تعرّف هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) عملية نقل الأعضاء بين الكائنات الحية بأنها «أي عملية تتضمن نقل خلايا أو أنسجة أو أعضاء حية من مصدر حيواني إلى إنسان أو نقلها من مصدر بشري بعد تمريرها على أنسجة حيوانية حية خارج الجسم، أو حقن جسم إنسان بسوائل بشرية لامست خلايا حيوانية حية»، لكنها تُعرّف عمومًا بأنها زرع أو نقل الخلايا والأنسجة والأعضاء بين أنواع مختلفة من الكائنات الحية.

أدى شح الأعضاء البشرية المتاحة للزراعة، علاوةً على التقدم العلمي الكبير في التكنولوجيا الحيوية، إلى سرعة تطور النهج العلاجية التي تستخدم منتجات نقل الأعضاء الحيوانية مع البشر.

ابتُكرَت عملية نقل الأعضاء بين الكائنات الحية قبل قرابة قرن، حينما كان هناك نزاع أخلاقي حول زراعة الأعضاء البشرية، وبرزت العملية مجددًا خلال الستينيات، بعد تحقيق تطورات ضخمة في علم المناعة.

في الآونة الأخيرة، استُخدمَت أعضاء من خنازير معدلة جينيًا في عملية نقل الأعضاء بين الكائنات الحية، وقد نجح جراحون من مركز جامعة ماريلاند الطبي في نقل قلب خنزير إلى رجل بلغ عمره 57 عامًا ولم يكن أمامه خيار آخر.

تضمنت التعديلات التي أجريت على جينوم الخنزير حذف ثلاثة جينات مرتبطة برفض الأجسام المضادة للأعضاء المزروعة، وإضافة ستة جينات بشرية مرتبطة بالقبول المناعي للأعضاء. تمكن المريض من العيش مدة شهرين بعد الجراحة، ولم يؤكد سبب موته، لكن عند تشريحه لم يُظهر القلب المزروع أي علامات على الرفض المناعي.

في إحدى التجارب ذات الصلة، نُقلَت كلى من خنازير معدلة جينيًا إلى مرضى ميتين دماغيًا دون التسبب بالرفض المناعي مفرط الحدة الذي يحدث عادةً عند زرع كلى الخنازير غير المعدلة جينيًا في الرئيسيات غير البشرية.

قد يكون مصدر منتجات عملية نقل الأعضاء بين الكائنات الحية حيوانًا معدلًا جينيًا أو غير ذلك، وهي تتضمن: خلايا عصبية جنينية من خنازير، وخلايا جزيرات البنكرياس من خنزير، وخلايا صباغية كظرية من أبقار، ونخاع عظم من قردة البابون.

تتضمن عقبات نجاح عملية نقل الأعضاء بين الكائنات الحية: منع الرفض المناعي مفرط الحدة، ومنع المضاعفات الوعائية الناتجة عن الرفض المناعي الحاد، وتحفيز القبول المناعي، ومنع انتقال الفيروسات من الأعضاء المزروعة إلى البشر، ومواجهة المسائل الأخلاقية حول مصادر الزرعات الحيوانية، والاختيار اللائق للمتلقين بمراعاة أن نقل الأعضاء بين الكائنات الحية ما زال خاضع للبحث.

السبب المنطقي وراء نقل الأعضاء بين الكائنات الحية

يعزى الدافع وراء استخدام الأعضاء والأنسجة الحيوانية في زراعة الأعضاء إلى شح الأعضاء البشرية المتوفرة في مقابل ازدياد الحاجة إليها؛ إذ يحتاج عدد كبير من الأشخاص إلى الأعضاء، ولكن معظمهم لا يتمكن من الحصول على زراعة؛ نظرًا إلى قلة الأعضاء المتوفرة.

نتيجة لذلك، دُرست عدة بدائل للأعضاء البشرية، ثم نوقشت لتحديد مدى ملاءمتها؛ فمثلًا، أجريت تجارب على الأجهزة الميكانيكية المزروعة في مجال الزراعة القلبية، وازدادت البحوث في مجال زراعة الخلايا الجنينية بين الأنواع، إضافةً إلى تجربة إنماء الكلى والخلايا الغدية البنكرياسية في موضعها الأصلي.

اختيار نوع الحيوان المتبرع

يوصف العضو المزروع من حيوان بأنه متوافق أو غير متوافق حسب العلاقة بين النوع المتبرع والمتلقي؛ تُعد الأنواع المتوافقة متقاربة تطوريًا، مثل علاقة الفئران مع الجرذان، وقردة البابون مع المكاك طويل الذيل، والرئيسيات غير البشرية مع البشر؛ أما الأنواع غير المتوافقة، فهي ليست متقاربة تطوريًا بدرجة كبيرة، مثل الخنازير والفئران، أو الخنازير والبشر.

لكن أيًا من الحيوانات يمثل المتبرع النموذجي لعملية نقل الأعضاء؟ قد تكون الإجابة واضحة في حال استطعنا استخدام الرئيسيات غير البشرية، فمن الجدير بالذكر أن مريضًا مصابًا بالفشل الكلوي عولج بكلية شمبانزي قبل ظهور التثبيط المناعي، ولم يرفضها جهازه المناعي إلا بعد مرور ما يزيد عن تسعة أشهر.

فضلًا عن ذلك، نجح الباحثون في تحفيز القبول المناعي لكلى منقولة من قردة بابون إلى سعادين، وذلك باتباعهم نهجًا مشابهًا للذي يتبعه الأطباء مع الكلى المنقولة بين البشر.

بيد أنه ثمة العديد من الحجج المعارضة لاستخدام الرئيسيات غير البشرية في نقل الأعضاء، من ضمنها حقيقة أن جميع الرئيسيات غير البشرية -ذات الحجم المناسب للتبرع بالأعضاء للبشر البالغين- أنواع مهددة بالانقراض، مثل الشمبانزي والقردة العليا. إلى جانب ذلك، لا يُستثنى استخدام الأنواع الأكثر وفرة مثل البابون كذلك من إثارة المخاوف الأخلاقية حول احتمالية انتقال الفيروسات بين الأنواع، التي تسبب مشكلات أكثر بين الأنواع المتقاربة تطوريًا.

نظرًا إلى جميع هذه المشكلات، استقر خيار العديد من الباحثين على الخنازير المستأنسة بصفتها المتبرع الأكثر ملاءمة لنقل الأعضاء إلى البشر؛ إذ إن هذه الحيوانات متوفرة بسهولة، وتتميز بخصائص تكاثرية مواتية، ويمكن تربيتها في بيئات مضبوطة ونظيفة لتجنب الكائنات الممرضة، وهي قابلة للتعديل الجيني وتتشابه مع البشر من ناحية المعايير التشريحية والوظيفية. إضافةً إلى أن إثارة المخاوف الأخلاقية بسبب استخدامها لهذا الغرض أقل أرجحية نظرًا إلى أنها تُعد مصدر غذاء مقبول في العديد من المجتمعات الحالية.

مع ذلك، يترتب نطاق واسع من المضاعفات المناعية بعد نقل الأعضاء من الخنازير إلى البشر، ويرجع ذلك إلى عدم التوافق الجزيئي بين النوعين نتيجةً لتباعد العلاقة التطورية بين البشر والخنازير، ما يؤدي إلى رفض العضو المزروع.

غير أن التطورات الأخيرة في الهندسة الوراثية أتاحت تعديل جينوم الحيوانات المتبرعة بطريقة تقلل الاستجابات المناعية غير المرغوبة مثل الرفض، وتمنع الإصابة بالعدوى بسبب العضو المزروع.

مضاعفات العدوى الناتجة عن نقل الأعضاء بين الكائنات الحية

تشكل جميع منتجات نقل الأعضاء بين الكائنات الحية تهديدًا للبشر، نظرًا إلى احتمالية تسببها بالمرض أو العدوى. لذلك ينبغي مراعاة التدابير الوقائية خلال جميع خطوات الإنتاج (أي تربية الحيوانات واقتناء أعضائها ومعالجة خلاياها وأنسجتها الحية)، من أجل تقليل هذه المخاطر، بصرف النظر عن نوع الحيوان المستخدم.

أجرت اللجنة الاستشارية لتكييف الاستجابة البيولوجية (BRMAC) التابعة لهيئة FDA تحقيقًا متعمقًا عن هذه المسألة، وأعلنت النتائج في السجل الفيدرالي الأمريكي في عام 2001.

أعربت اللجنة عن مخاوفها تجاه انتقال العوامل المعدية غير المألوفة بين الكائنات الحية، وأشارت إلى احتمالية انتقال العدوى من المتلقي إلى مخالطيه ثم تفشيها بين عامة السكان؛ ما يمثل خطرًا إضافيًا ومشكلةً صحية عامة، وقد بينت اللجنة BRMAC كذلك احتمالية حدوث طفرات إدخال ناتجة عن انتقال الفيروسات الراجعة من الحيوانات المتبرعة إلى متلقي أعضاء الحيوانات ومخالطيه وعامة الناس.

إضافةً إلى انتقال العوامل المعدية أفقيًا بين متلقي الأعضاء ومخالطيه، فإن اللجنة تخشى أيضًا انتقال العدوى عموديًا من متلقية الأعضاء إلى جنينها في أثناء الحمل عبر المشيمة أو خلال الولادة؛ قد يؤدي انتقال العوامل المعدية الحيوانية بهذه الطريقة إلى التسبب بأمراض معدية لدى الذرية، إضافةً إلى أن انتقال الفيروسات تحديدًا قد يسبب حدوث طفرات إدخال وبذلك يعرقل النمو البشري الطبيعي، أو يُدمَج جينوم الفيروس في خط السلالة وينتقل إلى الأجيال المستقبلية.

ترى اللجنة أن الرئيسيات غير البشرية تمثل التهديد الأكبر لانتقال الكائنات الممرضة الكامنة أو داخل الخلوية أو غير المعروفة، من ضمنها الفيروسات الراجعة، وأوصت بعدم استخدامها مصادر لمنتجات نقل الأعضاء بين الكائنات الحية إلى حين توفر معلومات إضافية لتقييم أمانها.

كانت هناك الكثير من المخاوف حول احتمالية انتقال الكائنات المعدية المعروفة وغير المعروفة إلى المتلقين عرضيًا، ثم إلى مخالطيهم والعاملين في الرعاية الصحية، وبذلك سرعان ما تصبح مشكلة صحية عامة. قد تكون مخاطر العدوى في نقل الأعضاء بين الكائنات الحية أكبر بكثير من نقل الأعضاء بين البشر، ومن ضمن أسباب ذلك:

  •  أن التثبيط المناعي قد يكون أكبر في حالة نقل الأعضاء الحيوانية، ما يحفز تفعيل الكائنات الممرضة الكامنة، مثل الفيروسات.
  •  أن الكائنات الممرضة المنقولة مع العضو المزروع قد لا تكون معروفة، أو قد تكون كائنات متعايشة مع الحيوان الأصلي ولكنها تسبب المرض عند البشر.
  •  أن الاختبارات الميكروبية قد لا تكون متوفرة لبعض الكائنات القادمة من الأنواع غير البشرية.
  •  أن الكائنات الممرضة المنقولة من الحيوانات قد تسبب متلازمات طبية جديدة وبالتالي غير معروفة سابقًا.
  •  أن تعديل الحيوانات المتبرعة جينيًا أو معالجة المتلقي بإزالة الأجسام المضادة أو تحفيز القبول المناعي، قد يغير حساسية المتلقي إلى الكائنات الدقيقة.

المسائل الأخلاقية

دُرست المسائل الأخلاقية في مجال نقل الأعضاء بين الكائنات الحية بتعمق، وتضمنت المسائل المتعلقة بالبشر والحيوانات غير البشرية على حد سواء. تتلقى أهمية تطبيق المبادئ الأخلاقية على التجارب التي تُجرى على البشر قبولًا واسعًا، وتتضمن هذه المبادئ احترام الأشخاص ومراعاة الإحسان والعدل.

اقرأ أيضًا:

لأول مرة.. زرع كلية خنزير في جسم بشري

هندسة وراثية وعقار تجريبي وكوكايين! هكذا زرع الأطباء قلب خنزير في جسد إنسان

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: نور عباس

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر