منذ أكثر من ألفي سنة، خرج عالم الرياضيات اليوناني يوكليد (إقليدس) بقائمةٍ من خمسة مفاهيم يعتقد أنها أساس بناء الهندسة، الخامس منها كان معادلةً نعرفها جميعًا: “إنّ مجموع زوايا أي مثلث يساوي 180 درجة” وحتى اليوم لا يزال مجموع زوايا المثلث هذا يدرس على أنه من المحاور الأساسية لفهمنا للهندسة.

على أي حال فإنّ هذا الافتراض لا يبدو واضحًا كما الأربعة الأخرى على قائمة إقليدس؛ لذلك حاول علماء الرياضيات استنتاجه لإظهار أن الهندسة التي تمتثل للمفاهيم الأربعة الأولى سوف تمتثل بالضرورة للخامس، واستمر عملهم لعدة قرون لكنّهم فشلوا في النهاية، ووجدوا أمثلة للهندسة لا تمتثل للفرضية الخامسة.

مجموع زوايا المثلث في الهندسة الكروية

الفكرة الإقليدية في الهندسة الكروية هي خط يصبح دائرة كبيرة بنصف قطرٍ أعظميّ يمتد حول الجزء الأكبر من الكرة.

فلم يعد صحيحًا أن مجموع زوايا المثلث دائمًا 180 درجة، المثلثات الصغيرة جدًا لها زوايا بمجموع أكثر قليلًا من 180 درجة (لأنه من منظور مثلث صغير جدًا سطح الكرة يكون شبه مستوٍ)، والمثلثات الأكبر سيكون لها زوايا بمحصلة أكثر بكثير من 180 درجة.

الشيء المضحك طوال الوقت الذي استُغرق لاكتشاف الهندسة الكروية، هو أنها الهندسة التي تمثل سطح الأرض!، لكننا لم نلاحظ ذلك؛ لأن حجم الإنسان صغيرٌ جدًا بالمقارنة مع حجم الأرض، فإذا رسمنا مثلثًا على الأرض وقسنا زواياه، فإن محصلة مجموع الزوايا تتجاوز 180 درجة بقيمةٍ صغيرةٍ جدًا لايمكن ملاحظتها.

لكن يوجد هندسة أخرى تأخذ الأمور في اتجاهٍ آخر!

مجموع زوايا المثلث في الهندسة القطعية

ليس من السهل تصوير الهندسة القطعية كالهندسة الكروية؛ لأنه من غير الممكن تمثيلها في الفضاء الإقليدي ثلاثي الأبعاد دون تشويه، الطريقة الوحيدة لتمثيلها عن طريق قرص(بوينكير- Poincaré).

خذ قرصًا دائريًا، وتخيل نملةً تعيش داخله، في الهندسة الإقليدية أقصر مسارٍ بين نقطتين داخل هذا القرص هو الخط المستقيم.

أمّا في الهندسة القطعية تقاس المسافات بشكلٍ مختلف بحيث أقصر مسار لم يعد على طول خط مستقيم ولكن على طول قوس الدائرة التي تلاقي حدود القرص بزوايا قائمة، مثل الخط الأحمر في الشكل، وعلى النملة التي تتبع الهندسة القطعية تجربة المسار الأقصر كمنحني.

والمثلث القطعي هو الذي تكون أضلاعه أقواس من هذه الدوائر، ومجموع زواياه أقل من 180 درجة.

جميع الأشكال بالأبيض والأسود في الشكل هي مثلثات قطعية.

إحدى نتائج المقياس القطعي الجديد هو أن الدائرة الخارجية للقرص لانهائية بعكس وجهة نظر النمل القطعي، ذلك بسبب تشويه المقياس للمسافات القطعية وعدم تشويه المسافات الإقليدية العادية.

المسارات التي تبدو بنفس الطول في المقياس الإقليدي تكون أطول في المقياس القطعي كلما اقتربت من الدائرة الخارجية.

ويبين الشكل أدناه تمثيل مستوي للسطح القطعي من قبل هيبتاغونس.

وبسبب المقياس المشوَّه، تكون التمثيلات كلها بنفس الحجم في المقياس القطعي، وكما نرى النملة سوف تحتاج إلى اجتياز عددٍ لانهائيّ منهم للوصول إلى الدائرة الخارجية، وهو مسار لانهائي!

تبدو الهندسة القطعية مثل قواعد رياضيّة خيالية، ولكن لديها استخدامات في الحياة الحقيقية، فعندما وضع آينشتاين نظريته النسبية الخاصة في عام 1905 وجد أن التناسبات في الهندسة القطعية هي ما يحتاجه بالضبط لصياغة النظرية.

كما ويعتقد علماء الرياضيات اليوم أن الهندسة القطعية قد تساعد في فهم الشبكات الكبيرة مثل الفيسبوك أو الإنترنت.


  • ترجمة: حبيب بدران.
  • تدقيق: تسنيم المنجّد.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر