تقوم الخيمياء على الاعتقاد بوجود أربعة عناصر رئيسة في الطّبيعة، هي الهواء والنّار والماء والتّراب.

الخيمياء مهنة عتيقة يكتنفها الغموض وتحيطها السّرّيّة، يسعى ممارسوها بالأساس إلى تحويل الرّصاص إلى الذهب، المسعى الذي أسَرَ مخيّلات الناس للآلاف السنين، على جميع الأحوال، ذهبت أهداف الخيمياء إلى ما هو أبعد من السعي للحصول على بعض السبائك الذهبية!

ترسّخت الخيمياء في رؤية وجدانيّة معقّدة تتمثل في أنّ شيئًا من روح الكون تسري في كلِّ ما حولنا، وأن المعادن إلى جانب كونها تنبض بالحياة؛ فهي أيضًا تنمو في جوف الأرض، عندما اكتشف الرّصاص، هذا المعدن الشّائع والأساسيّ، اعتُقد أنّه ليس إلّا تكوينًا غير مكتمل النّضج لمعادن أسمى مثل الذّهب، وبالنّسبة للخيميائيّين، لم تكن المعادن مجرّد موادّ فريدة من نوعها تأهل الجدول الدّوري، إنّما هي تجلّياتٌ مختلفة للشّيء ذاته في مراحل تطوّره الشّتّى، أو موادّ تتحضّر في طريقها إلى الكمال الرّوحي.

وكما ذكر جيمس راندي في كتابه «موسوعة الادّعاءات والاحتيالات وخدع الغيبيّات والماورائيّات» فمنذ نشأتها قرابة عام 100م ووصولها إلى قمّة أوجها في القرون الوسطى، كانت الخيمياء فنًا يقيم أوده بالمراوحة بين التّجريب والسّحر.

ركّز باحثو العمليات الطبيعيّة الأوائل جهودهم من أجل استكشاف مادّة أسطوريّة سمّيت حجر الفلاسفة، الحجر الذي افتُرض امتلاكه قدراتٍ مميزّة مثل شفاء المرضى أو إطالة العمر أو تحويل المعادن الأساسية إلى معادن ثمينة مثل الذّهب، لم تكن هذه المادّة حجرًا بالمعنى الحرفيّ، بل ربّما مادّة شمعيّة أو سائلة أو حتّى مسحوقًا يمتلك قدرات سحريّة.

تاريخ الخيمياء

يذكر المؤرخ نيفيل دروري في كتابه «السّحر والشّعوذة-Magic and Witchcraft» أنّ مصطلح الخيمياء يعتقد أن يكون مشتقًا من كلمة مصريّة قديمة، فمقطع (شيم-chem) أو (كيم-gem) يعني أسود، في إشارة إلى التّربة الغرينيّة المحيطة بالنّيل …

نحن نعلم أنّ الكلمة الإغريقية «كيما-chyma» التي تعني صهر المعادن أو سبكها؛ عُرفت بالعربية تحت مسمّى «كيمياء» التي اشتقّت منها كلمة خيمياء، كان للعرب دورًا كبيرًا في نشر الخيمياء، فقد ترجمت العديد من كتب الخيمياء من الإغريقيّة إلى العربيّة قبل تقديمها إلى الجمهور الأوروبي.

امتلاك القدرة على تحويل الرّصاص إلى ذهب مكسبٌ لا يستهان به هذه الأيام، لكنّ الخيميائيّين القُدامى لم يسعوا إلى تحويل المعادن الأساسيّة إلى ذهب بدافع الجشع، لم يكن الموضوع بهذه البساطة، لكن كما ذكر دروري لم يعتبر الخيميائيون جميع المعادن كاملة ومتساوية، مثّل الذّهب بالنّسبة لهم أعلى درجات التّطور في الطّبيعة وأصبح يجسّد التّجديد والإحياء البشريّين، أمّا النّفس البشريّة «الذّهبيّة» فكان يؤلّقها بنظرهم جمالٌ روحي وتدجّجها قدرة النّصر على قوى الشّرّ، أمّا معدنٌ وضيعٌ كما الرّصاص فقد مثّل في أعينهم الفردَ الآثم غير التّائب الذي استولت عليه قوى الظّلام، وإذا كان الرّصاص والذهب يتكوّنان من النار والهواء والماء والتراب، سنستطيع حينها بالتأكيد من خلال تغيير النّسب بين هذه العناصر المكونة؛ تحويلَ الرّصاص إلى ذهب، وكان الذّهب يعتبر أفضل مكانة من الرّصاص، لأنه يشكّل في طبيعته التّناسب الأكمل بين العناصر الأربع.

تظهر الخيمياء فجأةً في بعض الأماكن الغريبة، على سبيل المثال، استخدم إسحق نيوتن الذي اشتهر بدراسته للجاذبيّة وقوانينه الحركيّة خلال فترة حياته أكثر من مليون كلمة لتدوين ملاحظاتٍ خيميائيّة، حسب ترجيحات المؤرّخين.

في مارس 2016م؛ اشترت مؤسّسة الترّاث الكيميائيّ مخطوطة خيميائيّة أعدّها نيوتن في القرن السابع عشر، كانت قد دُفنت لعقود من الزّمن ضمن مجموعة خاصّة، فصّل فيها نيوتن كيفيّة صناعة ما أسماه الزّئبق الفلسفي، الذي اعتقد أنّه سيشكّل خطوة على طريق صناعة حجر الفلاسفة.

هل الخيمياء حقيقة؟

ليس من الصّعب معرفة السبّب الذي حُكم جرّاءه على الخيمياء بالفشل، فقد كانت مبنيّة على فهم مغلوط لأساسيّات الكيمياء والفيزياء، بنى الخيميائيّون نظريّاتهم وتجاربهم على الفرض الأرسطوطاليسي القائل بأن العالم بكلّ ما يحتويه مكوّنٌ من أربعة عناصر أساسيّة هي الهواء والتّراب والنّار والماء، إلى جانب ثلاثة عناصر أخرى سمّيت العناصر الضروريّة، وهي الملح والزّئبق والكبريت، أمّا اليوم فنحن نعرف أنّ الكون يتكوّن من الذّرات والعناصر، ولمّا كان تكوين الرصاص وغيره من المعادن بعيدًا في الحقيقة تلك العناصر؛ فإنّ من غير الممكن التّلاعب بنسب هذه العناصر (غير الموجودة) لتحويل المعادن إلى ذهب.

رغم فشل الخيمياء؛ لم يكفّ النّاس على مرّ الزّمان عن ادّعاء حلّ الأحجية العتيقة، فقد انتشرت لقرون عديدة إشاعاتٌ بأنّ بعض الأشخاص اكتشفوا حجر الفلاسفة، ولكنّ بما أنّ الخلود كان إحدى مزاياه فإن موت مكتشفيه ينفي هذا الادّعاء، كما عيّن بعض الأغنياء خيميائيين لإجراء أبحاثٍ لصالحهم، دون أن يرى أيٌّ منهم عوائد هذا الاستثمار! انتشر الخيميائيّون الزّائفون بشدّة في العصور الوسطى لدرجةٍ وصفهم فيها العديد من الكتّاب والمشاهير، من ضمنهم الشّاعر بين جونسون وجوفري تشوسر.

رغم اتضاح خرافة حجر الفلاسفة، وفشل الخيمياء؛ إلّا أنّ ذلك لا يعني أن الخيميائيّين كانوا على خطأ تامّ، فمع وجود معدّات فيزيائيّة حديثة، مثل مسرّعات الجسيمات، فمن الممكن حقًا صناعة الذّهب من عناصر أخرى، رغم ضآلة المقادير النّاتجة، وتكلفة التّصنيع الهائلة مقارنة بالكمّيات دون المجهريّة النّاتجة، والتي تفوق قيمة الذّهب بحدّ ذاته.

على أيّة حال، ذهبت الخيمياء أدراج الرّياح، أمّا التّباين بين الرّصاص والذّهب فباقٍ، الرّصاص معدنٌ شائع وسام يمتلك القدرة على إيذاء الأطفال ويؤدي إلى أضرار في الدّماغ، والذّهب بقيمته العالية يُعتبرُ كنزًا ثمينًا يستخدم معظم الوقت على هيئة مجوهرات، حريّ بنا أنْ نذكر أنّ الخيمياء رغم عدم تَحققّ أهدافها بالخلود أو تحويل الرّصاص إلى ذهب؛ تركت إرثًا عريقًا، فالخيميائيّون هم أوّل من مارس ما يسمّى في وقتنا الحالي بالكيمياء الحديثة.


  • ترجمة: قصي أبوشامة.
  • تدقيق: ملك عفونة.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر