ما معضلة المسافر في نظرية الألعاب؟

هي لعبة محصلتها غير صفرية يحاول فيها الخصمان تعظيم أرباحهما على حساب الآخر، تعد معضلة المسافر في نظرية الألعاب تجسيدًا حقيقيًا لما يسمى بـ«مفارقة العقلانية»، تلك التي تحقق أرباحًا أعلى في اللعبة بالاعتماد على القرارات الغريبة وغير المنطقية.

فهم معضلة المسافر في نظرية الألعاب

أسس الخبير الاقتصادي كوشيك باسو لعبة معضلة المسافر عام 1994، حين ألف سيناريو تُلحق فيه إحدى شركات الطيران أضرارًا جسيمة بمقتنيات أثرية متشابهة تعود ملكيتها لمسافرَين مختلفين على متن الطائرة. وافقت إدارة الشركة بحسب السيناريو على تعويض المسافرَين عن أذية ممتلكاتهما لكن دون علمها بقيمتها، فلجأت إلى إخبار المسافرَين بكتابة قيمة تقديرية للممتلكات كل على حدة واختيار قيمة تتراوح 2-100 دولار دون التشاور بينهما.

ومع ذلك وضعت الشركة تحذيرين اثنين:

  •  إذا كتب المسافران نفس القيمة، سيمنح كل مسافر قيمة المبلغ الذي كتبه.
  •  إذا كتب المسافران قيمتين مختلفتين، عندئذٍ تفترض الإدارة أن صاحب القيمة الأعلى مخادع، وأن القيمة الفعلية هي القيمة الأقل، والتي ستُمنح لكليهما تعويضًا عن ممتلكاتهما، مع حصول المسافر الذي كتب القيمة الأقل على مكافأة قدرها دولاران تكريمًا لنزاهته، وتغريم المسافر الآخر الذي كتب القيمة الأعلى بدفع دولارين عقابًا له.

إن الاختيار المنطقي بحسب «توازن ناش» هو 2 دولار، والسبب المنطقي وراء ذلك هو التالي:

  •  قد يكون أول ما يفكر به المسافر الأول هو كتابة 100 دولار، إذ إنه سيحصل عليها إذا ما كتب المسافر الآخر 100 دولار أيضًا.
  •  في حال كتب المسافر الأول 99 دولارًا والمسافر الثاني 100 دولار، سيحصل الأول على 101 دولار (99 دولارًا لأنها القيمة الأقل مضافًا إليها دولارين مكافأة).
  •  يعتقد المسافر الأول أن المسافر الثاني سيفكر بنفس الطريقة، وسيكتب هو الآخر 99 دولارًا، حينها سيحصل كلاهما على 99 دولارًا. في حال حدوث ذلك، سيود المسافر الأول هنا كتابة 98 دولارًا كي يحصل على 100 دولار (98 دولارًا لأنها القيمة الأقل مضافًا إليها دولارين مكافأة).
  •  بما أن المسافرين يفكران بالطريقة نفسها، فإن كتابة أحدهما 98 دولارًا ستجعل الآخر يفكر بكتابة 97 دولار، وهكذا يتّبع المسافران هذا المنحى من الاستقراء العكسي محاولًا كلٌ منهما أن يكتب رقمًا أقل من الآخر، إلى أن يصلا إلى الرقم الأدنى المسموح به وهو 2 دولار.

اتباع مفهوم توازن ناش

أظهرت الدراسات التجريبية أن معظم الناس يختارون كتابة 100 دولار، أو ما يقترب منها، على عكس ما تتنبأ به «نظرية الألعاب»، وذلك إما بسبب تسرعهم وإما بسبب إدراكهم بأن الخيار هذا هو الخيار الأقل عقلانية، أي تتعارض النتيجة المنطقية التي يتبعها الناس بديهيًا مع نتيجة نظرية الألعاب التي تنبأت باختيار كل مسافر كتابة دولارين فقط.

نستنتج هنا أن فرصة الناس بالربح قد تزداد باتباع الحدس وسرعة البديهة والابتعاد عن التحليلات المنطقية.

تتفق هذه النتائج التي لا تتبع مفهوم توازن الناش مع دراسات مماثلة تستخدم ألعابًا أخرى مثل لعبتي معضلة السجين والمنافع العامة. استنتج الباحثون من الدراسات السابقة ميل الناس عمومًا للتعاون فيما بينهم، لما يحققه هذا التعاون القائم على الاستراتيجيات البديهية غير المحكومة بالمنطق من مكافآت وأرباح تصب في صالح جميع الأطراف المتنافسة. ويمكن تفسير ذلك من خلال الضغوط التطورية الانتقائية التي تفضل هذه الاستراتيجيات التي تبدو غير منطقية ولكنها مفيدة

أظهرت دراسات معضلة المسافر أيضًا ازدياد ميل اللاعبين للاستراتيجيات المنطقية وتوازن ناش بازدياد قيمة كل من المكافآت والغرامات المالية أو عندما يشكل عدة لاعبين فِرقًا يتشارك فيها اللاعبون في اتخاذ القرار ضمن الفريق الواحد. وتتفاعل هذه التأثيرات فيما بينها أيضًا، إذ لا تختار فرق اللاعبين الإستراتيجية الأكثر عقلانية فحسب، بل تكون أيضًا أكثر استجابة لحجم العقوبة أو المكافأة من اللاعبين الفرديين.

تقترح هذه الدراسات أن الاستراتيجيات التي تطورت لتحقيق المنفعة الاجتماعية قابلة للتعويض بأخرى أكثر منطقية تقوم على مفهوم توازن ناش اعتمادًا على نظام الحوافز والانقسامات الاجتماعية بين الناس.

اقرأ أيضًا:

كل ما تود معرفته عن نظرية التوازن العام

فرضية السوق المتكيف

ترجمة: ذوالفقار مقديد

تدقيق: أسعد الأسعد

مراجعة: نغم رابي

المصدر