سيخبرك أي كتاب فيزيائي بأن الطاقة “هي المقدرة على إنجاز شغل معيّن” ثم يفسّر الشغل بأنه “ما ينتج عن القوة عندما تؤثر في جسم متحرّك”. هذا التعريف يبقى غير مُرضٍ، فهو يشبه قليلاً التعريف الأفلاطوني للإنسان بأنه “حيوان دون ريش ويمشي على قدمين”. من الصعب أن تطعن في هذا المنطق، لكن لا يمكنك إلا أن تشعر بأن هناك شيئًا ما مفقودًا.

ما هو تعريف الطاقة

سبب صعوبة تعريف الطاقة هو أنها مفهوم “مجرّد”، فتعريف الطاقة في الفيزياء فيه نوع من الاختزال، كوسيلة لمنح التوازن بين الكتب.

الطاقة دائمًا تُحفظ ولا تفنى (أو تحوّل إلى كتلة ¹) وهي مفيدة بشكل لا يصدق لحل نتائج أي نوع من العمليات الفيزيائية أو الكيميائية.

ليس هناك جوهر مادي للطاقة ولا شيء من قبيل الطاقة الخالصة، ودائمًا ما يحملها شيء ما عادةً في شكل حركة.

المثال الكلاسيكي الطاقة الحركية هي كرة البلياردو التي تتدحرج فوق طاولة. كلما كانت الكرة أثقل وحركتها أسرع، كانت الطاقة التي تحملها أكبر. بمعنى آخر، ستؤلمك أكثر لو وقعت من على الطاولة وارتطمت بأصابع قدمك.

الحرارة هي شكل آخر من الطاقة الحركية. فدرجة حرارة شيء ما هي قياس مباشر لمدى سرعة تحرّك الذرات داخله. في كوب من القهوة الساخنة تتزايد سرعة جزيئات الماء بينما تتباطأ في كوب من القهوة الباردة.

ارمِ قضيبًا حديديًا في النار، ورغم أن الذرات ستثبت في مكانها فإن الحرارة ستزيد من سرعة حركتها التي تكون في شكل اهتزازات.

أحيانًا عندما يُسحب جسم أو يُدفع في اتجاه معين تتوقف حركته من قبل قوة أخرى. في هذه الحالة يقال أن الجسم له طاقة كامنة. الطاقة الكامنة تعني القدرة على الحركة. إنها تشبه قليلاً الضغط على دواسة بنزين سيارة سباق وتكون فرامل اليد مشدودة، فالسيارة لن تتحرك إلا إذا أنزلت الفرامل.

زجاجة فوق طاولة تُسحب إلى الأسفل بواسطة قوة الجاذبية، لكن أي حركة ستتعطل من قبل قوة قوية جدًا، وهي قوة التنافر الكهربائي² لذرات الطاولة. ومع ذلك، ستسقط الزجاجة لو دفعتها من على الطاولة.

ماذا عن الطاقة الكيميائية، الطاقة الكهربائية أو الطاقة النووية؟ إنها نوعًا ما أكثر تعقيدًا، لكنها في تحليلها النهائي تتضمن نوعًا من الحركة أو القدرة على الحركة.

على سبيل المثال، طاقة كبيرة تكون مخزّنة كالتي في نابض ملفوف أو داخل الأنوية الذرية، هذه الطاقة النووية يمكنها أن تتحرر عندما تنقسم ذرة اليورانيوم إلى نصفين³، تكون لكلا الشطرين شحنة موجبة؛ لذلك بعد الانشطار مباشرة يتنافران كهربائيًا ويتباعدان. وهكذا تحولت الطاقة النووية الكامنة إلى طاقة حركية.

وكما قال الفيزيائي الروسي ليف أوكن: «كلما كان المفهوم الفيزيائي أكثر أساسية كلما كان تعريفه في كلمات أصعب».

بالنسبة للطاقة، فأفضل ما نستطيعه هو القول بأن تعريف الطاقة هو المقدرة على التسبّب بالحركة.

الهوامش:

(أو تحوّل إلى كتلة ¹)… حسب نظرية أينشتاين تكافؤ الكتلة_الطاقة: الكتلة هي طاقة مكثفة المصدر

(²) لا تحتك الزجاجة احتكاكًا مباشرًا بالطاولة: ذلك أن الطاولة والزجاجة تتكوّنان من ذرات، وفي الذرات تكون الإلكترونات الأجزاء الأقرب إلى المحيط الخارجي للذرة. وتحمل الإلكترونات في كل المواد شحنة سالبة؛ وهكذا تمنع قوة التنافر الكهربائي تلامس الذرات.

(³) الانشطار النووي هو عملية انقسام نواة ذرة ثقيلة إلى قسمين أو أكثر، وينتج عن عملية الانشطار نيوترونات وفوتونات عالية الطاقة (بالأخص أشعة جاما) وجسيمات نووية مثل جسيمات ألفا وأشعة بيتا. المصدر


إعداد: أشرف بن نصر
تدقيق: جعفر الجزيري
المصدر