“لو وضعت وعائين متشابهين يحتويان على نفس الكميّة من الماء في الثلاجة، أحدهما درجة حرارته 35 درجة مئوية، والآخر 100 درجة مئوية، الوعاء الذي بدأ بـ100 درجة مئوية يتجمد أولا، لماذا؟”

هكذا سأل التانزاني ارناستو مابيمبا أستاذ فيزياء في نهاية محاضرة بدار السّلام، حيث لاحظ هذه الظاهرة وهو في المرحلة الثانوية حين كان يجمّد مزيج آيس كريم في أوائل السيتينيات.

رغم حصوله على كمّ سخرية من زملاؤه، إلا أنه حين جرب الأستاذ التجربة لاحقًا تأكد من صحة كلام مابيمبا، فسُميت باِسمه، مع أنه قد تمّ ملاحظة هذه الظاهرة من قِبَل فلاسفة أمثال أرسطو، فرانسيس بيكون، ورينيه ديكارت.

الماء هو أكثر المركّبات توفرًا على كوكب الأرض، إلا أنه يظل غامضًا.

فمثلا، مثل كل المركبات فهو يصبح أكثر كثافةً مع التبريد، ولكن، مختلفًا عن باقي المركبات، يصل لأقصى كثافته عند درجة حرارة 4 مئوية، ثم يصبح تقل كثافته قبل أن يتجمّد.

حتى وهو في شكله الصلب، فهو أقل كثافة، لذلك يطفو الثلج على سطح الماء.

هذا ساعد على ظهور الحياة على الأرض – لو كان الثلج أكثر كثافة، لتجمدت المحيطات والبحار من الأسفل للأعلى، مانعةً أي نوع من الكيمياء التي تجعل الحياة ممكنة.

وهناك ظاهرة مابيمبا الغامضة هذه، والتي ظلّت لغزًا حتى الآن.

لقد تمّ قياس الظاهرة في عدة مرات، كما وُضع الكثير من التفسيرات من العلماء.

أحدها هو أنّ الوعاء الدافئ يخوض تواصل حراري أفضل مه الثلاجة، وبالتالي يوصل الحرارة أسرع، فيتجمد أسرع.

تفسير آخر هو أنّ المياه الدافئة تتبخر بسرعة أكبر، وبما أن هذه عملية ماصّة للحرارة، فهي تُبرّد المياه فتسمح لها بالتجمد الأسرع.

غير مقنعة بالكامل أيّ من هذه التفسيرات، لذلك هناك مساحة لأبحاث وتفسيرات أفضل.

اليوم يُقدم تشانغ تشى وزملاؤه من سنغافورة تفسير جديد، يقولون أن مفارقة مابيمبا هي نتيجة الخواص الاستثنائية للروابط المختلفة التي تمسك المياه.

ما هو الاستثنائي في روابط المياه؟ جزئ الماء الواحد يتكوّن من ذرة أوكسجين كبيرة مربوطة بذرتي هيدروجين صغيرتين عن طريق رابطة تساهمية عادية.

ولكن ضع جزيئات المياه مع بعضها البعض، فتلعب الترابطات الهيدروجينية دورًا هامًّا أيضًا، هذا يحدث بين ذرة هيدروجين في جزئ، وذرة أوكسجين في جزئ آخر.

عرف علماء الكيمياء أهمية هذه الروابط، فنقطة غليان الماء أعلى من السوائل الأخرى بسبب الترابطات الهيدروجينية، كذلك تلعب هذه الترابطات الدور في تماسك الماء في النباتات في طريقه من أسف لأعلى.

الفكرة الرئيسية في البحث الجديد هو أنه كلما تدفأ المياه، كلما زادت المسافة بين جزيئات المياه نتيجة قوة التنافر الطبيعية بينها.

هذا يضطر الترابطات الهيدروجينية للتمدد، وتمدد ترابط يعني أن هنالك طاقة يتمّ تخزينها.

يقترح الباحثون أن هذه الطاقة تخرج مع تبريد الماء، سامحةً للجزيئات بالتقرّب من بعضها البعض، وكما يعلم أي طالب كيمياء، إخراج طاقة = تبريد.

المياه الدافئة لديها تمدد للترابطات الهيدروجينية أكثر من المياه الباردة، وبالتالي فهي تُخزّن طاقة أكثر، ولديها أكثر لتخرجه حين تتعرض لدرجة حرارة التجمد.

هذا، كما يقول الباحثون، هو سبب تجمد المياه الدافئة أسرع من الباردة.

حتى هذه اللحظة يبقى البحث نظريًا، لازال يجب إجراء المزيد من الأبحاث لاعتبار هذا كله صحيحًا في المجتمع العلمي.