أعلنت المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن – CERN) أنها حاصرت ذراتٍ كاملةً من المادة المضادة لأكثر من ست عشرة دقيقةً، وتُعتبر هذه أطول فترةٍ يمكن فيها التمسك بذرات المادة المضادة فهي معروفةٌ بصعوبة تجميعها؛ لأن المادة المضادة تُفنى كلما واجهت ذرات المادة الاعتيادية.

قامت المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية الواقعة في جنيف بالإعلان المعتاد الذي يصاحبه تقدمٌ علميٌّ كبيرٌ من ناحية المادة المضادة: «نحن الآن على مقربة خطوةٍ واحدةٍ من حل أعظم ألغاز الطبيعة والكون».

من المفترض أن يُنتج الانفجار العظيم كمياتٍ متساويةً من المادة والمادة المضادة، لكنَّ المادة المضادة نادرةٌ جدًا، لذا يأمل العلماء معرفة ما الذي حدث لها وكيف تعمل، وهذا بدوره يمكن أن يعيد فهمنا الأساسي للمادة الاعتيادية.

وقال البروفيسور (جيفري هانجست – Jeffrey Hangst) في إعلانه عن الإنجاز الذي دام ست عشرة دقيقة: «لقد اختفى نصف الكون، لذا يبدو أن هنالك نوعًا من إعادة التفكير في الأمور التي ستتم مناقشتها.

لا يمكن إنكار الإمكانيات المتعمقة للتقدم الذي أحرزته سيرن، لذا سأترك هذه المناقشة للآخرين وبدلًا من ذلك سأغتنم هذه الفرصة لاستكشاف جانبٍ آخر من المادة المضادة، وهو الجانب العملي أو حتى الجانب اليوميّ.

هناك شيءٌ واحدٌ مؤكدٌ حول المادة المضادة، هو أنها تتفجر عندما تجتمع مع المادة الاعتيادية، لذا فإن تسخير ذلك في الاستخدامات الممكنة لا حدود له».

(التصوير المقطعي بالانبعاث البوزيتروني – Positron Emission Tomography) (PET) واحدٌ من أهم التطبيقات العملية للمادة المضادة، إذ يرمز P إلى البوزيترون؛ وهو جسيمٌ دون ذريّ مضادٌ يُعتبر الجسيم المضاد للإلكترون.

يقوم الخبراء في الطب بحقن البوزيترونات في الدماغ ومراقبة أشعة غاما المنبعثة عندما تواجه البوزيترونات إلكترونات المادة الاعتيادية.

يقوم الاثنان بتدمير بعضهما البعض ما يعطي نمطًا خفيفًا يختلف في الدماغ المصاب عنه في الدماغ العاديّ، وبالتالي يكشف عن الانحرافات العصبية.

وباستخدام هذه الطريقة يحاول الباحثون في جميع أنحاء العالم استخدام البوزيترونات للعمل على كشف نقاط الضعف والتشوهات في جميع أنواع المواد، بدءًا من المعادن وأشباه الموصلات إلى الأسبرين والآيس كريم ورقائق البطاطس.

يقول الفيزيائي (بول كولمان – Paul Coleman) من جامعة باث في إنجلترا: «إن البوزيترونات تجد بطبيعة الحال ثقوبًا بحجم الذرة في الشبكة البلورية التي تشكّل المعدن، وبالتالي يمكن كشف نقاط الضعف باستخدام كواشف أشعة غاما كما هو الحال في فحص PET، يبدأ الشق دائمًا في الحجم الذري والذي يتحول إلى شرخٍ أكبر يؤدي إلى سقوط جناح الطائرة».

هذا مثالٌ متطرف، ولكن الفكرة هي أنه من خلال اكتشاف نقاط الضعف في المستوى النووي يمكن للباحثين تطوير مواد أقوى لبناء الرقائق الإلكترونية، والطائرات، والقطارات، والسيارات، وناطحات السحاب، والطرق والجسور، وغيرها.

على مر السنين قامت شركاتٌ متنوعةٌ مثل (Intel – Unilever- United Biscuits – Rolls Royce) بالتحقيق في استخدام المادة المضادة في كل شيء، من صنع شريحةٍ إلكترونيةٍ أقوى إلى رقائق البطاطس الأكثر هشاشة، ومن طبقة أسبرين أفضل إلى زيت محركٍ أكثر سلاسة.

ولا ننسى أن المادة المضادة بكل ما تحمله من قوةٍ متفجرةٍ كانت مصدرًا للوقود، ففي عام 1999 قدّرت وكالة ناسا أن تكلفة إنتاج غرامٍ واحدٍ من المادة المضادة سيكلف 62.5 تريليون دولار.

يمكن إنتاج البوزيترونات اليوم من خلال (المعجل الدوراني – Cyclotrons) باهض الثمن، وهو جهازٌ لتسريع الجسيمات المشحونة وذلك بتسليط مجالٍ كهربائيٍّ مترددٍ عليها بمساعدة مجالٍ مغناطيسيٍّ يعمل عموديًا على مستوي دوران الإلكترونات، إذ يعمل المعجل الدوراني على خلق نظائر للعناصر والتي بدورها تبعث البوزيترونات عند تحللها.


  • ترجمة: سرمد يحيى.
  • تدقيق: تسنيم المنجّد.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر