برشلونة مدينة وميناء وعاصمة مقاطعة كتالونيا في شمال شرق إسبانيا. تقع على بعد نحو 150 كيلومتر جنوب الحدود الفرنسية. وهي ميناء إسبانيا الرئيسي على البحر المتوسط، ومركز تجاري، وتتسم بالتميز والأهمية الثقافية والشكل الجمالي.

في زيارته للمدينة عام 1862 وصف «هانز كريستيان أندرسون» برشلونة بأنها «باريس إسبانيا». بالفعل تُعد المدينة مركزًا ثقافيًا رئيسيًا بتاريخها الفريد، إذ تزخر بدوائر السجلات والمكتبات والمتاحف والمباني المرموقة. تبرز فيها أمثلة متميزة للديكور العصري والفن المعماري الحديث. في أواخر السبعينيات اعتُرف رسميًا باللغة الكتالونية، ومُنحت المدينة مستوى مرتفعًا من الحكم الذاتي، ما أدى إلى وعي وإدراك جديد بعمق الثقافة الكتالونية وتنوعها. هذا إضافةً إلى الموقع المميز لبرشلونة، بين الجبال الخلابة والبحر المتوسط، والمناخ المعتدل الذي يساعد على ممارسة الأنشطة، وأهميتها بوصفها قوةً اقتصادية وميناءً رئيسيًا، ما جعل منها مدينة ذات طابع متنوع.

تبلغ مساحة المدينة 98 كيلومترًا مربعًا، في حين تبلغ مساحة المنطقة الحضرية -العاصمة وضواحيها- 3235 كيلومترًا مربعًا، وبلغ تعداد سكانها عام 2011: 1,611,013 نسمة، وقُدر عام 2018 بـ 1,620,343 نسمة.

تاريخ مدينة برشلونة:

التأسيس والتوسع في العصور الوسطى:

وفقًا للتراث، أسس القرطاجيون أو الفينيقيون برشلونة، إذ كانت لهم مراكز تجارية على طول الساحل الكتالوني. مع هذا لم يعد يُعتَقد أن اسم المدينة مشتق من اسم الزعيم القرطاجي هاملكار باركا.

لم تصبح «كولونيا فافنتيا جوليا أوغستا بيا بارسينو» -اسم برشلونة في العصر الروماني- مركزًا مهمًا حتى القرن الثالث الميلادي. عُرفت المدينة باسم برسينونا خلال سنوات الاحتلال القوطي الثلاث، وأصبحت مركزًا دينيًا مهمًا حتى وصول المغاربة عام 717.

برجيلونا -كما أسماها المغاربة- كانت هدفًا رئيسيًا للدولة الكارولينجية -الفرنجة- وسيطروا عليها عام 801، وجعلوا من نهر إيبرو على أطراف كتالونيا حدود مملكتهم الجنوبية. عام 985 تعرضت المدينة لإغارة قوات المنصور، وزير الخلافة الأموية بقرطبة. عززت برشلونة نفوذها على كتالونيا في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وبعد اتحاد كتالونية مع أراغون عام 1137 غدت برشلونة مدينةً تجارية رئيسية.

ضعفت برشلونة في القرن الرابع عشر بسبب تفشي وباء الطاعون، وانتقلت عاصمة المملكة الأراغونية الكتالونية إلى نابولي عام 1442. وتفاقم انحدارها مع صعود مملكة هابسبورغ، وتنامي النفوذ التركي في منطقة المتوسط، واكتشاف أمريكا. وازدادت العلاقات مع البلاط في مدريد سوءًا.

عام 1705 سمح الكتالونيون لأرشيدوق النمسا تشارلز الثالث بإنشاء بلاطٍ له في برشلونة، اعترافًا بأحقيته في العرش الإسباني خلال النزاع على العرش، إذ حاصر الملك الإسباني فيليب الخامس برشلونة. بعد سقوط المدينة عام 1714 حل فيليب جميع أشكال الحكم الذاتي المحلي، وصحب ذلك فترة من الازدهار بسبب تطور صناعة القطن.

مدينة برشلونة: تاريخ وحقائق - مدينة وميناء وعاصمة مقاطعة كتالونيا في شمال شرق إسبانيا - ميناء إسبانيا الرئيسي على البحر المتوسط

المدينة الحديثة:

عانت برشلونة الاحتلال مجددًا، هذه المرة على يد نابليون وجيوشه في الفترة 1808 -1813. خرجت المدينة من الحرب منهكة، لكن مرحلة ما بعد الحرب شهدت بداية التحول الصناعي. كان لتطور صناعة النسيج أثر مزدوج، إذ أدى إلى تطور القطاع الصناعي وصعود كتالونيا بوصفها أغنى مناطق إسبانيا، وأدى أيضًا إلى ازدياد الكثافة السكانية والنزاع الطبقي بين البرجوازيين والعمال. انتشرت الحركة الفوضوية -الأناركية- واتسمت الفترة الممتدة حتى الحرب الأهلية الإسبانية بالقلاقل.

من الأحداث المهمة في تلك الحقبة عصيان عام 1835، إذ أُحرقت عدد من الأديرة، إضافةً إلى أعمال الشغب في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر بسبب بدء استخدام الآلات، والأسبوع المأساوي عام 1909 حين أُحرقت المزيد من الكنائس.

من الناحية الإيجابية، فإن معرض عام 1888 جذب أكثر من 400 ألف زائر، ومع بداية عام 1900 كانت نحو نصف واردات إسبانيا تأتي عبر كتالونيا. أدت قوة المنطقة اقتصاديًا إلى ظهور دعوات الحكم الذاتي مجددًا، وتحقق استقلال جزئي في الفترة 1913 – 1923. سنة 1931 أُعلنت الجمهورية الكتالونية في برشلونة. حصلت المنطقة في العام التالي على درجة عالية من الحكم الذاتي وكانت المركز الرئيسي لقوة الجمهوريين مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1936. وأدى سقوطها في يناير 1939 إلى الاستسلام النهائي للجمهوريين.

سببت الهزيمة فقدان العديد من الحقوق والامتيازات، حتى أن اللغة الكتالونية حُظرت فترةً. سنة 1977 استعيدت الحكومة الكتالونية المستقلة، وحددت الاتفاقية الموقعة عام 1979 مع الحكومة الإسبانية مجالات الحكم الذاتي، وشجعت التطور في مجالات عدة في برشلونة.

استضافت مدينة برشلونة الألعاب الأولمبية عام 1992 ما ساعد على إعادة إحياء المدينة وتجديد الواجهة البحرية التي كانت مهدمة لتتضمن مرسى ومتنزهات ومطاعم وشواطئ ومناطق جذب ثقافية. وأُنشئ مركز مؤتمرات وقاعة احتفالات شرق المدينة لاستضافة منتدى 2004 العالمي للتطوير الاقتصادي والتنوع الثقافي.

اقرأ أيضًا:

تاريخ عائلة روتشيلد

لمحة تاريخية عن مدينة روما الإيطالية

ترجمة: شادن أمين

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر