في مواقف معينة، قد تبدر منك تصرفات أو كلمات لم تقصد بها إهانة من أمامك.

فتدرك ذلك بعد فوات الأوان، وبعد أن يبدأ الشخص بالتحديق فيك بغضب، فتشعر فجأة برعشة في قلبك، تتسارع نبضاته، تشعر بطعم نحاسي في فمك وحرارة في وجنتيك.

لقد تعرضت يا صديقي لموقف محرج وأنت تحمرّ بسببه.

الشعور بالإحراج والاحمرار يترافقان سوية في استجابة طبيعية لحالة مفاجئة من الوعي بالذات.

لكنها حالة فريدة أراد العلماء معرفة المزيد عنها.

بينما لا يزال الجانب النفسي مبهمًا لهذه الظاهرة، يسهل علينا فهم العملية الفيزيائية وكيفية عملها.

الاحمرار عند الإحراج يخضع لنظام الجهاز العصبي الودي، وهو ذات النظام الذي يُفعّل استجابات (الكر والفر).

هذا النظام لا إرادي أي لا يمكنك التحكم بعملياته.

بالمقابل تحريك ذراعك هو عمل إرادي عليك التفكير فيه.

يُفرز الجسم هرمون الأدرينالين عند الشعور بالإحراج، يعمل كمنبه طبيعي وله تأثيرات عديدة على الجسم تستجيب لها كافة أقسام الجملة العصبية (الكر والفر).

يزيد الأدرينالين معدل التنفس ودقات القلب استعدادًا للركض بعيدًا عن الخطر، ويساعد على توسيع الحدقة ليسمح بالحصول على أكبر قدر ممكن من الانتباه البصري.

يبطئ الأدرينالين أيضًا عميلة الهضم ليوجه الطاقة للعضلات.

كل هذه التأثيرات تحدث عند التعرض لموقف محرج.

عند احمرار الوجنتين، يوسّع الأدرينالين الأوردة ليحسّن من ضخ الدم ووصول الأكسجين.

حيث تستجيب الأوردة في الوجه للإشارة الكيميائية المُرسلة من الناقل الكيميائي (Adenylyl cyclase) الذي ينبه الأوردة لتسمح للأدرينالين بالقيام بسحره.

كنتيجة لذلك تتوسع الأوردة في الوجه فاسحة المجال للمزيد من الدم كي يتدفق أكثر من المعتاد.

عندها يحمر الوجه كاشفًا للآخرين الشعور بالإحراج.

أسباب أخرى قد تؤدي لاحمرار الوجه، كشرب الكحول او الاستثارة الجنسية.

لكن الاحمرار بسبب التعرض للإحراج هو الاحمرار الوحيد الذي يتسبب به الأدرينالين، مما يجعل منه ظاهرة فريدة.

يعاني بعض الأشخاص الخوف من الاحمرار (Erythrophobia) الذي يدفعهم لاختيار الخضوع لعملية جراحية تحد من استجابتهم لاحمرار الإحراج.

هذه العملية تُدعى (endothoracic sympathectomy) يُقص فيها عصب صغير في العمود الفقري مسؤول عن هذه الحالة.

إن الاحمرار يُفترض أن يعكس خبرة تتسم بالقوة، لكن لماذا تطورت هذه الاستجابة لتصبح استجابة مُحرجة؟ لم يستطع العلم ان يجيب بشكل قاطع على هذا التساؤل، لكن مجموعة من النظريات المثيرة للاهتمام قد تقدم تفسيرًا لذلك.

إذا كنت تدرس ظاهرة الخجل بشكل موضوعي فإنها تبدو ظاهرة غريبة قليلًا، ما الذي يمكن أن يتسبب في تدفق الكثير من الدم إلى الوجنتين عند الشعور بالإحراج؟

صُنّف الاحمرار على أنه ظاهرة عالمية واستثنائية عند البشر، لكن لماذا نطور عملية خاصة تظهر _فيزيائيًا_ شعورنا بالخجل؟ ومن أين يأتي هذا الاحمرار؟

استنتج أستاذ علم النفس (ري كروزر) في جامعة East Anglia)) في المملكة المتحدة أن الشعور بالخجل تطور كوسيلة لتعزيز الرموز البشرية تُلزمنا بالتعامل بطريقة ودية مع مجتمعاتنا.

إننا عند الاحمرار _نتيجة الشعور بالحرج_ نُظهر للآخرين إدراكنا ارتكاب الخطأ ودفع ثمنه.

بطبيعة الحال، يتفهم الآخرون مشاعرنا المستاءة عند المرور بموقف محرج، وقد يُعتبر الاحمرار بمثابة اعتذار جسدي صامت عن خطئنا.

صرّح (كروزر) لمحطة (BBC) الإخبارية بأن الشعور بالإحراج يُظهر ذكاءً عاطفيًا: «شرطًا أساسيًا للشعور بالإحراج هو ان تكون قادرًا على الإحساس بالاخرين، وعليك ان تكون متعاطفًا وذكيًا تجاه الوضع الاجتماعي».

هذا التعاطف والذكاء الاجتماعي يظهر عند الإنسان ليتطور في عمر مبكر، تقريبًا في الوقت الذي ندخل فيه إلى المدرسة ونبدأ بالانخراط في الأوضاع الاجتماعية مع الآخرين.

اكتشف علماء النفس _عند دراسة تطور الذكاء الاجتماعي_أن الاحمرار من الخجل يتطور جنبًا إلى جنب مع وعيننا بالآخرين، وهذا يدعم فكرة أن الاحمرار له أسس اجتماعية.

وصف الفيلسوف (توماس هوبيز) المجتمعات البدائية بالبذيئة، البهيمية والهشة.

إذا كان وصفه صحيحًا، إذًا قد يكون الاحمرار هو معنى متطور لإظهار أسف حقيقي لإهانة شخص ما.

بما أننا نحن البشر حيوانات أيضًا، فإن لمحة سريعة على شركائنا بالحياة تجعلنا ندرك بأن الإهانة تؤدي إلى العنف. كنتيجة لذلك، طورت الحيوانات طرقًا لإظهار إشارات اعتذار للآخرين عما اقترفته.

عندما ترى كلبك يتدحرج في الحديقة مظهرًا لك بطنه، فهو بذلك لا يتحدى غضبك على إحداثه حفرة هناك، إنما هي محاولة لإظهار ندمه.

من الصعب على معظم الأشخاص في هذه الحالة أن يستمروا بشعور الغضب اتجاه الكلب المتدحرج أمامهم.

لذلك قد تكون ظاهرة الاحمرار عند البشر طريقتهم لإظهار ندمهم على التصرف الاجتماعي السيء.

تفسير آخر يقترح أن يكون الاحمرار تعبيرًا عن الغضب وليس شعورًا بالندم.

بناءً على فرضية (NPA) اختصار (النرجسية، الكمالية والعدوانية) فإن الشخصية النرجسية تعتمد على السعي وراء المجد والمعرفة، وعند خضوع هذه الشخصية لموقف محرج سنلاحظ احمرار الوجه وارتفاع الأدرينالين.

بغض النظر عما يثبت ظاهرة الاحمرار تلك، فقد طور العالم قدرته على المسامحة عند الشعور بالإحراج.

في كل مرة تُحرج بها وتبدأ بالاحمرار، تأكد من أن هذا الموقف سيمر وينتهي أيضًا .


  • ترجمة: إسراء العبيد.
  • تدقيق: آلاء أبو شحّوت.
  • تحرير: عيسى هزيم.

المصدر