لنتخيل كيف سيغدو العالم لو فُتحت جميع الملفات السرية المشفرة فجأة، الأمر الذي يُعرف باسم «نهاية العالم الكمومية».

ببساطة، تعمل الحواسيب الكمومية بطريقة مختلفة تمامًا عن الحواسيب الموجودة اليوم، فالحواسيب الكمومية أسرع منها بكثير نظريًا.

إن حاسوبًا عاديًا سيستغرق سنوات طويلة لحل المسائل المعقدة (وقد لا يتمكن من حلها أبدًا)، مثل فك تشفير البيانات، إذ تُجرى مليارات من العمليات، أما الحواسيب الكمومية فستحلها خلال ثوان نظريًا.

قد تتمكن الحواسيب الكمومية من حل كل مشكلات البشرية، لذا تستثمر حكومة المملكة المتحدة في المركز الوطني للحوسبة الكمومية في هارويل، أوكسفوردشاير، أملًا في إحداث ثورة بحثية في المجال.

ولكن، يوجد جانب مظلم للحوسبة الكمومية.

لصوص البيانات:

تعمل العديد من الدول -متضمنةً الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والمملكة المتحدة- بجد وتستثمر مبالغ طائلة من المال لتطوير هذه الحواسيب الكمومية فائقة السرعة بهدف اكتساب أفضلية استراتيجية في المجال الحاسوبي.

يُجمع كل يوم كم هائل من البيانات المشفرة -متضمنةً بياناتنا جميعًا- دون إذن، وتُخزن في بنوك بيانات، بانتظار اليوم الذي يحوز فيه لصوص البيانات على حواسيب كمومية قوية بما فيه الكفاية لفك تشفيرها.

يقول هاري أوين، المدير الاستراتيجي لشركة بوست كوانتوم: «كل ما نقوم به على الإنترنت اليوم من التسوق والتحويلات البنكية وتفاعلات التواصل الاجتماعي مشفر. ولكن حالما يظهر حاسوب كمومي قادر على فك التشفير، سيتيح لمطوره إمكانية إفراغ الحسابات البنكية ومحافظ عملة البتكوين وإيقاف الأنظمة الدفاعية لحكومات الدول».

وتكهن إلياس خان المدير التنفيذي لشركة كوانتينوم في كامبريدج وكولورادو قائلًا: «ستجعل الحواسيب الكمومية معظم وسائل التشفير عديمة النفع؛ إنها تهديد لنمط حياتنا».

الحماية الكمومية:

قد يتساءل بعضهم، أهذا حقًا ما سيحصل في المستقبل؟

نعم، سيحصل ذلك حتمًا إذا لم نتخذ الاحتياطات اللازمة، يحذر أحد مسؤولي شركة وايتهول: «ستكون العواقب وخيمة إذا لم نفعل شيئًا حيال الأمر».

عمليًا، تسير الإجراءات الاستباقية على قدم وساق. فقد أصبحت جميع البيانات المصنفة على أنها «سرية للغاية» في المملكة المتحدة «بعد كمومية»، أي استخدام أصناف جديدة من التشفير يأمل الباحثون أن تكون محصنة كموميًا.

يعمل عمالقة التكنولوجيا (مثل غوغل ومايكروسوفت وIBM) دون كلل لإيجاد حلول، إضافة إلى الشركات المختصة في المجال، مثل كوانتينوم وبوست كوانتوم.

وأهم من ذلك، يجري حاليًا في المعهد الوطني الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا -خارج العاصمة واشنطن- ما يشبه استعراضًا للتشفير بعد الكمومي، وذلك بهدف إقرار استراتيجية دفاع موحدة لحماية المصالح الوطنية والبنى التحتية من مخاطر نهاية العالم الكمومية.

كل هذا لن يأتي بثمن بخس، فالحوسبة الكمومية مكلفة، ومتعبة، وينتج عنها قدر هائل من الحرارة.

يُعد تطوير خوارزميات آمنة كموميًا أحد أهم التحديات الأمنية في الوقت الراهن، ولكن الجلوس مكتوفي الأيدي ليس خيارًا واردًا.

اقرأ أيضًا:

المهندسون يحلون مشكلة عمرها عقود في تصميم الحواسيب الكمومية

تقنية جديدة تقربنا خطوة أخرى من الحواسيب الكمومية

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: محمد الشعراني

مراجعة: حسين جرود

المصدر