ما هي مفارقة مورافيك؟

تنص مفارقة مورافيك على أنه من السهل تدريب أجهزة الكمبيوتر على القيام بأعمال يجدها البشر صعبة، مثل الرياضيات والمنطق، في حين يصعب تدريبها على القيام بأعمال يجدها البشر سهلة، مثل المشي والتعرف على الصور.

تساعد أجهزة الكمبيوتر في إتمام الكثير من العمليات المعقدة والصعبة على البشر، إذ تُبرمج على ذلك مسبقًا، أو يتم برمجتها على التعلم من تلقاء نفسها، من خلال تزويدها ببيانات للتعلم تتيح لها تحديد الطرق الأفضل لإنجاز العمل.

وبغض النظر عن التقنيات المستخدمة، من السليم القول بأن أجهزة الكمبيوتر قد تفوقت على البشر في أداء مهام معينة، مثل لعب الشطرنج أو لعب الغو أو التحليل، وما إلى ذلك.

مفارقة مورافيك - من السهل تدريب أجهزة الكمبيوتر على القيام بأعمال يجدها البشر صعبة - المشي والتعرف على الصور - الذكاء الاصطناعي

لكن في الثمانينيات، اكتشف هانز مورافيك ومجموعة من الباحثين أمرًا مذهلًا، إذ إن من السهل تدريب أجهزة الكمبيوتر على أداء الأعمال التي تبدو صعبة على البشر مثل لعب الشطرنج، والإحصائيات المتقدمة، والجبر وما إلى ذلك، لكن كان من الصعب تدريبها على أداء أعمال سهلة لا يفكر البشر فيها مرتين، مثل تحديد هوية الوجوه والإدراك والحركة وما إلى ذلك (أمور يمكن حتى للأطفال القيام بها).

وأصبح يعرف هذا المفهوم باسم مفارقة مورافيك ، وهو أحد المفاهيم الأساسية لتحديد مدى تطور الذكاء الاصطناعي.

مفارقة مورافيك

وضع هانز مورافيك أسس هذه المفارقة، بافتراض تفسير واحد محتمل وهو أن يكون لها جذور تطورية.

في كتابه عقل الأطفال (Mind children) يعزو (سبب سهولة تعليم أجهزة الكمبيوتر أمورًا صعبة وصعوبة تعليمها أمورًا سهلة) إلى أن الآلات محصنة ضد ضغوط الانتقاء الطبيعي.

تستند الأمور الصعبة التي تقوم بها الحواسيب إلى عمليات متعمدة، تدعى بالاستدلال (reasoning) وهي عملية واعية وإحدى الأفكار المجردة وترتبط ارتباطًا وثيقًا مع وظائف الدماغ عند البشر التي تطورت مؤخرًا -قبل أقل من 100,000سنة- في سياق العملية التطورية الطويلة.

من ناحية أخرى فإن الأمور السهلة التي نقوم بها، مثل المشي والتعرف على الألوان والوجوه ومهارة تحريك اليدين والقدرات الأساسية الأخرى، قد ترسخت خلال عملية طويلة وشاقة من التطور والانتقاء الطبيعي.

ما نمتلكه من قدرات غالبًا ما تكون غير واعية وتأتي إلينا بدون أي تفكير، ويبدو أننا لا نواجه أي ضغوط في ذلك، وتجعل ما يبدو صعبًا سهلًا بالنسبة لنا، ومن الصعب إجراء هندسة عكسية لهذه العمليات غير الواعية وتعليمها لأجهزة الكمبيوتر، ما يزيد تعقيد المشكلة.

باختصار، إن المهارات التي اكتسبها البشر مؤخرًا في تاريخهم، يسهل تعليمها لأجهزة الكمبيوتر، لكن مهاراتنا تصبح أصعب على أجهزة الكمبيوتر كلما ذهبنا أبعد في التاريخ التطوري للبشر والحيوانات.

المشاكل الصعبة التي تبدو سهلة

تتبع أجهزة الكمبيوتر كل خطوة في البرنامج حتى تحقق هدفها؛ بالإمكان القيام بذلك بشكل مستمر دون فشل، وأتاح هذا لها أن تكون فعالة للغاية في المهام التي تتطلب التنفيذ المتكرر للأوامر البرمجة عليها، وأصبحت فعالة جدًا في حل مشاكل المنطق والجبر والهندسة وتحديد الخطوة المثالية في لعبة الشطرنج. هذه المشاكل تعتبر صعبة الحل لكثير من الناس.

مفارقة مورافيك - من السهل تدريب أجهزة الكمبيوتر على القيام بأعمال يجدها البشر صعبة - المشي والتعرف على الصور - الذكاء الاصطناعي

واعتبر هذا أيضًا تعريفًا لما يعنيه الذكاء، أي المشاكل التي يحلها العلماء المدربين جيدًا وتلك الأمور التي تشكل تحديًا للأشخاص الأكثر ذكاءً.

مفاهيم مثل الرياضيات والمنطق، هي مهارات بشرية تطورت حديثًا، ما يسهل عملية تفكيرنا في كيفية قيامنا بها ومن ثم إعادة هندسة العملية وبرمجة جهاز الكمبيوتر عليها.

وبالتأكيد إتقان هذه المهام جعل أجهزة الكمبيوتر أفضل من البشر في أمور كثيرة، لكنها تعجز عن القيام بأمور بسيطة يقوم بها البشر كل يوم، وجعلها قادرة على القيام بهذه الأمور من شأنه أن يجعلها ذكية حقًا وعلى قدم المساواة مع البشر.

المشاكل السهلة التي تبدو صعبة

تطورت حواسنا ووظائفها على مدى ملايين السنين من عمليات التجربة والخطأ، مذ كنا كائنًا وحيد الخلية بدأ يتفاعل مع بيئته، وهذا هو سبب كون مهام مثل المشي وفهم القرائن البصرية والتفاعل مع البيئة نتقنها بشكل طبيعي غير واع.

هذه الأمور التي تبدو سهلة بالنسبة لنا يصعب تعليمها لأجهزة الكمبيوتر، لكنها تمثل الجسر الذي يجب أن تعبره أجهزة الكمبيوتر في نهاية المطاف لتكون على قدم المساواة معنا.

يجري حاليًا تطوير العديد من الطرق المبتكرة التي تتضمن بشكل أساسي جعل أجهزة الكمبيوتر أكثر مهارة في التفاعل مع بيئتها المادية.

مع تزايد التحسينات التي أجريت على أجهزة الاستشعار والكاميرات المتطورة، حصلت أجهزة الكمبيوتر على صورة أكثر دقة عن بيئتها المحيطة، ما يساعدها على جمع بيانات كافية لاتخاذ أي قرار.

تُحسن التقنيات التي تتضمن نمذجة مسارات الخلايا العصبية في الدماغ -التعلم العميق- قدرة أجهزة الكمبيوتر بشكل مستمر في التعرف على الصور والأشياء، والترجمة الصوتية إلى نص، ومعالجة اللغة الطبيعية، وغيرها من الأنشطة الحسية.

قطعت شركة “Boston Dynamics” شوطًا طويلًا مع الروبوتات المتحركة المتطورة جدًا، التي تشير إلى ما يمكننا توقعه في المستقبل القريب.

مفهوم الذكاء الاصطناعي العام والضيق

هذه التطورات في حل الكمبيوتر المشاكل الصعبة التي تبدو سهلة تأتي ضمن الذكاء الاصطناعي الضيق Artificial Narrow Intelligence.

يتضمن هذا بشكل خاص وأساسي تدريب الكمبيوتر على مهمة واحدة ومحددة جدًا، مثل التعرف على القطط في صورة ما، أو رسم خرائط لبيئة السيارات ذاتية القيادة، أو معالجة اللغة الطبيعية أو الترجمة وما إلى ذلك.

أصبحت أجهزة الكمبيوتر تدرَّب على ابتكار الفنون من خلال هذه التقنية، ما جعلها بارعة في كل مجموعة من مجموعات المهارات البشرية الممكنة.

وعلى الرغم من أننا لم نرَ ذكاءً اصطناعيًا ذاتي التفكير، فيبدو أن هناك نقطة تصل فيها أجهزة الكمبيوتر إلى الذكاء الاصطناعي العام، ما يجعلها على قدم المساواة مع البشر.

فيما لو فعلنا ذلك، سيخبرنا الكمبيوتر ما إذا كان بإمكاننا التغلب على مفارقة مورافيك ومحاكاة ملايين السنين من التطور في فترة قصيرة من الوقت.

اقرأ أيضًا:

كيف تستطيع الحكومات الحد من تطور الذكاء الاصطناعي الفائق العدواني؟

ما الفرق بين الذكاء الاصطناعي ، تعلم الآلة و التعلم العميق ؟

ترجمة: محمد رشود

تدقيق: محمد نجيب العباسي

المصدر