته وجندره، في إطار القبول والموافقة». مضيفةً إلى ذلك قدرة إيجابية الجنس على ترويج مجموعة معينة من التصرفات.

تقدس إيجابية الجنس التواصل وتشجعه، إلى جانب تقديرها للثقافات التي تهيئ الأفراد لاتخاذ القرارات الواعية فيما يتعلق بأجسادهم وما يثيرهم.

هل من الوارد أن يكون أحدهم «سلبي الجنس»؟

في الواقع، يمكننا أن نقول أن الأفراد عمومًا سلبيون جنسيًا ما لم يثبت العكس. لكن لا يقع اللوم عليهم، بل على المجتمع الذي نشؤوا فيه. تقول جودي: «تترسخ سلبية الجنس في كيفية تسيير المجتمع من حولنا، مثل حث البنات على تغطية أجسادهن بالكامل قبل مغادرة منازلهن حتى في أشد الأيام حرًا. أو توبيخ الأمهات على إرضاع أطفالهن في مكان عام رغم كون ذلك أمرًا طبيعيًا».

تظهر سلبية الجنس في أمثلة أخرى تتضمن الآتي:

  •  ممارسة العنف -الجسدي أو اللفظي- تجاه العاملين في مجال الجنس، أو النساء المتحولات جنسيًا أو حاملي السمات الأنثوية.
  •  اقتصار التربية والثقافة الجنسية على تلقين الطلاب الامتناع عن الجنس وشرح مخاطره، وكيفية ممارسة الجنس بغرض الإنجاب فقط.
  •  مواثيق العفة والطهارة، بقاء الفرد بكرًا حتى زواجه.
  •  حظر بعض المنصات الخبيث لمنشورات المثقفين الجنسيين، مثلما على إنستغرام.
  •  وصم الفتيات بالفسق ولوم ضحايا القضايا الجنسية.
  •  تصنيف المجتمع للنساء بأنهن حسنات أو سيئات.

تقول عايدة: «تتناول سلبية الجنس الجنسانية وممارسة الجنس من منظور الخوف والكبت ووصمة العار». ويفسر ذلك بالافتراض أن جنسانية الإنسان بطبيعتها غير عفيفة وخطرة ومقززة وغير طبيعية وغير قابلة للسيطرة عليها، إضافةً إلى كونها ضارة ومؤذية.

متى بدأت حركة إيجابية الجنس؟

غالبًا يُنسب ابتكار ذلك المصطلح إلى المحلل النفسي ڤيليلم غايش في العشرينيات، إذ صرح بأن الجنس في الواقع هو أمر صحي وحسن، ما كان معارضًا للاعتقاد الشائع حينها. ومع أن هذا التوجه لم يلقَ اهتمام الكثيرين حينئذ، فإنه عاد إلى الظهور مرةً أخرى عندما ظهرت الثورة الجنسية في الستينيات.

ازداد تداول المصطلح من جديد عندما هاجمت حكومة ترامب حقوق العاملين في مجال صناعة الجنس ومتحرري الجنس والمتحولين جنسيًا.

ما الذي تهدف إليه حركة الإيجابية الجنسية؟

تهدف إلى إزاحة العار والأحكام عن الجنس والجنسانية والشهوانية.

تقول إيريكا سميث الحاصلة على ماجستير في التربية، التي تعمل مُثقِّفة جنسية في ولاية فيلادلفيا مع أشخاص تربوا على معتقدات إنجيلية فيما يتعلق بالجنسانية: «أن يكون الفرد خاضعًا للعار والأحكام هي تجربة تعيسة، فيعيق ذلك متعته ويزيد من تدهور حالته النفسية، ويتداخل مع حياته».

بوسع إيجابي الجنس أن يحظى بحياة إيجابية كليًا، لأن الجنس والجنسانية تُعد مفاهيم شاسعة تتداخل في جميع الجوانب الحياتية. تقول عايدة: «تتيح إيجابية الجنس للفرد أن ينعم بالصحة والعافية والتنشئة والمعافاة والاحتفاء».

هل يجب على الشخص ممارسة الجنس ليكون إيجابي الجنس؟

تنفي إيريكا ذلك. وتقول: «لكن عليك التصديق عن قناعة بقدرة ممارسة الآخرين الجنس بأي طريقة يودونها ومع من يريدون، ما دام يوجد توافق».

كيف ننظر للجنس من منظور إيجابي؟

ينبغي للفرد التحلي بالصفات الآتية ليُعد إيجابي الجنس:

  •  الشفافية.
  •  الصبر.
  •  الشجاعة.
  •  الالتزام.
  •  منح نفسه الوقت لإعادة برمجة المعتقدات الثقافية والدينية فيما يتعلق بالجنسانية والجنس.

قد يبدو هذا عملًا شاقًا، ولكن الأمر في النهاية يستحق العناء. تقول عايدة: «يتطلب الأمر تفانيًا مستمرًا لأجل زيادة الوعي والشمولية، والولاء لاتباع فلسفات وممارسات معادية للاضطهاد».

تشير جودي إلى أن ذلك يبدأ بملاحظة كل مرة لم يقابل بها الفرد موضوع الجنس بأسلوب إيجابي، غالبًا جراء نشأته في مجتمع يعتمد ثقافة معادية للجنس. وتقول: «لنقل مثلًا أنك فكرت في مصطلح «عاهرة» عندما رأيت فتاة في بلوزة مقصوصة أو قصيرة. فلتسأل نفسك: لماذا حكمت عليها بهذا؟ ولماذا اعتقدت هذا؟». تنصح جودي بتطبيق ذلك على رفض فكرة علاقات الحب المتعددة «بولي أموري»، بأن يطرح الفرد على نفسه الأسئلة الآتية: لماذا يشعرني هذا بالانزعاج؟ ما الذي يمكنني فعله حيال مشاعري هذه؟ والمبادرة في ذلك بالفعل.

من المهم تقفي الفرد لأثر السلوكيات سلبية الجنس التي يظهرها وتصحيحها لألا يمررها لذريته. متابعة المُثقفين الجنسيين والاطلاع على العاملين بمجال صناعة الجنس والتفاعل معهم يمثل طريقة رائعة لأن يصبح الشخص إيجابي الجنس. فيمكنه عبرهم النظر إلى الجنس والجنسانية بمنظور إيجابي، والتخلي عن ما اعتقده وصدقه سابقًا من مفاهيم سلبية.

اقرأ أيضًا:

لماذا نحب التدخل في حياة الآخرين الجنسية؟

لماذا يدفع بعض الرجال المال مقابل الجنس؟

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: أسعد الأسعد

المصدر