يستخدم علماء الأحياء وغيرهم من العلماء الأسلوب العلمي في طرح الأسئلة عن طبيعة العالم. يبدأ الأسلوب العلمي بالملاحظة، والتي تقود العالِم إلى طرح سؤال، ثمّ يأتي العالِم بأطروحةٍ بُنيت على اختبار يمكن تفسيره.

ليس ضروريًا أن تكون الأطروحة صحيحة، ولكنّها التخمين الأقرب للصواب، ويجب على العالِم أن يختبرها ليتأكد من صحتها. يختبر العلماء الأطروحات بوضع التوقعات؛ إذا كانت الأطروحة (س) صائبة، إذن (ص) صحيحة. ثم يلاحظون ما يقومون به من تجارب ليتأكدوا من صحة التوقعات. إن صحّت توقعاتهم، ستصبح الأطروحة مدعومة، وإن خابت توقعاتهم، فيلجؤون لأطروحة جديدة.

كيف تُختبر الأطروحات؟

عند سماح الظروف، يختبر العلماء أطروحاتهم باستخدام التجارب الضابطة. والتجربة الضابطة اختبار علمي يحدث تحت ظروف مُعيَّنة، إذ يتغير عامل -أو عدد قليل من العوامل- في التجربة، كلٌّ على حدة، بينما يظل ما بقي من العوامل ثابتًا.

في بعض الحالات، لا يستطيع العالم تطبيق التجارب الضابطة لسبب عملي أو أخلاقي، لذا يلجأ العالم لوضع توقعات لأطروحته تتضمن أنماطًا مختلفة تظهر في الطبيعة في حال ثَبُتت صحة الأطروحة، ثم يجمع تلك البيانات ليتأكد من وجود تلك الأنماط حقًا.

التجارب الضابطة

ما أهم عناصر التجارب الضابطة؟

دعنا نستخدم هذا المثال البسيط لنتعرف عليها:

لنفترض أننا نريد زرع براعم الفاصولياء في المطبخ بجانب النافذة. سنضع البذور في وعاء مليء بتربة خصبة، ونتركها بجانب عتبة النافذة، ثمّ ننتظر ظهور البراعم. مرت أسابيع عدة ولم نحصل على براعم، لماذا؟ يبدو أننا نسينا أن نسقي البذور ماءً. لذا فأطروحتنا هي أن البذور لن تنمو إلى براعم إلا إذا سُقيت ماءً.

لكي نختبر أطروحتنا سنستخدم وعائين متماثلين يحويان نفس نوع التربة وسنضعهما على النافذة ذاتها. يوجد بهما عشر بذور من الفاصولياء. الفارق الوحيد بينهما أننا سنسقي واحدًا منهما يوميًا، والآخر لن نسقيه مطلقًا.

بعد أسبوع، تبرعمت 9 بذور في الوعاء الأول، بينما لم تظهر أي براعم في الوعاء الآخر. يبدو أن الأطروحة «تحتاج البذور إلى الماء لتتبرعم» صائبة!

ما هي التجربة ذات الشواهد وكيف تجرى - الأسلوب العلمي في طرح الأسئلة عن طبيعة العالم - التخمين الأقرب للصواب - طرح الأسئلة الصحيحة

المجموعات الضابطة والتجريبية

توجد مجموعتان في تلك التجربة، وكلتاهما متماثلتان في كل شيء عدا أن إحداهما تُروى بالمياه. تُسمى المجموعة التي تستقبل المياه بالمجموعة التجريبية، بينما تُسمى المجموعة الأخرى بالمجموعة الضابطة. تزوّدنا المجموعة الضابطة برؤية صحيحة عن فائدة المعالجة بالمياه من عدمها.

المتغيرات المستقلة والتابعة

في هذه الحالة، أصبح العامل المتغير بين المجموعتين هو كمية المياه، ويُعرف بالمتغير المستقل؛ وذلك لأن هذا المتغير لا يتعلق بالتغير الحاصل في التجربة، بل يحدده العالِم المختبِر بنفسه.

في المقابل، يُعرف المتغير التابع بقياس الاستجابة الحاصلة في التجربة، لمعرفة إن كان للمعالجة تأثير ما. في حالتنا، نعتبر تبرعم بذور الفاصولياء المتغير التابع الذي اعتمد على وجود المياه وهي المتغير المستقل، ولا يمكن للعكس أن يكون صحيحًا.

البيانات التجريبية هي مشاهدات تحدث أثناء التجربة. وفي هذه الحالة، فإن عدد البذور المتبرعمة هو ما حصلنا عليه من بيانات.

التباين والتكرار

ظهرت تسعة براعم فقط، من عشرٍ سُقِيَت. ماذا حدث للبذرة العاشرة؟ كانت البذرة ميتة في الأساس أو غير صحية أو ذات نمو بطيء. يحدث التباين في المادة المكوِّنة لعناصر التجربة كثيرًا، خاصة في علم الأحياء -بذور الفاصولياء في حالتنا- ولا يستطيع العالم التنبؤ بمثل هذا التباين. ولذلك تستخدم تجارب علم الأحياء عينات كثيرة وتُكرَّر التجربة مراتٍ عدّة . يحصل العلماء على استنتاج دقيق كلما زاد عدد العينات ومرات تكرار التجربة.

يستخدم علماء الأحياء وغيرهم من العلماء الاختبارات الإحصائية لتساعدهم في التمييز بين الاختلافات الحقيقية والاختلافات الناتجة عن المتغيرات العشوائية، كالمقارنة بين المتغيرات المستقلة والتابعة.

دراسة عن تجربة ضابطة: «غاز ثاني أكسيد الكربون وتحول لون الشُعب المرجانية إلى الأبيض»

يمكن تقصّي دراسة عن تحوّل لون الشعب المرجانية إلى الأبيض، لتكون بمثابة مثال واقعي عن التجارب الضابطة. تملك الشعب بداخلها عضيات دقيقة قادرة على إتمام عملية التركيب الضوئي. يتغير لون الشعب للأبيض عندما تترك تلك العضيات جسم الشعب المرجانية متأثرةً بالتوتر البيئي حولها. تشير هذه الصورة إلى شعبة مرجانية سليمة في الخلف وأخرى متحولة في الأمام.

ارتكزت الكثير من الأبحاث على تأثير درجة حرارة المياه على الشعب المرجانية، بينما طرح فريق بحث أسترالي أطروحةً يقترحون فيها عوامل أخرى قد تكون مهمة. اختبروا تأثير مستوى ثاني أكسيد الكربون المرتفع تحديدًا، والذي يزيد من حمضية مياه المحيط، مؤثرًا على تحول لون الشعب إلى الأبيض.

اختبار الأطروحات غير الخاضعة للتجربة

لا يمكن اختبار بعض الأطروحات لأسباب أخلاقية أو عملية. على سبيل المثال، لا يمكن اختبار أطروحة عن العدوى الفيروسية بفصل مجموعة صحيحة من الناس إلى مجموعتين؛ مجموعة منهم تصيبهم العدوى. إصابة مجموعة صحيحة من البشر ليس آمنًا ولا أخلاقيًا. وبالمثل، لا يمكن لعالم البيئة أن يجعل جزءًا من القارة ممطرًا بينما يجعل الجزء الآخر جافًا.

يعمد العلماء في هذه الحالة إلى اختبار الأطروحة بطريقة غير تجريبية، فهم يتوقعون أنماطًا معينة أو مشاهدات تمكن ملاحظتها في الطبيعة إذا كانت الأطروحة صحيحة. ثم يجمعون بيانات تلك الأنماط والمشاهدات و يحللونها ليتأكدوا من وجودها بالفعل.

ما هي التجربة ذات الشواهد وكيف تجرى - الأسلوب العلمي في طرح الأسئلة عن طبيعة العالم - التخمين الأقرب للصواب - طرح الأسئلة الصحيحة

دراسة عن: «ابيضاض الشعب المرجانية ودرجة الحرارة»

يُعدّ ابيضاض الشعب المرجانية مثالًا جيدًا عن اختبار الأطروحات المبني على المشاهدات. وكما ذُكِر من قبل أن ابيضاض الشعب المرجانية هو فقدانها للعضيات الدقيقة القادرة على القيام بعملية التركيب الضوئي. اشتبه العلماء في تسبب ارتفاع درجة حرارة المياه في ذلك، واختبروا تلك الأطروحة تجريبيًا على نطاق ضيق، باستخدام قطع من الشعب المرجانية في أحواض مائية.

ما أراد علماء البيئة معرفته حقًا؛ هل يتسبب ارتفاع درجة حرارة المياه في ابيضاض الشعب المرجانية بكل أنواعها أم لا؟

لا تمكن معرفة الإجابة عن هذا السؤال باختبار الأطروحة بالطريقة التجريبية، لأن ذلك لن يكون أخلاقيًا، أو حتى ممكنًا إذ لا يستطيع العلماء التحكم في درجة حرارة المياه المحيطة بكل أنواع الشعب المرجانية.

استبدل العلماء التجربة الطبيعية ببرنامج حاسوبي يتنبأ بحدوث الابيضاض تبعًا لدرجات حرارة المياه المسجلة سابقًا. على سبيل المثال، سيتنبأ البرنامج بابيضاض الشعب المرجانية في مكان ما عندما تزداد درجة الحرارة في هذا المكان درجةً واحدة عن المتوسط الشهري.

استطاع البرنامج التنبؤ بالعديد من أحداث الابيضاض قبل أسابيع وشهور من حدوثها، مثل حدث الابيضاض في حاجز الشعب المرجانية العظيم عام 1998. دعمت تنبؤات الحاسوب الصحيحة أطروحة العلماء أن لارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات تأثيرًا في ابيضاض الشعب المرجانية في الطبيعة.

اقرأ أيضًا:

إيجابيات المنهج العلمي وسلبياته

ما هو المنهج العلمي ؟ وما خطواته؟

ترجمة: علي المغربي

تدقيق: نغم رابي

المصدر