استغرق علماء المستحاثات أكثر من عقدين من الزمن لجمع البقايا الأحفورية لأقدم أسلاف الثدييات، واكتشفوا أن تطورها الذي أنتج نشوء الانسان الحديث ربما بدأ في نصف الكرة الجنوبي، لا الشمالي على عكس الاعتقاد السائد.

بيّن فريق العلماء أن تحليل مجموعة من أحفوريات لعظام فك صغيرة الحجم تحمل أسنان خلفية مميزة، غيّر من فهمهم لزمن تطور الثدييات الحديثة ومكانه تغيرًا جذريًا.

كان مستكشف المستحاثات توماس ريتش، الذي شارك في إعداد الدراسة الجديدة، عضوًا في الفريق الذي أعلن عام 1997، بعد 23 سنة من البحث، عن اكتشاف عظم فك حيوان ثديي يتميز بأسنان غريبة على الشاطئ الأسترالي، بعد أن اقتصرت هذه الاكتشافات على أوروبا وأمريكا الشمالية.

يعود عظم الفك إلى مخلوق صغير شبيه بالفئران، ويرجع تاريخه إلى العصر الطباشيري الذي عاشت فيه الديناصورات أيضًا.

اكتُشف حديثًا المزيد من عظام الفك لثدييات من العصور الوسطى في مدغشقر والأرجنتين والهند وأستراليا.

تضمنت العينات، التي يبلغ حجم الواحدة منها 2.5 سم أو أقل، أسنانًا خلفية مميزة، ووجدت أحدث التحليلات التي أعادت النظر في هذه العينات أن أقدمها -المكتشفة في الأرجنتين- تسبق مثيلاتها المكتشفة في نصف الكرة الشمالي بنحو خمسين مليون سنة.

تُسمى الأسنان الصغيرة المدروسة «الأضراس الوتدية ذات النتوءات الثلاثة»، وهي مسؤولة عن طحن الطعام وتقطيعه، من نباتات أو حشرات، بتداخل أعلى الفك وأسفله.

الباحثان تيم فلانري وكريستوفر هيلجين، خطرت لهما فكرة إعادة النظر في مستحاثات الثدييات المكتشفة في أستراليا، التي وصف ريتش أحدثها سنة 2020، وشرعا بالبحث الدقيق في المؤلفات العلمية.

ثم وضعا مخططًا بديلًا لفرضية أصل الثدييات، إذ تنقلت أسلافها بين القارات الجنوبية عندما كانت مجتمعةً في قارة عظمى تُسمى غوندوانا قبل 125 مليون سنة، ثم اتجهت شمالًا.

يظن الفريق أن المستحاثات، بناء على عمرها وسماتها التشريحية المتشابهة، تمثل أقدم أسلاف الحيوانات الجرابية، مثل حيوانات الكوالا والومبت الأسترالية، وأسلاف الحيوانات المشيمية التي ينتمي إليها الإنسان، وكلاهما يشكل ما يُسمى الثدييات الوحشية.

أشار البحث إلى أن الوحشيات تطورت في غوندوانا، إذ نمت وتنوعت على مدار خمسين مليون سنة، قبل هجرتها إلى آسيا في أوائل العصر الطباشيري، وتنوعت سريعًا فور وصولها إلى القارة الآسيوية وسكنت العديد من المواقع البيئية.

يقترح البحث أن الأضراس المميزة لأقدم أسلافنا الثديية قد تكون مفتاح نجاح تطورها، لكن تطور الثدييات القديمة التي عاشت بعد انقراض الديناصورات لطالما أذهل العلماء، وسيستمر من دون شك في استقطاب الأبحاث.

يعبر حجم الأدلة في علم الإحاثة مثله مثل أي علم عن الكثير. تنوع الثدييات التي عاشت لما يزيد عن مئتي سنة في نصف الكرة الشمالي، وغزارة الأحفوريات المكتشفة هناك، تدفع العلماء للاعتقاد بأن أسلاف الحيوانات المشيمية والجرابية ظهرت في الشمال ثم انتقلت جنوبًا.

لكن الدراسات أظهرت أن السجلات الأحفورية قد تكون مضللة، ولا يمتلك العلماء حاليًا لتحدي النظرية الراسخة عن منشأ الثدييات سوى سبع عينات من الأسنان الصغيرة التي استغرق اكتشافها عدة عقود.

يرى فلانري أن هذا البحث أهم دراسة متعلقة بعلم الأحفوريات من منظور عالمي، لكن ربما تحتاج إلى بعض الوقت لتحظى بالقبول في الأوساط العلمية.

لم يقتنع الكثير من علماء الإحاثة بهذه النتائج، ففي حين يرى فلانري وفريقه أن هذا الاكتشاف عظيم ويغير من فهمنا لتطور الثدييات، يرى عالم الإحاثة في جامعة فليندرز «جافين بريدو» أن الاستنتاجات اعتمدت على عينات صغيرة ورديئة من شظايا أحفوريات الأسنان على حد تعبيره.

أَضاف أيضًا أن الأمر ربما يكون أحد أشكال التطور التقاربي، أي أن الأضراس الوتدية ذات النتوءات الثلاثة ربما تطورت في أماكن منفصلة في أوقات متقاربة، لكن لا يمكن التيقن من ذلك نهائيًا.

اقرأ أيضًا:

علماء المستحاثات يكتشفون نوعًا جديدًا من الديناصورات في جزيرة وايت

قد تكون آثار الأقدام هذه أقدم آثار اكتشفت حتى الآن لأشباه الإنسان

ترجمة: بشار ياسر محفوض

تدقيق: نايا كركور

المصدر