أبو الهول .. بعد أن استلم نابليون الحكم في فرنسا وسيطر على إيطاليا توجه إلى القارة الجديدة..أفريقيا، وعندها غزت القوات الفرنسية شواطئ الإسكندرية وتوجّهت إلى القاهرة في صيف عام 1798، لكن الحرارة الشديدة والظروف غير المرغوبة جعلت من الإقامة أمرًا غير ممتع.

كان الجنود متحمسين للعودة إلى فرنسا ودائمًا ما يشكون من الملل المستمر؛ لذلك قام بعض الجنود بتغطية جزء من المعالم المجاورة لإهرامات الجيزة بالصلصال لأجل تمضية الوقت.

في ذلك الوقت كان أبو الهول ” Great Sphinx” مدفونًا بالرمل إلى حد عنقه، و كان الجنود يقفون على رأس التمثال للتمتع بمشاهدة المنطقة من منظور الطائرbird’s-eye view لهذا السبب تحمّل الجنود تهمة فقدان أنف أبو الهول.

بعض المؤرخين يعزي سبب فقدان أنف أبو الهول إلى أن الجنود الفرنسيين كانوا يتخذون رأس أبو الهول الجيري كهدف للتدريب على المدافع، لكن لوحات الرسام والمعماري فردريش لويس ” Frederick Lewis Norden” عام 1737 -أي أكثر من 50 عام قبل وصول نابليون- تثبت أن أبو الهول بدون أنف أصلا، وهذا يبرئ تهمة الجنود الفرنسيين، ومن المحتمل أن الأنف كان مفقودًا لحقبة من القرون.

اختفاء أنف أبو الهول هو أحد الألغاز التي تحيط التمثال.

يبدو رأس أبو الهول مرتديًا النمس ” nemes” (الزي التقليدي الذي يرتديه الفراعنة فوق الرأس) ومرتفعًا عن الأرض بحدود 65 قدماً (20متر) ويستقر على جسد أسد الذي يمتد على طول 187قدمًا (57متر) بالقرب من مدخل مقبرة الجيزة ” Giza Necropolis”.

تتألف المقبرة من تمثال أبو الهول والإهرامات ” Great Pyramids” وغرف الدفن الثانوية ” minor burial chambers” بالإضافة إلى المعابد، والتي شُيّدت من قِبل الملوك خوفو ” Khufu” وخفرع ” Khafre” ومنقرع ” Menkaure”، حكام السلالة الرابعة للمملكة القديمة (2560-2450 قبل الميلاد).

مما يثير الفضول أن معالم هذا الوجه الشاحب المهترئ هي واحدة من أقل الجوانب المثيرة للنقاش حيث يتفق المؤرخون بأن التمثال يعود إلى الملك خفرع (المعروف أيضا باسم خفرين ” Chephren”).

كان أبو الهول مطليًا ومُزينًا ذا لحية مضفورة وهي من العلامات المُميزة للآلهة والموتى لأكثر من 4500 سنة منذ وقت ازدهار الحضارة المصرية، هذه الصفات تحمل شبهًا ماديًا من الملك خفرع ، وقد شُيّد التمثال أيضًا من نفس الحجر الأساس الذي شُيّد به هرم خفرع ومتوافق معهُ تماماً.

لكن لغز أبو الهول يبدو أبعد ما يكون عن الحل ، على الأقل كما صرح به البعض؛ فمنذ عمليات التنقيب الحديثة على يد إميل باريز Emile Baraize التي بدأت عام 1926 بدت آثار خفرع تحمل من الأسئلة أكثر مما تحمل من الإجابات .

توجد بين مخالب أبو الهول لوحة الحلم ” Dream Stela” للملك تحوتمس الرابع ” King Thutmose IV” في عصر المملكة الجديدة التي حكمت من 1400 الى 1390 قبل الميلاد.

يروي اللوح قصة الشاب تحوتمس الذي غرق في النوم يومًا ما تحت ظل أبو الهول ، فظهر له أبو الهول في المنام على هيئة إله الشمس حورس ” Horus” وطلب الحماية من الرمال الزاحفة، في المقابل وعد أبو الهول الشاب تحوتمس بحُكم مصر.

كلامهما التزم بالاتفاق ، وفي المستقبل قام الفراعنة بأول عملية ترميم في التاريخ لتمثال أبو الهول .. و بمرور الوقت قامت الرياح والرمال القادمة من الهضبة بإلحاق أضرار بتمثال أبو الهول محولةً وجههُ إلى شكل مُخيف كأنه من عالم آخر, ومن هنا جاءت تسميته “أبو الهول”.

الطبيعة الغامضة لأبو الهول أثارت العديد من النظريات فيما إذا كان صانع التمثال يتحلى بطبيعة خارقة بما في ذلك احتمال أن هنالك صلة لمدينة أطلانطس ” Atlantis” المفقودة.

كان هنالك علاقة بين مصر ومدينة أطلانطس منذ أول كتابة أفلاطون عن حضارة يوتوبيا .

وخلال مطلع القرن العشرين قال الطبيب النفسي الامريكي إدجارآلان كايس ” Edgar Allan Cayce” أن لديه رؤية حول القاعة الموجودة تحت أبو الهول التي تحمل أسرارًا عن مكان وجود أطلانطس، و إدعى كايس أيضا – الذي توفى عام 1945- إنه سيتم اكتشاف هذه القاعة في عام 1998 ، لا أحد وجد قاعة أطلانطس لكن الجيولوجيون والمؤرّخون الهواة لم يتخلوا عن الفكرة إطلاقًا.

في عام 1996 ادعى أثنين من علماء التاريخ المصري أن المطر أيضًا بالإضافة إلى الرياح والرمال قد تسبب في تآكل تمثال أبو الهول وأيد علماء الجيولوجيا ادعائهم.

لكن بالنظر إلى أن المناخ الرطب في عصور ما قبل التاريخ قد تحول إلى الظروف الجافة في حوالي 4000 سنة قبل الميلاد لذا فان أضرار الأمطار تُشير إلى أن أبو الهول قد شُيد بشكل جيد قبل عصر الملك خفرع.

إذ أن التباين في المظهر بين أبو الهول والمعالم المجاورة بالإضافة إلى أن الرأس غير متناسق مع حجم الجسم أيضًا حثّ الباحثين ليتساءلوا عن عمر هذا التمثال.

إذا كانت نظرياتهم صحيحة فان هنالك مجتمع متقدم سبق المصريين واختفى من التاريخ من دون أثر.

زاهي حوّاس المستشار الأعلى في الآثار قال: تعتبر هذه التخمينات مجرد هراء؛ فلا توجد آثار من مقبرة الجيزة تعود لمجتمع سبق المصريين القدماء، وتشير القراءات الجيولوجية بعدم وجود تجاويف أسفل أبو الهول.

بالنسبة لحوّاس وعلماء آثار آخرين فإن الشيء الوحيد الغامض عن أبو الهول، هو كيف تمت حمايته من الرمال طوال هذا الوقت.


المصدر