انطلق عمل مصادم الهادرونات الكبير مرة أخرى في الخامس من يوليو 2022 على أمل رصد أي بيانات جديدة تساهم في الإجابة عن بعض التساؤلات في عالم الفيزياء، متسلحًا هذه المرة بنسبة طاقة لم يصل إليها من قبل.

يعد مصادم الهادرونات الموجود في سويسرا الأكبر في العالم، إذ يمتد على طول يقارب 27 كيلومترًا، ويعد هذا الإطلاق الأول منذ أربعة أعوام توقف فيها عمل المصادم من أجل إجراء العديد من الإصلاحات التقنية، ومع اكتمال الإصلاحات، يأمل الباحثون إيجاد بيانات جديدة من تصادم البروتونات بطاقة تقارب 13.6 تريليون إلكترون فولت، ويتوقعون رصد جسيمات جديدة مع اكتمال تحليل البيانات وإصدارها.

لقد شملت التعديلات على مصادم الهادرونات عدة أوجه، إذ عُمل على زيادة كثافة شعاع الجسيمات داخله، ما سيزيد من احتمالية حدوث تصادمات، وتواليًا زيادة البيانات التي سيتحصل عليها الباحثون أكثر من تلك التي حصلوا عليها من دورتيه السابقتين منذ 2009 إلى 2013، و منذ 2015 إلى 2018.

لعل أشهر ما يُعرف به المصادم هو رصده جسيم بوزون-هيغز الذي كان يُعد من الحلقات المفقودة في نظرية النموذج العياري.

مع أن مصادم الهادرونات أنتج كمية ضخمة من البيانات ساهمت في إنتاج ما يقارب 3000 ورقة بحثية، فإن الباحثين لم يجدوا بعد دليلًا اختباريًا يثبت وجود نوع جديد من الجسيمات قد يساهم في الإجابة عن تساؤلات المادة المظلمة.

يؤكد أندريس هويكير، المتحدث باسم فريق مصادم الهادرونات الكبير، أن الفريق يعمل بدقة على حساب نسبة تفاعل الجسيمات مع جسيم بوزون-هيغز، ويضيف: «سنعمل أيضًا على فهم العلاقة بين بوزون-هيغز وجسيم المادة المظلمة، بالإضافة إلى محاولة رصد المزيد من جسيمات الهيغز بوزون».

يسرع المصادم البروتونات لتقارب سرعتها سرعة الضوء قبيل اصطدامها، ومع الاصطدام تظهر أنواع جديدة من الجسيمات، ومع زيادة قوة هذا التصادم، تزيد احتمالية ظهور جسيمات أضخم لم يسبق رصدها. هذه الجسيمات الضخمة نسبيًا، تتحلل مباشرةً في وقت قصير جدًا إلى جسيمات أصغر، ويعمل الباحثون على فهم ودراسة عملية التحلل هذه.

إن الهدف من مصادم الهادرونات الكبير هو إكمال نظرية النموذج العياري التي تُعد اختصارًا لكل الفيزياء الموجودة في كوننا، وتجمع كل الجسيمات التي يتشكل منها. رغم أن الشكل الحالي للنظرية الذي اكتسبته مع بداية سبعينيات القرن العشرين مع توقع جسيم الهيغز يعد الأفضل، فإن الباحثين يأملون إيجاد بيانات تُثبت بأن هذا النموذج خاطئ، ليبدأ العمل باتجاه نموذج أكثر كمالًا، إذ توجد تساؤلات عدة لم يُجب عنها، أهمها المادة المظلمة والجاذبية والمادة المضادة.

إضافة إلى التعديلات التي حصل عليها مصادم الهادرونات، عُدلت أيضًا المراصد الأربعة التي يستعملها الباحثون لرصد البيانات داخل المصادم، إذ عُمل على زيادة قدرة رصدها للبيانات، مانحة بذلك فرصًا أكبر لإيجاد بيانات تعارض النظرية الحالية وتساهم في فهم الفيزياء في كوننا، وسوف تركز بعض المراصد دراستها على فهم سبب عدم وجود توزع مثالي بين المادة والمادة المضادة.

سيركز المرصد الرابع المُسمى ALICE دراسته على فهم تصادمات الأيونات عالية الطاقة، والجدير بالذكر أن نسبة هذه التصادمات ستتضاعف نحو خمسين مرة مقارنةً بفترات عمل المصادم السابقة.

لعل أهم ما ينتج عن التصادمات بين الأيونات هي النسبة الكبيرة من البلازما الكوارك الغلوونية، وهي حالة من المادة لم توجد إلا بعد اللحظات الأولى من الانفجار الكوني العظيم.

سيصب فريق آخر من الباحثين اهتمامه على دراسة سر أساسي من أسرار الفيزياء الحالية، وهو ذلك المتعلق برصد أحاديات القطب المغناطيسي، ما سيؤدي إلى ثورة في عالم الفيزياء المغناطيسية. سيبحث العلماء عن هذا الجسيم عبر دراسة البروتونات إلى أعمق جزيئاتها، ودراسة الأشعة الكونية.

شملت فترة التوقف إضافة مرصدين جديدين داخل مصادم الهادرونات سُمي الأول FASER والثاني SND.

سيهتم FASER بالبحث عن الجسيمات التي تتفاعل بضعف شديد، وأهمها الجسيم المتعلق بالمادة المظلمة بالإضافة إلى النيوترينو، أما SND فقد صُمم خصيصًا لرصد النيوترينو ودراسة هذا الجسيم الذي يمر داخل المادة دون التفاعل معها على الإطلاق.

يأمل الباحثون بواسطة هذه التعديلات الوصول إلى إجابة تقربهم من فهم المادة المظلمة.

يعمل الباحثون تحديدًا على رصد الأكسيون؛ الجسيم الذي توقع العلماء نظريًا ارتباطه بالمادة المظلمة، وليجيب عن أحد أهم الأسئلة في الفيزياء.

إنها المرة الثالثة التي سيعمل فيها مصادم الهادرونات بعد إجراء تعديلات عليه، ويأمل الباحثون أن تكون كافية لكشف الأسرار الكونية.

يُتوقع أن تستمر هذه المرحلة من عمل المصادم 4 سنوات قبيل إيقافه مجددًا لتعديله، إذ سيبلغ طاقة أكبر وأقوى في عام 2029 كما صرح الباحثون، ويُتوقع أن يتمكن في عام 2029 من رصد بيانات أكبر وأوسع مما سيرصده في فترته هذه.

اقرأ أيضًا:

رصد الجسيم الشبح لأول مرة في مصادم الهدرونات الكبير

مصادم الهدرونات الكبير (مقالة مفصلة)

ترجمة: محمد علي مسلماني

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر