تشير البيانات المُجمعة من شبكات أجهزة قياس الطقس المُثبَّتة حديثًا على قمة جبل إفرست إلى أن الجبال تتعرض لبعض أشد أشعة الشمس على الكوكب، فمثلًا يعرف متسلقو جبال الألب أن الشمس قد تكون شديدةً أعلى القمم المغطاة بالجليد. تشير البيانات الأولية الصادرة عن شبكة محطات قياس الطقس أعلى جبل إفرست إلى أن هذا التأثير يكون شديدًا في أعلى قمم العالم، ما يخلق أشد أنواع الإضاءة مقارنةً بأي موضع آخر من سطح الأرض.

يسبب هذا الضوء الشديد أكثر من مجرد حروق عنيفة لمتسلقي الجبال. في ظل ارتفاع درجة حرارة العالم، قد يسبب هذا الضوء تسريع ذوبان الجليد أعلى القمم الجبلية ويؤثر على الأنهار المتجمدة بطريقة ما زلنا لا ندرك مخاطرها بالكامل.

قُدمت هذه البيانات ضمن الإجتماع السنوي للإتحاد الجيوفزيائي الأمريكي في سان فرانسيسكو، وهي أولى بيانات بعثة ناشيونال جيوجرافيك بالتعاون مع روليكس المعنية بدراسة التغير المناخي فوق أعلى قمم الجبال في العالم.

ثبَّت الباحثون ضمن رحلة ميدانية شبكةً مكونةً من خمس محطات قياس للطقس -منهما المحطتان الأعلى في العالم- على ارتفاع 27,600 قدم، أي نحو 8,400 متر.

تساعد تلك المحطات على استكمال النقص في فهمنا لمجال الأرصاد الجوية والمناخية أعلى جبال الألب، فقبل تركيب تلك المحطات كانت المحطة الأعلى في العالم موجودةً على ارتفاع 21 ألف قدم أى نحو 6,400 متر فوق قمة ميرا.

محطات قياس الطقس الأعلى في العالم ترصد تأثيرات غريبة من الشمس - أشد أشعة الشمس على الكوكب - بيانات درجة حرارة الهواء والضغط والرطوبة النسبية وسرعة الرياح

يقول عالم المناخ من جامعة لوفبرو البريطانية، الرئيس المساعد للبعثة توم ماثيوز: »يكسو الهيمالايا قدر أكبر من الجليد وعلى ارتفاعات أكبر من الألب، ما يمثل فجوةً كبيرةً في البيانات».

تجمع المحطات الخمس بيانات درجة حرارة الهواء والضغط والرطوبة النسبية وسرعة الرياح، وجميعها -عدا الأعلى- مُزودة بجهاز لقياس الإشعاع، وزُودت المحطات المنخفضة بمستشعرات لقياس الأمطار والطقس الحالي. ترسل المحطات -العاملة بالطاقة الشمسية- بياناتها يوميًّا عبر الأقمار الصناعية إلى موقع ناشيونال جيوجرافيك، الذي يشارك تلك البيانات عبر تويتر.

كان الدافع الرئيسي لتركيب الشبكة الجديدة هو تحسين فهمنا لمقدار الطاقة التي قد تؤدي إلى إذابة الجليد أعلى جبال الألب. يوضح ماثيوز أن أعلى قمم الهيمالايا تكون مشمسةً بدرجة لا تُصدق، لضعف الغلاف الجوي إضافةً إلى القرب من خط الاستواء. ويعاني متسلقو إفرست تلك الظاهرة، فقد يصابون بالحمى مع إن درجة الحرارة تقترب من التجمد.

لايؤخذ الإشعاع الشمسي في الحسبان غالبًا عند تصميم نماذج فقدان الجليد، ويؤدي نقص البيانات إلى افتراض أن ذوبان الجليد سببه ارتفاع درجات حرارة الهواء.

توضح البيانات الواردة من محطات قياس الطقس المُثبتة حديثًا قوة أشعة الشمس أعلى إفرست، ومن ثم لابد من أخذ قدرتها على إذابة الجليد بعين الاعتبار، وقد سجلت المحطات مستويات إشعاع شمسي تساوى أو تتخطى الثابت الشمسي solar constant (مقدار الضوء الذي يتوقع العلماء وجوده في أقصى نقطة من الغلاف الجوي للأرض).

يظن الباحثون أن هذه الإضاءة الشديدة قد تكون ناتجةً عن استمرار انعكاس الضوء في كل مكان بواسطة قطع الثلج والجليد المتساقط على قمم إفرست المتجمدة. يشبه ماثيوز ذلك بما يحدث داخل جهاز الميكرويف.

لم تُنشَر البيانات حتى الآن في دورية مراجعة، لكن إذا ثبتت فإنها تدل على عملية ذوبان شديدة تحدث على ارتفاع مئات الأقدام أعلى النقطة التي تنخفض فيها درجة حرارة الهواء للتجمد. وباستقراء البيانات عبر جبال آسيا، فقد تكون عملية الذوبان تحدث على نطاق واسع دون أن نعلم عنها شيئًا.

يقول الباحث غير المشارك في الدراسة سورنديرا أذيكاري، من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا: »إنه من المفيد إجراء عمليات رصد مباشرة للطقس في الارتفاعات القصوى، إذ إنه رغم اتفاق العلماء على أن دور التسخين الشمسي في ذوبان الجليد، وعلمهم بتعاظُم ذلك التأثير مع زيادة الارتفاع، لم يكن لديهم فهم واضح لمقدار ذلك التأثير بالضبط».

ويضيف الباحث جوزيف شيا من جامعة شمال كولومبيا البريطانية: »إن المياه الذائبة بفعل أشعة الشمس في الارتفاعات القصوى تتجمد مرةً أخرى بعد أن تذوب، لكن مع ذلك يجب أخذ تأثيرها في الاعتبار».

ذلك لأنه عندما يُعاد تجميد تلك المياه، تنطلق طاقة حرارية تنتشر في الهواء، ما يسبب تدفئة الجليد المحيط ويجعله أكثر كثافة، وهو ما قد يؤثر على تطور الأنهار المتجمدة في منطقة الألب على المدى الطويل، وذلك تأثير لم تتوقعه النماذج السابقة، إذ يجب أن تتضمن نماذج ذوبان الجليد تدفقات الطاقة، وهو أمر صعب جدًا عندما لا نمتلك البيانات الكافية.

لم تكن دراسة ذوبان الجليد أعلى الهيمالايا ضروريةً سابقًا كما هي الآن، فتلك الأنهار المتجمدة التي تمثل موطنًا لأكثر من مليار شخص تنحسر الآن بمعدل ينذر بالخطر في ظل الاحترار العالمي، وهي منطقة كانت تُسمى القطب الثالث لضخامة كميات الجليد فيها.

تتوقع إحدى الدراسات انكماش الأنهار الجليدية في إقليم هندوكوش بالهيمالايا بمقدار الثلث حجمًا، حتى لو اقتصر الاحترار العالمي على 1.5 درجة سليزية.

إضافةً إلى ضوء الشمس، ستقدم محطات قياس الطقس معلومات عن مقدار هطول الثلج على الجبال وتوقيته، إلى جانب دور الرياح الموسمية المتأثرة بفعل التغير المناخي.

يأمل ماثيوز وفريقه أنه استنادًا إلى البيانات التي حصلنا عليها سنتمكن من المزيد من الفهم لأثر توقيت هبوط الثلج الموسمي الآسيوي على الأنهار الجليدية وشدته.

لكن أولًا ستواجه محطات الطقس اختبارها الأكبر حتى الآن، وهو الشتاء على قمة جبل إفرست. يقول ماثيوز إنه يتوقع انخفاض درجات الحرارة عند المحطات المثبتة على الارتفاعات الأعلى إلى أدنى من 40 درجة في غضون الأسابيع المقبلة، إضافةً إلى شدة الرياح التي من المتوقع أن تسجل أرقامًا قياسية.

إن محطات الطقس مُثبَّتة في الصخور ومُجهَّزة لتحمُّل رياح تبلغ سرعتها 386 كم/ساعة، وإن ظل القلق من احتمال هبوب الرياح بسرعات أكبر في تلك الارتفاعات العالية، لكن القلق الأساسي هو أن تهب الريح بقوة تدفع الصخور للاصطدام بالمحطات مسببةً أعطالًا في الأجهزة الأساسية أو الألواح الشمسية.

يقول ماثيو: »إن مصدر القلق الأكبر هو أن تهب الرياح بقوة تتسبب في أشياء لم نخطط لها، تحملت محطات قياس الطقس حتى الآن الظروف القاسية، والمستشعرات تعمل جيدًا، لكننا على وشك اختبار لحظة الحقيقة».

اقرأ أيضًا:

ذوبان الأنهار الجليدية القريبة من مياه السواحل يتسبب بخسارة تنوع الأحياء المائية

أنواع البنى الجليدية

ترجمة: مصطفى عبد المنعم

تدقيق: محمد وائل القسنطيني

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر