لقد قطعنا شوطًا طويلاً في علاج مرض التصلب العصبي المتعدد – إذ كان واحدًا من أكبر قصص النجاح في الطب. على مدى السنوات العشرين الماضية، كانت هناك ثورة في الأدوية التي تغير مسار المرض، وخاصة الانتكاسات المتكررة له (RRMS).

عندما كنت في فترة التدريب، لم نمتلك أي أدوية تمنع انتكاسات مرض التصلب العصبي المتعدد أو تغير من مصير تطوره. الشيء الوحيد الذي كان بحوزتنا هي الستيرويدات (الكورتيزون)، التي أعطيناها للمرضى خلال الانتكاسات الخطيرة لتسريع التعافي. لكن لم يكن لدينا ما يقلل من فرص إصابة أحدهم بالمرض، ولم نتمكن أيضًا من إيقاف الانتكاسات المستقبلية أو تأخير الإعاقات البدنية أو تخفيف صعوبة الأمر.

أما الآن فنمتلك أكثر من 15 دواءً معتمدًا من إدارة الغذاء والدواء (FDA) يفعل هذا تمامًا. وهي تشمل الحقن التي تستطيع حقنها بنفسك والأقراص الدوائية والأدوية الوريدية. لكنها تختلف في مدى فعاليتها وآثارها الجانبية، ولا نمتلك طريقةً لتحديد أي مريض سيستجيب بصورة أفضل لأي دواء.

هدف أخصائيي مرض التصلب العصبي المتعدد الآن هو ما نسميه «اللا فعالية المرضية». هذا يعني عدم حدوث انتكاسات أو إصابات جديدة أو تطور جديد في مستوى الإعاقة. يمكننا تحقيق ذلك لدى العديد من المرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من انتكاسات مرض التصلب العصبي المتعدد المتكررة.

في الآونة الأخيرة، طرأت تغييرات على طريقة نظرتنا لمرض التصلب المتعدد المتفاقم الثانوي (SPMS)، إذ ووفق على ثلاثة أدوية لكل من (SPMS) و(RRMS) قبل ذلك، ولم توجد أدوية معتمدة لـ (SPMS) باستثناء علاج كيميائي قوي للغاية لم نعد نستخدمه الآن. لدينا الآن دليل على أن العلاج المبكر وخاصة العلاج بأدوية محددة، قد يؤخر تحويل (RRMS) إلى (SPMS)، وفي بعض الحالات لا يعاني المرضى أي تدهور على مدار عشرات السنين.

ما الذي يلوح بالأفق؟

تُدرَس الآن العديد من العلاجات الجديدة لتعزيز علاج التصلب المتعدد بصورة أكبر. إذ يوجد مجالان أساسيان للدراسة وهما كيفية إصلاح مرض التصلب العصبي المتعدد وكيفية علاج مضاعفاته.

مستقبل علاج مرض التصلب العصبي المتعدد (في الأفق) - ثورة في الأدوية التي تغير مسار مرض التصلب العصبي المتعدد - أكبر قصص النجاح في الطب

إعادة الميالين والإصلاح

في الأشخاص المصابين بمرض التصلب العصبي المتعدد، تُدمَّر مادة الميالين (myelin)، ما يسبب الكثير من الأعراض. يبحث الباحثون في استراتيجيات مختلفة لمساعدة الجسم على تكوين مادة ميالين جديدة، وهي الطبقة الواقية حول الأعصاب.

تستهدف بعض التجارب السريرية الجزيئات التي تثبط نمو الميالين. يعمل الباحثون الآن على إيجاد جزء وقائي أو جزء قابل للتجدد في جهاز المناعة يمكننا استخدامه لحماية الخلايا العصبية التالفة وتحفيز نمو الألياف الجديدة.

نشرت مجموعة في جامعة ولاية أوهايو ورقةً بحثيةً حول اكتشاف خلية مناعية تنقذ الخلايا العصبية التالفة من الموت التام، بالإضافة إلى تحفيزها لإعادة نمو الألياف العصبية. هذه الخلية لا توقف فقط تقدم ضرر للجهاز العصبي المركزي، بل قد تؤدي أيضًا إلى عكس هذا الضرر تمامًا واستعادة الوظيفة.

علاج التصلب العصبي المتعدد المتفاقم الثانوي SPMS

‎لقد أحرزنا تقدمًا في علاج التصلب العصبي المتعدد المتفاقم الثانوي ولكن يجدر عمل المزيد.

تشير البيانات إلى أن ثلاثة عقاقير صودقت مؤخرًا لـعلاج (SPMS) وهي فعالة إلى حد ما في مجموعة من الشباب حديثي العهد بالمرض. لكن من غير المرجح أن تساعد أولئك الذين لديهم تاريخ طويل مع المرض. لذا فإن الهدف من البحث هو إيجاد علاج لهؤلاء الأشخاص.

‎بعض تجارب العلاج بالأقراص الدوائية مبشرة. يثبط أحد العلاجات الخلايا المناعية التي توجد عادةً في الدماغ والحبل الشوكي، إذ تمنع الجسم من تنشيطها.

في تجربة حديثة للمرحلة الثانية من العلاج، أدى العلاج إلى تأخر حدوث الإعاقة لدى الأشخاص المصابين بمرض التصلب العصبي المتعدد المتفاقم غير النشط.

إيجاد العلاج المناسب لكل شخص

في الوقت الحالي، لا يمكننا توقع أي المرضى سيستجيب بصورة أفضل لأي دواء. ولكن الكثير من الدراسات الجارية تتنبأ بالدواء الذي سيكون أكثر فاعليةً في مريض معين. يعمل الباحثون أيضًا على إيجاد دلالات لتطوير اختبارات الدم التي قد تخبرنا هل من المرجح أن يستجيب شخص ما لدواء ما أكثر من آخر أم لا.

فيتامين (د) ومضادات الأكسدة وميكروبيوم الأمعاء

تظهر بعض الدراسات أن المستويات المنخفضة جدًا من فيتامين (د) تزيد من فرص الإصابة بالتصلب المتعدد. تفحص بعض الدراسات فيما إذا كانت زيادة مستويات فيتامين (د) بمكملات إضافية قد تخفف من حدة النكسات أو الإصابات الجديدة للأشخاص الذين يعانون منها بالفعل. توجد أيضًا دراسات تبحث في ميكروبيوم الأمعاء وفيما إذا كان بإمكاننا علاج مرض التصلب العصبي المتعدد بصورة أفضل عن طريق تعديلها.

يرى الباحثون أيضًا أن بعض مضادات الأكسدة قد تعدل علاج مرض التصلب العصبي المتعدد والتعامل معه، ولكن ليس أي من هذا مؤكد حتى الآن. أحد مضادات الأكسدة هذه يسمى بحمض الليبويك lipoic acid. تشير بعض الدراسات إلى أن هذا الحمض قد يبطئ فقدان أنسجة المخ لدى الأشخاص المصابين بمرض التصلب العصبي المتعدد. ويُرجَح وجود دراسات مستقبلية تبحث في حمض الليبويك ومضادات الأكسدة الأخرى بمزيد من التدقيق.

طرق جديدة لعلاج الأعراض

الإعياء أو الإجهاد هو أحد أكثر أعراض التصلب العصبي المتعدد شيوعًا وأكثرها صعوبة من حيث التحكم به. توجد دراسات حول العلاج بالأقراص الدوائية وإعادة التأهيل الإدراكي لعلاج الأعراض. وتدور أيضًا الكثير من الأبحاث حول الأطراف الصناعية والروبوتات لمساعدة مرضى التصلب المتعدد على الأداء بشكل أفضل.

العلاج المبكر العدواني

بعد أن أصبح لدينا الآن أدوية فعالة للغاية لعلاج مرض التصلب العصبي المتعدد، يدور نقاش حول ما إذا كان من الأفضل البدء في العلاج المبكر بالأدوية شديدة الفاعلية أو البدء بأدوية أقل فاعليةً ثم التصعيد إلى أدوية أكثر فاعليةً.

تشير دراسة حديثة إلى أن الأشخاص الذين عولجوا بأدوية عالية الفعالية منذ البداية أقل عرضة للانتقال إلى (SPMS) في السنوات اللاحقة. وقد تساعدنا الدراسات الجديدة التي تقارن العلاج المبكر القوي بالعلاج التدريجي في معرفة المزيد عن هذا الموضوع.

نظرة عامة

في الوقت الحالي، يعيش العديد من المرضى المصابين بالتصلب المتعدد حياةً مديدةً. رأيت أشخاصًا خاليين من الانتكاس لمدة عقدين من الزمن ولا تظهر لديهم أي إصابات جديدة، لدرجة أنه ليس بإمكان أحد ملاحظة إصابتهم بمرض التصلب العصبي المتعدد.

يختلف الوضع في أيامنا هذه تمامًا عما كان عليه حين كنت طبيبًا مقيمًا في التدريب، إذ التجأ معظم المرضى حينها إلى أجهزة المساعدة على الحركة واضطروا إلى التوقف التام عن العمل.

يصعُب جدًا التنبؤ بعلاج شافٍ. لكن من المرجح أن نجد علاجات تساعد في عدم حدوث انتكاسة مرضية، وربما توقف تقدم المرض كليًا. أما بالنسبة لعلاج شاف تمامًا فقد يستغرق وقتًا أطول قليلًا.

اقرأ أيضًا:

الحمية الملائمة لمرضى التصلب المتعدد

لقاح لمرض التصلب المتعدد يظهر نتائج مثيرة للاهتمام

ترجمة: حسام الميري

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: آية فحماوي

المصدر