ما هي البيولوجيا الجزيئية ؟

تُعرف البيولوجيا الجزيئية (أو علم الأحياء الجزيئي) بأنها دراسة الكائنات الحية (المتعضيات) على مستوى الجزيئات التي تتحكم بها وتشكلها، وبينما تركز البيولوجيا التقليدية على دراسة المتعضيات ككل وكيف تتفاعل ضمن جماعات (مقاربة من الأعلى إلى الأسفل)، تسعى البيولوجيا الجزيئية لفهم المتعضيات بتفحص مكوناتها (مقاربة من الأسفل إلى الأعلى)، وتُعتبر كلتا المقاربتين صحيحتين بالتساوي، بيد أن التطورات الطارئة على التكنولوجيا سمحت للعلماء بالتركيز أكثر على الجزيئات الحيوية و الحمض النووي في السنوات الأخيرة.

مقدمة للبيولوجيا الجزيئية

يُعنى جزيء الحمض النووي الريبي منزوع الأوكسجين (DNA) بحمل التعليمات الوراثية لكل كائن حي تقريبًا، ولا تتيح بنيته الكيميائية الفريدة نسخ هذه المعلومات ونقلها لسلالة الكائن الحي وحسب، وإنما تؤمن للعلماء فرص تحري ذاك الكائن على مستوى جزيئي، وكنتيجة لذلك، تتصدر تقنيات البيولوجيا الجزيئية معظم أحدث الأبحاث العلمية، ويرد في المقال التالي عدد من تلك التقنيات الشائعة المتعلقة بالـ(DNA).

وتُعتبر البيولوجيا الجزيئية فرعًا متخصصًا من الكيمياء الحيوية، وهي دراسة كيمياء الجزيئات المرتبطة بشكل خاص بالعمليات الحيوية، وتهتم البيولوجيا الجزيئية بشكل نوعي بكل من الحمضين النووين الريبيين، منزوع الأوكسجين وغير المنزوع (الـDNA والـRNA)، والبروتينات التي تُبنى باستخدام تعليمات وراثية مرمزة في تلك الجزيئات، كما يمكن دراسة جزيئات حيوية أخرى، مثل الكربوهيدرات والشحوم، في هذا المجال لتحري تداخلاتها مع الحموض النووية والبروتينات.

البيولوجيا الجزيئية الجزيئات الحمض النووي

وغالبًا ما تُفصل البيولوجيا الجزيئية عن مجال بيولوجيا الخلية (أو علم الأحياء الخلوي)، والذي يركز على البنى الخلوية (أي العضيات الخلوية وما شابهها)، والمسارات الجزيئية ضمن الخلية ودورات حياة الخلايا. وتؤمن الجزيئات التي تشكل أساس الحياة أداة أكثر آلية وقابلية للتنبؤ ليدرسها العلماء، فقد يكون العمل على متعضية بأكملها (أو حتى مجرد خلايا بأكملها) غير قابل للتنبؤ، وتعتمد فيه نتائج التجارب على تفاعل آلاف المسارات الجزيئية والعوامل الخارجية.

وبالتالي تزوّد البيولوجيا الجزيئية العلماء بمجموعة أدوات يمكنهم من خلالها الانشغال بالتجريب في الطرق التي تعمل بها الحياة، فيستطيعون أن يستخدموها لتحديد وظيفة مورثات أو بروتينات مفردة، واكتشاف ما قد يحصل إذا غابت إحداها أو عُطبت، كما تُستخدم البيولوجيا الجزيئية لتحري توقيت تفعيل بعض المورثات وإلغاء عملها والسبب وراء ذلك، وقد أدى استيعاب كل من العوامل المذكورة إلى فهم العلماء لآلية عمل الكائنات الحية بشكل أكبر، واستخدام هذه المعرفة لتطوير علاجات عند قصور هذه الآلية.

تقنيات بيولوجيّة جزيئية شائعة

تغطي القائمة التالية بعضًا من أكثر تقنيات البيولوجيا الجزيئية المُستخدمة شيوعًا، بيد أنها ليست شاملة:

● الرحلان الكهربائي – وهي عملية تفصل الجزيئات، مثل الـ(DNA) والبروتينات، عن بعضها تبعًا لحجمها، وتُعتبر دعامة أساسية في مخابر البيولوجيا الجزيئية. رغم أن معرفة حجم جزيئة ما قد لا يبدو مهمًا كثيرًا، يمكن استخدامه لتحديد الجزيئات أو أجزاء الجزيئات، وللتحقق من أن الجزيئة المُتناولة هي الصحيحة والمطلوبة.

● تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) – هي عملية تُستخدم لتضخيم عينات صغيرة جدًا من الـ(DNA) لكميات يمكن استخدامها في تجارب لاحقة، وتُعتبر أداة أساسية في البيولوجيا الجزيئية للتأكد من وجود كمية كافية من الـ(DNA) لإنجاز تقنيات لاحقة، كالتعديل الجيني، بالإضافة إلى امتلاكها استخدامات عملية أوسع كما في الطب الشرعي (تحديد الهوية بواسطة مرتسم الـDNA) وتشخيص الأمراض، كما يمكن توظيف تفاعل البوليميراز المتسلسل لإدخال طفرات نقطية صغيرة لمورثة ما من خلال عملية تُدعى التطفير الموجه للموقع (site-directed mutagenesis).

● الهضم الاقتطاعي – عملية اقتطاع الـ(DNA) لأجزاء صغيرة باستخدام إنزيمات فعالة على تتالٍ جيني محدد فقط.

● الربط – عملية وصل قطعتي (DNA) مع بعضهما، وتُعتبر مفيدة عند إضافة قطعة جديدة من هذا الحمض النووي لجينوم آخر.

● التلطيخ – تقنية تُستخدم لتحديد الجزيئات الحيوية بشكل نوعي تلو الرحلان الكهربائي، ويُشار للجزيء المرغوب إما بمسبار موسوم (طاق متمم من الحمض النووي)، أو ضدّ موسوم مُصطنع لبروتين معيّن.

● التنسيل – تقنية إدخال مورثة جديدة لخلية أو متعضية، ويمكن استخدامها لدراسة تأثير تعبير تلك المورثة على المتعضية، وذلك لتحويل الأخيرة لمعمل يُنتج كميات كبيرة من البروتين الذي تُرمز له المورثة، أو (مع استخدام مادة واسمة) تحديد مكان التعبير عن منتجات تلك المورثة في المتعضية، ويُدعى إدخال مادة وراثية لجرثومة ما بالاستحالة (transformation)، بينما يُسمى إدخالها لخلية حقيقية النواة بالتعداء (transfection)، أما إذا استُخدم فيروس لإدخال هذه المادة، فستُدعى العملية حينئذ بالتنبيغ (transduction).

وتُستخدم كل من التقنيات السابقة بالتزامن مع تقنيات أخرى لمساعدة العلماء على حل سؤال بحثي معين، فعلى سبيل المثال، بعد استخدام الـ(PCR) لإنتاج كميات كبيرة من مورثة معينة، يمكن للعلماء أن يربطوا الجين المرمز لبروتين معين داخل ناقل بلاسيميدي (طاق دائري قصير من الـDNA بعمل كحامل)، وأن يُنجزوا هضمًا اقتطاعيًا سريعًا ورحلانًا كهربائيًا للتأكد من أن المورثة قد أُدخلت بالشكل الصحيح، ومن ثم استخدام ذاك البلاسميد لاستحالة خلية جرثومية ستُستخدم لإنتاج كميات كبيرة من الناقل، وبعد تنقيته من الجرثومة، يُستخدم الناقل لتعداء خلية ثدية ضمن مزرعة خلوية، وبعد ذلك يستخدم العلماء الرحلان الكهربائي للبروتينات وتلطيخ ويسترن لتوضيح التعبير عن منتج المورثة المدروسة.

اقرأ أيضًا:

معظم كتب البيولوجيا تهمل الحشرات – أكثر الحيوانات وفرة على الكوكب

هذه الفيروسات الضخمة بشكل لا يصدق تتحدى البيولوجيا وتخلق جيناتها الخاصة

بخلق بروتيناتٍ وأحماضٍ نوويةٍ غير طبيعيةٍ، هل سيسيطر الإنسان على البيولوجيا؟

مقدمة إلى البيولوجيا الجزيئية : الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين « المقال الأول »

هل يمكن الكشف عن هويتك من خلال الحمض النووي حتى لو لم يسبق لك إجراء اختبار الحمض النووي من قبل ؟

قد يكون هذا العنصر المفقود لنشأة الحياة

المصدر

ترجمة: سارة وقاف
تدقيق: رزان حميدة