السعال الجاف والعطاس القوي والحمى الشديدة والصداع، جميعها أعراض مزعجة تذكرك بالإنفلونزا، ورغم معرفتك بأنها قد تصيب الطيور، لكن هل تساءلت يومًا: هل أصابت الأمراض التنفسية الديناصورات؟

كشف الباحثون حديثًا أول دليل على إصابة تنفسية عند الديناصورات، في أحفورة مكتشفة منذ عام 1990 في ولاية مونتانا الأمريكية. تضمنت هذه الأحفورة جمجمةً وأجزاء من عنق ديناصور عاشب طويل العنق من نوع الصوربودا أو سحليات الأرجل، عاش قبل 150 مليون سنة في العصر الطباشيري، الذي امتد بين 145-200 مليون سنة مضت. تضمنت هذه الأحفورة -التي سماها الباحثون «دوللي»- بنى عظمية مشوهةً في فقرات العنق، إذ اتصلت هذه الفقرات بأكياس هوائية متصلة بالرئتين، كانت جزءًا من الجهاز التنفسي للديناصور، اعتُقد أن هذا التشوه سببه عدوى تنفسية شديدة أودت بحياة دوللي بعمر 15-20 عامًا.

ما زال الباحثون في حيرة من أمرهم حول العامل الممرض الذي أصيبت به دوللي، لكنهم يرجحون أنها عانت أعراضًا تنفسية تشبه أعراض الإنفلونزا، مشابهةً لتلك التي تظهر لدى الطيور الحديثة والبشر عند إصابتهم بمرض تنفسي، وفقًا للدراسة.

لم تثر الأحفورة اهتمامًا كبيرة حين اكتشافها، وقد غُلفَت بطبقة حافظة ونُقلَت إلى المتحف، حيث ظلت دون فحص أو دراسة أكثر من عقد من الزمن، إلى أن جاء «كاري وودروف» المدير الحالي لقسم الأحافير في متحف «غريت بلينز ديناصور» ليشرف على دراسة هذه الأحفورة، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

في أثناء تحضيره لنيل درجة الماجستير، أدرك وودورف أن هذه الأحفورة تعود إلى نوع من الصوربودا لم يُدرس سابقًا، وهو «الدبلودوكات» أو مزدوج الدعامة.

بعد فحصها، انطلق وودروف وفريقه إلى موقع الاكتشاف للبحث عن عظام أخرى لها، وأعلن أن هذه الآثار المرضية ظهرت في العنق تحديدًا، وأنها مختلفة عن أي شيء رآه هو أو أي من خبراء سحليات الأرجل، وأنهى عام 2018 جمع الأدلة المتوفرة في ذلك الموقع.

بروكلي عظمية!

يختلف الجهاز التنفسي لسحليات الأرجل –وكذلك الطيور الحديثة- عن الثدييات، إذ تملك شبكة من الأكياس الهوائية المتصلة الرئتين، وتعمل مثل منفاخ ينقل الأكسجين في أثناء الشهيق والزفير.

يرتبط الجهاز التنفسي عند سحليات الأرجل بفقرات العنق حول ثقوب موجودة على جانبيها، ليشكل بنى عادةً ما تكون ذات بنية ناعمة وملمس قريب من ملمس الزجاج. أظهر التصوير المقطعي المحوسب لثلاث فقرات من عنق دوللي بنيةً خشنة وغير منتظمة ونتوءات عديدة، تمامًا مثل رأس زهرة البروكلي حسب وصف وودروف: «وجود هذه البنى الغريبة في مكان اتصال الجهاز التنفسي بالفقرات، دفعنا للاعتقاد بأن مصدر هذه التشوهات هو عدوى أو التهاب تنفسي في الأكياس الهوائية، انتشر لاحقًا إلى العظام مسببًا هذه التشوهات التي بقيت محفوظة حتى الآن».

عدوى فطرية ضمن دائرة الاتهام

قد تسبب أي من العوامل الممرضة المختلفة، مثل الجراثيم والفيروسات والفطريات والطفيليات، عدوى تنفسية. لذا -في محاولة لتحديد أدق للعامل الممرض- قارن الباحثون بقايا تشوهات دوللي مع عينات من طيور حديثة، مصابة بأمراض تنفسية مختلفة، إضافةً إلى دراسة عينات من السحالي الحديثة المصابة بأمراض تنفسية، إذ تملك هي أيضًا أسلافًا من الديناصورات.

بالمقارنة والتحليل، اكتشف الباحثون إصابة فطرية أصابت معظم الطيور والسحالي المدروسة تُعرف بداء الرشاشيات التي يسببها فطر الرشاشية، وتُعَد الإصابة التنفسية الأشيع عند الطيور الحديثة. ولما كانت الإصابة الأشيع لديناصورات العصر الحالي -أي الطيور الحديثة- هي عدوى فطرية، فإن افتراض أنها أصابت ديناصورات العصور القديمة استنتاج مقبول جدًا ومدعوم بدليل حالي.

تظهر لدى الطيور الحديثة المصابة بأمراض تنفسية الأعراض ذاتها التي تظهر لدى البشر المصابين بالإنفلونزا أو الالتهاب الرئوي، ومنها العطاس والسعال والصداع والحمى والإسهال ونقصان الوزن، ما يجعلنا نتصور مدى سوء الحالة التي شعر بها ديناصور مريض منذ ملايين السنين.

«تخيل أن بإمكانك حمل أحفورة من بقايا دوللي والتخيل أن الشعور المزعج الذي شعرت به عندما كنت مريضًا شعرت به دوللي منذ 150 مليون سنة، أنا شخصيًا لا أذكر أنني أحسست بهذا القدر من المشاعر والتعاطف مع أي حيوان من قبل».

إذن، هل كان مرض دوللي شديدًا لدرجة التسبب بموتها؟

لا يمكن تأكيد ذلك. داء الرشاشيات قد يكون مميتًا عند الطيور الحديثة حال لم تنل علاجًا مناسبًا، ويعتقد الباحثون أن هذا المرض -وإن لم يكن مميتًا- لا بد أنه خفض من قدرة دوللي على البقاء، ففي كائنات تتجمع على شكل قطعان مثل سحليات الأرجل، يسبب المرض انعزال الديناصور المصاب عن أقرانه أو بعجزه عن مواكبة قطيعه، ما يجعله هدفًا سهلًا للمفترسات.

«وإن لم يكن داء الرشاشيات السبب المباشرة لموتها، لا بد أنه ساهم في ذلك بطريقة أو بأخرى».

اقرأ أيضًا:

للمرة الأولى، إعادة بناء دماغ كامل لأحد أقدم الديناصورات

اكتشاف بيضة ديناصور كاد يفقس يلقي الضوء على تطور الطيور الحالية

ترجمة: محمد أديب قناديل

تدقيق: محمد سمير

المصدر