التنظيم الحراري هو الآلية البيولوجية المسؤولة عن الحفاظ على ثبات درجة حرارة الجسم الداخلية، ويشمل نظام التنظيم الحراري: الوطاء في الدماغ، الغدد العرقية والجلد وجهاز الدوران الدموي.

يحافظ جسم الإنسان على درجة حرارة تبلغ حوالي 37 درجة مئوية باستخدام عمليات فيزيائية مختلفة. تتضمن هذه العمليات التعرق لخفض درجة حرارة الجسم، والارتعاش لرفعها، وتضيق الأوعية الدموية أو ارتخائها لتغيير تدفق الدم.

عدم قدرة الجسم على ضبط درجة حرارته تؤدي إلى ارتفاع الحرارة فوق الحد الطبيعي ما يسبب السخونة، والعكس صحيح، إذا انخفضت درجة حرارة الجسم إلى ما دون مستوى الأمان، فعندها يتسبب ذلك بتعرض الجسم إلى هبوط درجة حرارته، ويمكن أن تكون كلتا الحالتين مهددتين للحياة.

تستكشف هذه المقالة التنظيم الحراري وكيفية عمل هذه الآلية الأساسية، وتغطي أيضًا اضطرابات التنظيم الحراري وأسبابها المحتملة.

ما التنظيم الحراري؟

التنظيم الحراري هو الآلية التي تحافظ بها الثدييات على درجة حرارة الجسم ثابتة، على عكس الزواحف التي تتغير درجة حرارة أجسامها مع تغير بيئتها، بينما الثدييات بحاجة إلى الحفاظ على درجة حرارة الجسم ثابتة طوال الوقت.

المجال الطبيعي لدرجة حرارة جسم الإنسان تتراوح بين درجة أو درجتين 37 درجة مئوية.

عندما يعمل التنظيم الحراري كما يجب، يعمل الجسم في مستواه الأمثل، ويمكن أن تؤثر درجة الحرارة المرتفعة جدًا أو المنخفضة جدًا على عمل المراكز الأساسية في الجسم:

  •  القلب
  •  الدوران الدموي
  •  الدماغ
  •  الجهاز الهضمي
  •  الرئتين
  •  الكلى
  •  الكبد

كيف يعمل التنظيم الحراري عند الإنسان؟

يستخدم جسم الإنسان ثلاث آليات أساسية للتنظيم الحراري:

  •  الاستجابات الصادرة
  •  الاستشعار الوارد
  •  التحكم المركزي

الاستجابة الفعالة هي السلوكيات التي يمكن للإنسان التدخل بها لتنظيم درجة حرارة جسمه، ومن الأمثلة على هذا النوع من الاستجابة: ارتداء معطف قبل الخروج من المنزل في الأيام الباردة، والانتقال إلى الأماكن الظليلة في الأيام الحارة.

أما الاستشعار الوارد يتضمن نظامًا من مستقبلات الحرارة المتوزعة حول الجسم لتحديد ما إذا كانت درجة حرارة الجسم الداخلية شديدة البرودة أو شديدة الحرارة، وتنقل هذه المستقبلات المعلومات إلى الوطاء في الدماغ.

يتصرف الوطاء كمركز التحكم في الجسم، مستخدمًا المعلومات التي يتلقاها من الاستشعار الوارد لإنتاج هرمونات تغيّر درجة حرارة الجسم. تُرسل هذه الهرمونات إشارات إلى أجزاء مختلفة من الجسم لكي يتمكن من الاستجابة لدرجات الحرارة المرتفعة أو المنخفضة.

الاستجابة للحرارة:

  •  التعرق
  •  الأوعية الدموية المتوسعة، أو كما تُعرف بتوسع الأوعية
  •  تناقص عمليات الاستقلاب في الجسم

الاستجابة للبرودة:

  •  الارتعاش أو توليد الحرارة
  •  الأوعية الدموية المتقبضة، أو كما تُعرف بتقبض الأوعية
  •  ازدياد عمليات الاستقلاب في الجسم

اضطرابات التنظيم الحراري

مجال درجات الحرارة الصحي لجسم الإنسان ضيّق للغاية، إذا لم يتمكن الجسم من الحفاظ على درجة حرارته ضمن المجال الصحيح يمكن أن يحدث لدى الإنسان اضطرابات التنظيم الحراري.

فرط الحرارة:

ترتفع درجة حرارة الجسم عند فشل التنظيم الحراري، وتصبح درجة حرارة الجسم مرتفعة للغاية. توجد عدة أسباب رئيسية تسبب حدوث فرط الحرارة، تشمل تقلصات حرارية، تظهر على شكل تعرق شديد وتقلصات عضلية أثناء التمارين. وتشمل الإرهاق الحراري، وهو أكثر خطورة ويسبب مجموعة من الأعراض، منها:

  •  التعرق
  •  بشرة شاحبة أو رطبة أو باردة
  •  نبض سريع أو ضعيف
  •  تعب
  •  ضعف
  •  دوخة
  •  غثيان أو إقياء
  •  صداع
  •  فقدان الوعي

ضربة الشمس:

وهي حالة طبية طارئة، تسبب أعراضًا مماثلة للإرهاق الحراري، لكن مع بعض الاختلافات المهمة، التي تتضمن:

  •  بشرة متوهجة أو حارّة، التي قد تكون جافة أو رطبة
  •  نبضًا سريعًا وقويًا
  •  تكون درجة حرارة الجسم بحوالي 39.4 درجة مئوية أو أعلى

انخفاض درجة حرارة الجسم:

تنخفض درجة حرارة الجسم عندما يفقد الجسم الحرارة بشكل أسرع مما يمكنه أن ينتجها، وقد يؤدي التعرض الطويل لدرجات حرارة باردة إلى انخفاض درجة حرارة الجسم، من الأعراض الرئيسية:

  •  ارتعاش
  • ارتباك
  •  إرهاق أو الشعور بالتعب الشديد
  • فقد السيطرة على اليدين
  •  تلعثم الكلام
  •  نعاس
  •  فقدان الذاكرة

يسبب انخفاض درجة حرارة الجسم عند الأطفال الصغار والرضع برودة في الجلد، الذي قد يكون أحمر فاتحًا عند ذوي البشرة فاتحة اللون.

ما أسباب ضعف التنظيم الحراري؟

يمكن أن تؤثر عدة عوامل على التنظيم الحراري، من ضمنها الظروف البيئية والأمراض وبعض الأدوية.

1. الطقس القاسي:

قد يؤثر الطقس القاسي في قدرة الجسم على تنظيم درجة حرارته بشكلٍ كبيرٍ، ويحدث هبوط بدرجة حرارة الجسم عندما يتعرض الشخص لدرجات حرارة شديدة البرودة لفترة زمنية طويلة.

في هذه الحالات، يفقد الجسم الحرارة بسرعة، ولا يستطيع الاستمرار بإنتاجها، ما يتسبب في انخفاض درجة حرارة الجسم.

إضافة إلى درجات الحرارة المتجمدة، يمكن أن يحدث أيضًا هبوط بحرارة الجسم في درجات الحرارة الباردة، إذا سبب العرق، أو المطر، أو الغمر في الماء البارد قشعريرة الجسم.

ومن جهة أخرى، يمكن أن يسبب أيضًا الطقس الحار والتعرض المستمر لأشعة الشمس إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم، فبدلًا من أن يفقد الجسم درجات حرارة أكثر من قدرته على إنتاج الحرارة، يسخن الجسم بشكل أسرع من قدرته على تبريد نفسه.

قد يتطور عند شخص ما أيضًا ارتفاع في درجة حرارة جسمه بسبب تعرضه إلى مجموعة من العوامل في الطقس الدافئ، منها: عدم شرب السوائل بكميات كافية، أو ارتداء ملابس ثقيلة وعازلة، أو زيارة الأماكن المكتظة، أو ممارسة نشاطات جسدية في الخارج.

2. العدوى:

عندما يصاب الشخص بعدوى، تغزو الكائنات الحية الدقيقة الضارة الجسم وتتكاثر.

يمكن أن تنجح هذه العوامل الممرضة في التأقلم مع درجات حرارة الجسم النموذجية، لكن الارتفاع في درجة حرارة الجسم يجعل من الصعب بقاء بعضها على قيد الحياة.

لهذا السبب غالبًا ما تكون الحمى جزءًا من الاستجابة المناعية للعدوى، وهذا يحدث عندما يرفع الجسم درجة حرارته محاولًا قتل الكائنات المسببة للعدوى.

يوصي العديد من الأطباء بترك الحمى تأخذ وقتها حتى يتمكن الجسم من حماية نفسه بشكلٍ كافٍ، ومع ذلك، يمكن أن تنشأ مشكلات صحيّة إذا أصبحت درجة حرارة الجسم عالية جدًا، ما يعيق وظائف الجسم الضرورية.

عند إصابة شخص بحمى تزيد عن 40.5 درجة مئوية ولا تنخفض مع استخدام الأدوية، يجب طلب الرعاية الطبية المستعجلة، وسيعالج الطبيب الحمى بخفض درجة حرارة الجسم إلى مستوى آمن.

3. العمر:

يُعد الرضّع وكبار السن أكثر عرضة للإصابة باضطرابات التنظيم الحراري، والسبب في ذلك هو أن هؤلاء الأفراد لديهم كتلة عضلية أقل، وانخفاض في رد الفعل عند حدوث الرعشة، ومناعة منخفضة.

يميل كبار السن لأن تكون درجة حرارة أجسامهم منخفضة، وهم أقل عرضة للإصابة بالحمى عند انتقال عدوى فيروسية أو بكتيرية إليهم، وفي بعض الأحيان يمكن أن يصابوا بانخفاض حرارة الجسم بدلًا من ذلك.

4. أمراض أخرى:

يمكن أن تؤثر أيضًا الأمراض الأخرى على التنظيم الحراري، وتتضمن هذه الأمراض:

 اضطراب الغدد الصماء:

يتكون نظام الغدد الصماء من الغدد والأعضاء التي تنتج الهرمونات مثل البنكرياس والغدة الدرقية والغدة النخامية والغدد الكظرية، وإذا كان هنالك شيء يتداخل مع إنتاج الهرمونات، فقد يؤثر على درجة حرارة الجسم. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي نقص نشاط الغدة الدرقية أو قصور الغدة الدرقية إلى انخفاض في درجة حرارة الجسم، في حين أن فرط نشاط الغدة الدرقية يمكن أن يسبب ارتفاع درجة حرارة الجسم.

 اضطرابات في الجهاز العصبي المركزي:

يتضمن الجهاز العصبي المركزي كل من الدماغ والحبل الشوكي والأعصاب، ويمكن أن تتداخل الظروف التي تؤثر في الجهاز العصبي المركزي مع التنظيم الحراري بإضعاف الاستشعار الوارد والتحكم المركزي.

بعض الأمثلة على هذه الظروف:

  •  إصابات في الدماغ
  •  إصابات في الحبل الشوكي
  •  الأمراض العصبية، مثل مرض باركنسون أو التصلب المتعدد
  •  أورام

5. الأدوية:

يمكن أن تعطل بعض الأدوية عمل التنظيم الحراري كأثر جانبي، ما يتسبب في ارتفاع مؤقت في درجة حرارة الجسم، يشير بعض الناس إلى هذا العرض الجانبي باسم (حمى الدواء).

من الأمثلة على الأدوية التي يمكن أن ينتج عنها هذا الأثر الجانبي:

  •  مضادات الجراثيم، مثل المضادات الحيوية
  •  مضادات الالتهاب غبر الستيرويدية
  •  الجيل الأول من مضادات الاختلاج
  •  مضادات الاكتئاب

عادةً، يعود التنظيم الحراري بسرعة إلى طبيعته عندما يتوقف الشخص عن تناول الدواء المسبب، ويجب أن يستشير المرضى أطباءهم دائمًا قبل تغيير جرعة أدويتهم.

اقرا أيضًا:

انخفاض الحرارة (Hypothermia): أسباب وأعراض وتشخيص وعلاج انخفاض حرارة الجسم

كيف تقيس حرارة الجسم بشكل صحيح؟

ترجمة: جوليا كاملة

تدقيق: بيان عصفور

المصدر