يُعَد الثوم من أكثر الخضراوات المُستخدمة في الطبخ والتوابل، وقد استُعمل في التاريخ القديم والحديث دواءً يعالج مجموعة كبيرة من الأمراض. ينتمي الثوم إلى الفصيلة الثومية ويتشابه كثيرًا مع البصل والراكيو -نوع من البصل يوجد في الصين-والكراث والبصل الأخضر والثوم المعمر والقفلوط أو الكراث الأندلسي، وقد استخدم البشر الثوم منذ آلاف السنين في مصر القديمة للطبخ ولفوائده العلاجية والصحية. سنعرض في هذا المقال فوائد الثوم الصحية المحتملة والأبحاث التي تدعم هذا.

تاريخ الثوم:

استُخدم الثوم في كل أنحاء العالم منذ آلاف السنين، وكان يُستخدم -بحسب السجلات- وقت بناء الأهرام منذ 5000 سنة، كتب ريتشارد إس ريفلين في مجلة Nutrition الطبية أن الطبيب اليوناني أبقراط الذي عاش بين عامي (370-460 ق.م) والمعروف بأبي الطب الغربي وصف الثوم لعلاج عدد كبير من الأمراض، مثل أمراض الجهاز التنفسي والطفيليات وسوء الهضم والوهن العام، وفي اليونان القديمة كان الرياضيون الأولمبيون يتناولون الثوم لتقوية أدائهم.

انتشر الثوم من مصر القديمة إلى الحضارات القديمة في وادي السند (باكستان وغرب الهند) ثم إلى الصين.

يقول خبراء من مركز التميُّز النباتي الملكي في إنجلترا إن شعوب الهند القديمة كانت تقدِّر الخصائص العلاجية للثوم وتعده مثيرًا للشهوة الجنسية، ولهذا تجنَّب أكله الرهبان والمراهقون والأرامل وكل من أخذ على نفسه عهدًا بالصيام والتبتُّل، وتجنبته الطبقات العليا لرائحته القوية.

استُخدم الثوم في العصور المختلفة في الشرق الأوسط ونيبال وشرق آسيا لعلاج التهاب الشعب الهوائية وارتفاع ضغط الدم والسُل واضطرابات الكبد والزُّحار وانتفاخ البطن والمغص والروماتيزم والسكري والحمى والديدان المعوية، وساهمت كل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال في إيصاله إلى العالم الجديد.

استخدامات الثوم:

يُستخدم الثوم لعلاج العديد من الحالات المرتبطة بالقلب والدورة الدموية، مثل تصلب الشرايين وارتفاع مستوى كوليسترول الدم والنوبات القلبية وارتفاع ضغط الدم وداء الشريان التاجي. ويستخدمه بعض الناس للوقاية من السرطانات، مثل سرطانات الرئة والبروستات والثدي والمعدة والمستقيم والقولون، لكن عددًا قليلًا من هذه الاستخدامات تدعمه أبحاث علمية. توصلت دراسة نُشرت في مجلة Food and Chemical Toxicology إلى أن تسخين الثوم يُقلّل من تأثيره المضاد للالتهابات على عكس الثوم النيء، وتعد هذه مشكلة للأشخاص الذين لا يحبون طعم الثوم النيء أو رائحته.

فوائد الثوم

هذه أمثلة لبعض الدراسات العلمية المنشورة في المجلات الأكاديمية حول فوائد الثوم العلاجية:

سرطان الرئة:

في دراسة أُجريت في مركز جينانغسكو لمكافحة الأمراض والوقاية منها في الصين استمرت 7 سنوات، تبيَّن أن الأشخاص الذين يتناولون الثوم النيء مرتين أسبوعيًا يقل لديهم خطر الإصابة بسرطان الرئة بنسبة 44%، نُشرت الدراسة في مجلة Cancer Prevention Research.

أجرى الباحثون مقابلات مع 1424 مصابًا بسرطان الرئة و4543 شخصًا من الأصحاء وسألوهم عن نظامهم الغذائي ونمط حياتهم، وأسئلة أخرى عن التدخين وعدد مرات تناولهم الثوم.

يقول مؤلفو الدراسة: «لاحظنا وجود ارتباط بين تناول الثوم النيء والوقاية من سرطان الرئة، وهذا يدل على أن الثوم قد يكون له فوائد وقائية مهمة».

سرطان الدماغ:

تُعَد مركبات الكبريت العضوية الموجودة في الثوم فعالة في تدمير خلايا الأورام الأرومية الدبقية، نوع من أورام الدماغ شديدة الخطورة، وبحسب مقال لعملاء من جامعة جنوب كارولينا للطب نُشِر في مجلة Cancer، أظهرت 3 أنواع من مركبات الكبريت العضوية الموجودة في الثوم (كبريتيد ثنائي الأليل، وثنائي كبريتيد ثنائي الأليل، وثلاثي كبريتيد ثنائي الأليل) فعاليةً في القضاء على خلايا السرطان في الدماغ، وثبت أن ثلاثي كبريتيد ثنائي الأليل هو أكثرها فعالية.

يقول دكتور راي سوابان المُشارك في الدراسة: «يسلط هذا البحث الضوء على المركبات نباتية المنشأ بوصفها دواء طبيعيًا للسيطرة على نمو الخلايا السرطانية في الدماغ، ونحن بحاجة إلى دراسات على النماذج الحيوانية قبل تطبيق هذه الطريقة العلاجية على مرضى أورام الدماغ».

ما هي فوائد الثوم - فوائد الثوم الصحية المحتملة والأبحاث التي تدعم هذا - الثوم من أكثر الخضراوات المُستخدمة في الطبخ والتوابل

هشاشة مفصل الورك:

في دراسة أجراها فريق من كلية لينغر وجامعة إيست أنجليا في إنجلترا نُشرت في مجلة BMC Musculoskeletal Disorders، توصل العلماء إلى أن النساء اللاتي يتناولن الخضراوات من الفصيلة الثومية، مثل الثوم والبصل والكراث، يقل لديهن خطر الإصابة بمرض هشاشة العظام.

وأضاف مؤلفو الدراسة أن النتائج التي توصلوا إليها لم توضح فقط التأثير المُحتمل للنظام الغذائي في حالات هشاشة العظام، ولكنها أظهرت إمكانية استخدام المكونات الموجودة في الثوم لتطوير علاجات لها.

أٌجريت الدراسة طويلة الأمد على أكثر من 1000 توأم من الإناث حسنة الصحة، ووجد واضعوها أن النساء اللاتي تضمنت عاداتهن الغذائية تناول الكثير من الفواكه والخضراوات (خاصة الخضراوات من الفصيلة الثومية) كن أقل عُرضةً للإصابة بالعلامات المبكرة لهشاشة العظام.

مضاد حيوي محتمل ذو تأثير قوي:

وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Antimicrobial chemotherapy فإن مركب ثنائي كبريتيد ثنائي الأليل الموجود في الثوم أقوى بمئة ضعف من اثنين من المضادات الحيوية المستخدمة في مكافحة بكتيريا العطيفة، أحد المُسببات الشائعة للعدوى المعوية.

يقول مؤلف الدراسة الرئيس الدكتور شاونان لو من جامعة واشنطن: «هذا البحث مهم جدًا إذ يُظهر قدرة هذا المركب على مكافحة البكتيريا المسببة للأمراض الموجودة في بيئتنا وغذائنا».

حماية القلب:

وجد باحثون في كلية الطب في جامعة إيموري أن مركب ثلاثي كبريتيد ثنائي الأليل الموجود في زيت الثوم يعمل على حماية القلب في أثناء جراحة القلب وبعد النوبات القلبية، ويرى الباحثون أن هذه المركبات قد تُستخدم في علاج حالات قصور القلب.

ثبت أن غاز كبريتيد الهيدروجين يحمي عضلة القلب من التلف، لكنه مركب متطاير يصعب اعتماده علاجًا، لذا قرر العلماء التركيز على ثلاثي كبريتيد ثنائي الأليل، أحد مكونات زيت الثوم، كونه وسيلة أكثر أمانًا لإيصال فوائد غاز كبريتيد الهيدروجين العلاجية إلى القلب.

استخدم العلماء في التجربة فئران مختبر وأصابوها بنوبات قلبية، ثم حقنوا بعضها بكبريتيد ثنائي الأليل، فلاحظوا أن الفئران التي حُقنت بهذا العلاج أُصيبت بتلف أقل في عضلة القلب بنسبة 61% مقارنةً بالفئران التي لم تتلق العلاج نفسه.

وفي دراسة أخرى نُشرت في مجلة Agricultural and Food Chemistry وجد العلماء أن زيت الثوم قد يحمي مرضى السكري من اعتلال عضلة القلب.

اعتلال عضلة القلب هو السبب الرئيسي للوفاة بين مرضى السكري، وهو مرض مزمن يؤدي إلى زيادة سُمك القلب زيادةً غير طبيعية وتضخمه وتصلبه أحيانًا، أعطى الباحثون فئران المختبر المصابة بالسكري زيت الثوم أو زيت الذرة، ووجدوا أن الفئران التي تناولت زيت الثوم لم تتعرض لتلف أنسجة القلب بالدرجة نفسها التي تعرضت لها الفئران التي أُعطيت زيت الذرة.

يقول مؤلفو الدراسة: «نستنتج من هذا أن لزيت الثوم قدرات علاجية عظيمة في الحماية من اعتلال عضلة القلب الناتج من مرض السكري».

لكننا لا نزال بحاجة إلى دراسات تُجرى على البشر للتحقق من نتائج هذه الدراسة.

ارتفاع الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم:

أجرى باحثون من جامعة أنقرة دراسة حول تأثير مُكمِّلات مُستخلص الثوم في مستوى الدهون في الدم عند مرضى ارتفاع الكوليسترول في الدم، ونُشرت هذه الدراسة في مجلة Nutritional Biochemistry.

ضمت الدراسة 23 متطوعًا مصابًا بارتفاع الكوليسترول، 13 منهم يعانون أيضًا ضغط دم مرتفع. وقُسموا إلى مجموعتين:

  1.  مجموعة المصابين بارتفاع الكوليسترول لكن ضغط الدم عندهم طبيعي.
  2.  مجموعة المصابين بارتفاع الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم.

أُعطي المتطوعون مكملات مستخلص الثوم أربعة شهور مع قياس مستوى الدهون في الدم ووظائف الكبد والكلى.

استنتج الباحثون أن مكملات مستخلص الثوم تُحسِّن مستوى الدهون في الجسم وتزيد فعالية مضادات الأكسدة في الدم، وتخفض ضغط الدم الانقباضي والانبساطي، وتخفض مستوى منتج الأكسدة في الدم، ما يدل على انخفاض معدل تفاعلات الأكسدة في الجسم.

أي إن مكملات مستخلص الثوم قد خفضت مستويات الكوليسترول المرتفعة وضغط الدم أيضًا عند المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم، لكن نوه العلماء بأن هذه الدراسة غير كافية وأننا نحتاج إلى مزيد من الدراسات المُشابهة.

سرطان البروستات:

أجرى الأطباء في قسم المسالك البولية في مستشفى الصداقة الصينية اليابانية في بكين دراسةً لمعرفة العلاقة بين تناول الخضراوات من الفصيلة الثومية وخطر الإصابة بسرطان البروستات، جمع الأطباء الدراسات المنشورة حتى مايو 2013 ودرسوها، ثم نشروا النتائج التي توصلوا إليها في مجلة Asian Pacific Journal of Cancer prevention.

استنتج الباحثون أن: «تناول الخضراوات من الفصيلة الثومية وخاصة الثوم يساعد على خفض خطر الإصابة بسرطان البروستات».

ونوه الفريق بأن عدد الدراسات التي تبحث فوائد الثوم وفعاليته في منع سرطان البروستات قليل، وهنا تبرز الحاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات المستقبلية المُعَدة جيدًا لتدعم نتائج الأبحاث السابقة.

تضرر الكبد بسبب الكحول

قد يتضرر الكبد بسبب الإفراط في تناول المشروبات الكحولية على المدى الطويل. أراد العلماء في معهد السموم في كلية الصحة العامة جامعة شاندونغ في الصين معرفة تأثير مركب ثنائي كبريتيد ثنائي الأليل الموجود في الثوم في الوقاية من الإجهاد التأكسدي الناتج من الإيثانول.

نُشرت دراستهم فيBiochemica Biophysica Acta ، واستنتج الباحثون أن المركب المذكور قد يساعد على الحماية من إصابات الكبد التي يسببها استهلاك الكحول.

الولادة المبكرة:

تزيد الالتهابات الميكروبية في أثناء الحمل من خطر الولادة المبكرة، درس العلماء في قسم علم الأوبئة في المعهد النرويجي للصحة العامة تأثير الأطعمة في الالتهابات الميكروبية ومخاطر الولادة المبكرة، ونُشرت الدراسة في مجلة Nutrition.

ركز روني مايهر-أحد القائمين على الدراسة- مع زملائه على تأثير الخضراوات من الفصيلة الثومية والفواكه المجففة، إذ توصل بحث سابق إلى أن هذين النوعين من الطعام لهما تأثير كبير في تقليل خطر الولادة المبكرة.

درس الفريق تأثير تناول الفواكه المجففة والثوم في 18,888 امرأة من جمعية الأم والطفل النرويجية، ووجدوا أن 5% فقط منهن عانين الولادة المبكرة التلقائية. وقد استنتج مؤلفو الدراسة أن: «تناول الطعام الغني بمضادات الميكروبات ومركبات البريبايوتك قد يكون له تأثير في تقليل خطر حدوث الولادة المبكرة، خاصةً الثوم الذي لوحظ أنه قلل نسبة الولادة المبكرة عند النساء اللاتي تناولنه بانتظام».

الثوم ونزلات البرد:

أجرى باحثون دراسة بعنوان علاج نزلات البرد عند الأطفال والبالغين نُشرت في American Family physician، وذكر الباحثون أن تناول الثوم بانتظام قد يكون له تأثير في تقليل معدلات الإصابة بنزلات البرد عند البالغين.

مع أن معظم الدراسات تقول إن فوائد تناول الثوم نيئًا تفوق فوائده مطهوًا، تشير دراسات أخرى إلى وجود بعض الفوائد لخضراوات الفصيلة الثومية المطهوة. لهذا ننصحك بتناول الثوم بمختلف أشكاله لتستمتع بفوائده العديدة.

اقرأ أيضًا:

هل يتسبب تناول الثوم برائحة جسم كريهة؟

ماذا يجب أن نأكل لتقوية جهازنا المناعي؟

ترجمة: محمد طوسون

تدقيق: وئام سليمان

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر