منذ منتصف القرن التاسع عشر، طالبت الحركات النسوية المنظمة في الولايات المتحدة الأمريكية بالمزيد من الحرية السياسية والاقتصادية والثقافية والمساواة للمرأة. ومع ذلك، لم تتجه هذه الحركات جميعها نحو الأهداف المحددة ذاتها، أو لم تتخذ المنحى ذاته نحو هذا النشاط، أو لم تضم مجموعات النساء ذاتها في هتافاتها الحاشدة. ونتيجة هذه الاختلافات بين الأجيال، من الشائع القول إن النسوية مقسمة إلى أربع موجات متمايزة، تطابق تقريبًا كل واحدة منها فترة زمنية مختلفة.

بدأ استخدام هذا المصطلح «موجة النسوية» في أواخر عام 1960، وذلك لتمييز الحركة المنبثقة للنساء في ذاك الوقت عن الحراك السابق لحقوق النساء الذي انبثق عام 1848 مع مؤتمر سينيكا فولز. وفي الوقت ذاته، الفكرة من وراء مصطلح «الموجة الثانية» ربط الحركة بالناشطات السابقات اللواتي عانين في النضال الطويل والقيم لحقوق المرأة.

ويجادل الناقدون لمفهوم «الموجة» في أنه يبالغ في تبسيط تاريخ أكثر تعقيدًا، إذ يشير إلى وجود نمط واحد متميز فقط من النسوية في أي وقت من تاريخ البشرية. بينما في الواقع، كل حركة تتضمن مجموعات صغيرة ومتداخلة، التي غالبًا ما تكون على خلاف مع بعضها. وعلى الرغم من أن مفهوم الحركة ليس مثاليًا بالتأكيد، ولكنه يظل أداة مفيدة في تحديد تاريخ النسوية في الولايات المتحدة الأمريكية وفهمه، من بدايتها في مؤتمر سينيكا فولز إلى نشاطها الذي ضخ عبر وسائل التواصل الاجتماعي في عصر #أنا_أيضا – MeToo#.

الموجة الأولى (1848-1920):

بدأت أول حركة منظمة بهدف تحصيل حقوق النساء الأمريكيات على نحو فعال في يوليو عام 1848، مع المؤتمر الذي نظمه كل من إليزابيث كادي ستانتون ولوكريشا موت وسينيكا فولز في نيويورك، حيث وقع الحاضرون إعلان المشاعر، الذي أكد على المساواة بين المرأة والرجل، وأصدر العشرات من القرارات الداعية إلى العديد من الحقوق المعينة المختلفة، ومن ضمنها الحق في التصويت.

وعلى الرغم من ربط الحركة الأولية لحقوق المرأة بإلغاء العبودية، فإن نص التعديل الخامس عشر في عام 1870 أغضب عددًا من قادة حقوق المرأة اللواتي أبدين استياءهن من منح حق التصويت للرجال السود قبل النساء البيض. وبالمثل، همشت واستبعدت حركة حق النساء في التصويت النسويات السود على نطاق واسع، مثل سوجورنر تروث و إيدا بيل ويلز.

وعلى الرغم من أن إقرار التعديل التاسع عشر في عام 1920، حقق الهدف الرئيسي من حركة النسوية الأولى (ضمان حق النساء البيض في التصويت)، فقد واجهت النساء السود والملونات العديد من العقبات المستمرة حتى صدور قانون حقوق التصويت في عام 1965.

الموجة الثانية (1963-1980):

نشرت بيتي فريدان كتابها اللغز الأنثوي في عام 1963، الذي طرح غضب النساء وسخطهم ضد حصر أدوارهم فقط بوصفهن زوجات وأمهات. وقد حقق هذا الكتاب نجاحًا ساحقًا، إذ بيع منه أكثر من 3 ملايين نسخة في غضون ثلاثة أعوام. مطلقًا ما أصبح يعرف لاحقًا بالموجة الثانية من النسوية. متأثرةً بحركة الحقوق المدنية والمظاهرات ضد حرب فيتنام، طالبت نسويات الموجة الثانية بإعادة تقييم الأدوار الجندرية التقليدية في المجتمع وإنهاء جميع أشكال التمييز والتحيز الجنسي.

اكتسبت النسوية (أو «تحرير المرأة») قوتها بوصفها قوة سياسية في عام 1970، ومثل فريدان، أسس كل من غلوريا ستاينم وبيلا أبزوغ التجمع السياسي الوطني للنساء في عام 1971. تمثلت بعض النقاط البارزة في الموجة الثانية بإصدار قانون المساواة في الأجور وقرارات المحكمة العليا التاريخية في قضية غرسوولد ضد ولاية كونيتيكت (1965) و رو ضد ويد (1973) المتعلقة بالحرية الإنجابية. ولكن حين أقر الكونغرس التعديل المتعلق بالمساواة في الحقوق عام 1972، استطاعت ردة فعل المحافظين العنيفة أن تعيق وصوله إلى عدد الولايات اللازم للتصديق.

ومثل حركة حق الانتخاب، تعرضت أيضًا الموجة النسوية الثانية للنقد لتركيزها على النساء البيض المتمتعات بالامتيازات، مما دفع بعض النساء السود لإقامة منظماتهم النسائية الخاصة، من ضمنها المنظمة الوطنية للنسوية السود (NBFO). وعلى الرغم من الإنجازات التي حققتها، حركة التحرير النسائية فقد بدأت تفقد زخمها منذ عام 1980، عندما اجتاحت القوى المحافظة عبر إيصال رونالد ريغان إلى البيت الأبيض.

الموجة الثالثة (منذ 1990) :

مما لا شك فيه أن التقدم في الموجة الثانية قد حقق المزيد من المساواة والحقوق للنساء، فقد ركزت الحركة التي انبثقت في أوائل 1990 على معالجة المشكلات التي ما زالت موجودة، مثل التحرش الجنسي في مكان العمل وقلة حضور النساء في المناصب العليا. حينها أعلنت ابنة زعيمة الموجة الثانية ذات العرق المختلط أليس والكر عن قدوم «الموجة الثالثة» للنسوية في عام 1992، وذلك في أثناء مشاهدة أنيتا هيل تدلي بشهادتها أمام اللجنة القضائية لمجلس الشيوخ حول اتهاماتها بالتحرش الجنسي ضد مرشح المحكمة العليا كلارنس توماس. وفي العام ذاته، الذي أطلق عليه «عام المرأة»، شهد عددًا غير مسبوق من النساء المرشحات للكونغرس.

وعبر تبني روح التمرد عوضًا عن الإصلاح، شجعت نسويات الموجة الثالثة النساء على التعبير عن ميولهن الجنسية وشخصيتهن الفردية. وتبنى الكثير أسلوبًا أنثويًا تقليديًا أكثر للباس والتبرج ورفضوا حتى مصطلح «النسوية» الذي اعتبروه طريقة لإبعاد أنفسهم عن أسلافهم أصحاب الموجة الثانية. وجلبت بعض الفرق (مثل Riot grrl وBikini kill وBratmobile وHeavens to Betsy) شعاراتهم النسوية إلى موسيقى البوب، فقد تناولت عدد من أغانيهم قضايا التمييز الجنسي، والنظام الأبوي، والإيذاء وسوء المعاملة، والعنصرية والاغتصاب.

واعتبرت الموجة الثالثة من النسوية شاملة أكثر بالنسبة للعرق والجنس. ويعد عمل الباحثة كيمبرلي كرينشو حول مفهوم «التقاطع»، أو كيف تتقاطع أنظمة القمع المتعددة (المبنية على العرق، الطبقة، الجنس… إلخ). مؤثرة بنحو بارز في ذلك المجال. واعتمدت نسويات الموجة الثالثة أيضًا على عمل المنظرة جوديث بتلر، متضمنًا دعم حقوق العابرين جنسيًا بوصفه نوعًا من التقاطع النسوي.

الموجة الرابعة (الوقت الحاضر):

على الرغم من صعوبة تحديد الموجة الرابعة نسبيًا (إذ يجادل العديد من الأشخاص بكونها مجرد استمرار للموجة الثالثة)، فإن ظهور الإنترنت قد أدى بالتأكيد إلى إنشاء شعار جديد للنشاط مدعومًا بوسائل التواصل الاجتماعي. انطلاقًا من تارانا بورك عام 2007، التي أطلقت في عام 2017 حركة MeToo# عقب اليقظة التي سببها اكتشاف سوء السلوك الجنسي للمنتج السينمائي المؤثر هارفي واينستين.

وإضافةً إلى محاسبة الرجال ذوي النفوذ على أفعالهم، تتجه أنظار نسويات الموجة الرابعة إلى الأنظمة التي تسمح بحصول مثل هذه السلوكيات. ومثل أسلافهن في القضية النسوية، مستمرات في صراعهم مع مفهوم التقاطع، وكيف يمكن للحركة أن تكون شاملة وممثلة لجميع النساء بصرف النظر عن ميولهن الجنسية، أو عرقهن، أو طبقتهن، أو جنسهن.

اقرأ أيضًا:

النسويّة.. تعريفها وتاريخها وأمثلة عليها

الكاتبة الفرنسية سيمون دو بوفوار: سيرة شخصية

ترجمة: نيفين الشلي

تدقيق: نور عباس

مراجعة: حسين جرود

المصدر