منطقة غير متوقعة في الدماغ قد تكون وراء الاضطراب ثنائي القطب


الاضطراب الوجداني ثنائي القطب (Bipolar Disorder) هو اضطراب عقلي يتميز بالتقلبات الشديدة في المزاج التي تترافق مع تقلبات في مستويات الطاقة والنشاط مما يسبب عادة صعوبة في إنجاز المهام اليومية. وهو مرض عقلي خطير يمكن أن يدمر العلاقات ويحد من الإنتاجية والقدرة على العمل.

وتقول الرابطة الأمريكية لعلم النفس أن هذه التحولات العاطفية يمكن أن تصبح خطيرة لدرجة أن المريض قد يُقدم على الانتحار.

يلعب الخلل في النواقل العصبية الدماغية دورًا رئيسيًّا في العديد من أمراض اضطرابات المزاج، بما في ذلك الاضطراب ثنائي القطب، والاكتئاب وأمراض نفسية أخرى. والنواقل العصبية هي مواد كيميائية تُسهّل التواصل بين الخلايا العصبية. مثل السيروتونين والنورإبينفرين والدوبامين.

تسهم بعض العوامل المحيطة في خطر الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب (العنف-الإجهاد العقلي-فاجعة كبيرة) ويمكن أن تشمل أحداثًا مؤلمة كوفاة أحد أفراد الأسرة أو فقدان الوظيفة أو ولادة طفل أو حتى الانتقال من المنزل.

ربط العلماء الاضطراب الوجداني ثنائي القطب بمنطقة لم تكن متوقعة من الدماغ. في حين أن الاضطراب ثنائي القطب هو واحدٌ من أكثر الاضطرابات العصبية التي تم التعمق في دراستها -حيث لاحظ أطباء اليونان أعراض المرض منذ القرن الأول الميلادي- فمن الممكن أن يكون العلماء قد أغفلوا منطقةً هامةً في الدماغ مسؤولةً عن حدوثه.

وقد أظهر علماء من معهد سكريبس للأبحاث (TSRI) في فلوريدا لأول مرة أن مجموعات من الجينات في الجسم المخطط(striatum) -وهو جزء من الدماغ يعمل على تنسيق العديد من الجوانب الأساسية في سلوكنا، مثل الدافع الحركي وتخطيط العمل، والتحفيز وإدراك الفائدة- يمكن أن تكون ضالعة بشكل كبير في هذا الاضطراب.

لقد ركزت معظم الدراسات الحديثة المتعلقة بالاضطراب ثنائي القطب على قشرة المخ، الجزء الأكبر من الدماغ عند البشر، والمرتبط بالمستويات العليا من التفكير والفعل.

ويقول رون ديفيس (Ron Davis) رئيس قسم العلوم العصبية في معهد سكريبس للأبحاث والذي أشرف على الدراسة: «إنها الدراسة الحقيقية الأولى التي تمت على التعبير الجيني في الجسم المخطط فيما يخص الاضطراب ثنائي القطب»، لدينا الآن تصورٌ عن الجينات والبروتينات التي يتم التعبير عنها في تلك المنطقة.

وقد أشارت الدراسة التي نشرت مؤخرًا على الإنترنت بالإضافة إلى نشرها في مجلة(Molecular Psychiatry) أشارت أيضًا إلى مسارات متعددة تشكل أهدافًا محتملة للعلاج.

يصيب الاضطراب ثنائي القطب حوالي 2.6% من البالغين في الولايات المتحدة مع تصنيف أغلبية كبيرة من هذه الحالات على أنها شديدة.

ووفقًا للمعهد الوطني للصحة العقلية (National Institute of Mental Health) ينتشر هذا المرض في العائلات، وأكثر من ثلثي الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب لديهم قريب واحد على الأقل مصاب بنفس المرض أو بالاكتئاب الشديد أحادي القطب.

وقد تم تحليل عينات من الأنسجة في بحث جديد أخذت من ٣٥ شخصًا من المصابين وغير المصابين بالمرض. وتبين أن عدد الجينات التي تم التعبير عنها بشكل مختلف في عينات الأنسجة من المجموعتين كان قليلًا بشكل مفاجئ. فقد كانت ١٤ جينًا فقط.

ويجدر بالذكر أن التعبير الجيني هو العملية التي يتم فيها استخدام المعلومات من الجينات لإنتاج مركبات وظيفية غالبًا ما تكون بروتينات، وفي الحالة غير البروتينية ممكن أن تكون حموضًا نووية وظيفية.

ومع ذلك، فإن تحليل شبكات جينية مشاركة في التعبير الجيني كشف عن وحدتين من الجينات المترابطة أظهرتا اختلافاتٍ جينيةً متعلقةً بالاضطراب ثنائي القطب، مما يشير إلى مسببٍ محتملٍ للمرض. وكانت إحداهما مرتبطةً بشكل كبير بالجسم المخطط في الدماغ.

ويقول رودريغو باسيفيكو (Rodrigo Pacifico) الباحث المشارك الذي كان المؤلف الأول للدراسة الجديدة: «إن اكتشاف صلةٍ بين الاضطراب ثنائي القطب والجسم المخطط على المستوى الجزيئي يكمل الدراسات التي تقول بارتباط هذه المنطقة من الدماغ بالاضطراب ثنائي القطب على المستوى التشريحي، بما في ذلك الدراسات التصويرية الوظيفية التي تُظهر النشاطات المتغيرة في الجسم المخطط خلال الاختبارات التي تتضمن إدراك الفوائد والمخاطر».
كما أظهر اختبار تحليل المسار (Pathway analysis) تغيرات في الجينات المرتبطة بالجهاز المناعي واستجابة الجسم للالتهابات واستقلاب الطاقة في الخلايا.

يشير ديفيس قائلًا: «نحن لا نعلم إن كانت هذه التغييرات هي سبب المرض أم هي ناتجةٌ عنه، ولكنها توفر علامات جديدة في الجينات فيما يتعلق بالاضطراب ثنائي القطب والتي يمكن أن تؤدي إلى تطوير حالات التشخيص والعلاج مستقبلًا».


ترجمة: ريم أبو الشعر
تدقيق: بشار غليوني

المصدر