تمكن فريق من الفيزيائيين في برشلونة من صنع قطرات سائلة أقل كثافة من الماء بـ 100 مليون مرة والتي تربط نفسها معًا بإستخدام قوانين الكم الغريبة.

كشف الباحثون في بحث تم نشره في 14 سبتمبر في مجلة Science أن هذه القطرات الغريبة ظهرت في العالم المجهري الغريب لشبكة الليزر – وهي بنية بصرية تستخدم لمعالجة الأشياء الكمية – في أحد المختبرات بالمعهد الإسباني للفنون أو معهد العلوم الضوئيةSpanish Institute of Photonic Sciences (ICFO) .

ولوحظ أنها سوائل حقيقية تقع ضمن إطار المواد التي تحافظ على حجمها بغض النظر عن درجة الحرارة الخارجية وتشكل قطرات بكميات صغيرة، على عكس الغازات التي تنتشر لملئ الوعاء الذي يحتويها.

ولكن السوائل التي تم صنعها أقل كثافة بكثير من أي سائل موجود في الظروف الاعتيادية وتستطيع الحفاظ على حالتها السائلة من خلال عملية تعرف باسم التقلبات الكمومية Quantum Fluctuation.

وقام الباحثون بتبريد ذرات غاز البوتاسيوم إلى -273.15 درجة سيليزية قريبة جداً من الصفر المطلق، عند هذه الدرجة شكلت الذرات حالة من المادة تعرف بـ تكاثف بوز اينشتاين Bose-Einstein condensate، وهي حالة للمادة تتجمع فيها الذرات معًا وتبدأ بالتداخل فيزيائيًا.

هذه المكثفات مثيرة للاهتمام لأن قوانين الكم هي التي تسيطر على تفاعلاتها بدلًا من التفاعلات الكلاسيكية التي يمكن أن تفسر سلوك معظم المواد ذات الكتل الكبيرة.

عندما دَمَج الباحثون إثنين من هذه المكثفات معًا حصلوا على قطرات مرتبطة مع بعضها وتشغل حجمًا محددًا.

وخلافًا لمعظم السوائل التي تحافظ على تماسك قطراتها معًا من خلال التفاعلات الكهرومغناطيسية بين الجزيئات، تحافظ هذه القطرات على أشكالها من خلال ظاهرة التقلبات الكمية.

وتنشأ ظاهرة التقلب الكمي من مبدأ عدم اليقين لهايزنبيرغ Heisenberg’s Uncertainty Principle، الذي ينص على أن الجسيمات أساسًا إحتمالية، فهي لا تحتفظ بمستوى طاقة واحد أو موقع واحد في الفضاء، بل تتوزع عبر عدة مستويات ومواقع طاقة محتملة (يحتل الجسيم أكثر من مستوى طاقة وعدة أماكن في نفس الوقت حتى يتم كشف موقعها حينها تتخذ موقع محدد أو مستوى طاقة محدد).

هذه الجسيمات المتوزعة تتصرف قليلًا وكأنها تقفز حول مواقعها وطاقاتها المحتملة، وبذلك تسلط ضغط على كل ما يجاورها، وعند إضافة جميع الضغوط للجسيمات المتدفقة، ستجد أنها تميل إلى جذب بعضها البعض أكثر من تنافر أحدهما للآخر.

هذا التجاذب يربطهم جميعًا على شكل قطرات وهذه القطرات الجديدة هي فريدة من نوعها، حيث يكون التقلب الكمي هو التأثير المهيمن للحفاظ عليها في الحالة السائلة.

الموائع الكمية الأخرى مثل الهيليوم السائل تتعرض لنفس الظاهرة، ولكنها تظهر قوى أخرى مهيمنة أكثر ويكون لها التأثير الأكبر على تلك الموائع.

إن قطرات تكاثف البوتاسيوم لا تهيمن عليها تلك القوى الأخرى وتكون قوى التفاعل بين جسيماتها ضعيفة جدًا لذلك تنتشر عبر مساحات أوسع بكثير وإن كانت محافظة على أشكال القطرات.

يمتاز سائل البوتاسيوم بأنه أكبر 100 مرة وأكثر تميعًا بمقدار 10^8 (10 مرفوعة للأس 8) مرات عند مقارنتها بمثيلاتها من قطرات تكاثف الهيليوم.

ويعد هذا مهمًا جدًا بالنسبة للفيزيائيين، فقد اتضح أن قطرات البوتاسيوم الكمية هي سوائل كمومية نموذجية أفضل بكثير للتجارب المستقبلية من الهيليوم، على الرغم من ذلك فإن القطرات الكمية لها حدود معينة فإذا كانت لديها عدد قليل جدًا من الذرات فإنها تنهار وتتبخر في الفضاء المحيط بها.


  • ترجمة: سرمد يحيى.
  • تدقيق: قُصي السمان.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر