يتعرض البشر خلال حياتهم للعديد من المواد الكيميائية، فقد توجد هذه المواد في الهواء أو الطعام أو مواد العناية الشخصية أو المنتجات المنزلية أو الأدوية. للأسف، قد يكون التعرض للمواد الكيميائية سبب الكثير من الآثار الصحية السيئة مثل السرطان، وتسمى حينها بالمواد المسرطنة، التي تتضمن تدخين التبغ والرادون والأسبست وعوادم محركات الديزل.

لضمان صحة السكان، تقيّم الوكالات الصحية العديد من المواد الكيميائية للتأكد من أنها مواد مسرطنة في عملية تسمى تحديد مخاطر السرطان، وفي حال وجدت الوكالات أن هذه المواد مسرطنة يتدرس بعدها مدى خطورتها، وقد تضع السلطات قواعد وأنظمة للحد من استخدامها أو منعها تمامًا وإيقاف تصنيعها.

يقول أستاذ الهندسة الكيميائية والبيولوجية في جامعة كولورادو براد ريزفيلد: «أنا عالم مهتم بدراسة كيفية تعامل جسم الإنسان مع المواد الكيميائية الغريبة كالتلوث البيئي والأدوية، وتأثير هذه المواد في صحته، وقد شاركت في العديد من عمليات تحديد مخاطر السرطان لدى وكالات طبية عديدة، كالوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، وإليكم كيف تسبب هذه المواد السرطان، وكيف تصنف اعتمادًا على الطريقة التي تسبب بها السرطان مع بعض النتائج الخلافية أحيانًا».

كيف تسبب المواد الكيميائية السرطان؟

تُعد الآلية التي تسبب بها المواد الكيميائية السامة السرطان معقدة.

بعد تعرض الشخص لهذه المواد، يمتص الجسم المواد الكيميائية ويوزعها في الأنسجة المختلفة، وفور دخول هذه المواد الخلايا، تتعرض المواد لتفاعلات كيميائية تحولها إلى أشكال أخرى.

تؤثر هذه التفاعلات تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر على جينات الخلية وتحورها، وقد ينتج عن الجينات المحورة -التي تحوي تعليمات ترميز جزيئات محددة أو العمليات التي تنظمها- خلايا شاذة إن لم يصحح الخطأ الجيني الحاصل، ولا تستجيب هذه الخلايا للإشارات الخلوية وتستطيع النمو والانقسام بمعدلات غير طبيعية بطريقة مشابهة للخلايا السرطانية.

كيف تصنف المواد الكيميائية مواد مسرطنة؟

اتخذت عدة وكالات إجراءات محددة لتصنيف المواد الكيميائية اعتمادًا على قدرتها المسرطنة؛ لحماية العامة وتقليل حدوث السرطان.

ومن بين هذه الوكالات، الوكالة الدولية لبحوث السرطان (IARC)، والبرنامج الوطني لعلم السموم (NTP)، ووكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)، وتطرح هذه الوكالات إجمالًا أسئلة حاسمة بشأن مدى قوة الأدلة على أن مادة محددة تسبب السرطان أو تغيرات بيولوجية قد تقود لإصابة الأشخاص به؟

يساعد فهم العملية التي توضح إجابة السؤال السابق على اتخاذ الوكالات للقرارات.

تقدم الإجراءات التي اتخذتها IARC مثالًا جيدًا بشأن كيفية حدوث هذه العملية لما تملكه هذه الوكالة من تاريخ طويل ومصداقية وسمعة عالمية حسنة، ويجب أن تتصف العملية بالشفافية وعدم الانحياز، وعليها الاستمرار نحو سنة من بداية تحديد المادة الكيميائية المراد تقييمها إلى حين تصنيفها.

تختار IARC لجنة من الخبراء لتقييم المادة الكيمائية، ولا تجري اللجنة البحوث فقط، بل تستعرض بدقة كل المعلومات العلمية المتاحة عن المواد المسرطنة وتأثيرها في الخلايا ومزارع البكتيريا والحيوانات والناس، ولتقييم قوة الأدلة، تجمع اللجنة الدراسات المتوفرة وتقدر صحة نتائجها، وجودتها العلمية، ومدى أهمية كل دراسة عن السرطان عند البشر.

بعد مناقشة النتائج، تقرر اللجنة تصنيفًا نهائيًا إجماعيًا، ويضع هذا التصنيف المواد الكيميائية ضمن مجموعة من بين أربع مجموعات:

المجموعة الأولى 1: تعني أن (المادة مسرطنة تمامًا)، والمجموعة 2A (على الأرجح أنها مادة مسرطنة بنسبة كبيرة)، والمجموعة 2B (من المحتمل أن المادة مسرطنة بنسبة صغيرة)، والمجموعة 3 (المادة غير قابلة للتصنيف)، ولا تعني المجموعة 3 أن المادة غير مسرطنة، بل إن اللجنة لم تستطع تحديد:

هل هناك علاقة بين المادة الكيميائية والسرطان من خلال الدراسات المتوفرة، مثل التعرض لعدة مواد كيميائية قد يجعل من الصعب تحديد أي مادة سببت السرطان.

قيمت IARC وصنفت أكثر من ألف مادة كيميائية وعوامل خطر أخرى خلال سنواتها الخمسين، وتضمنت هذه التصنيفات العديد من الآثار الاجتماعية مثل:

تدخين التبغ، والتلوث الهوائي المحيط بنا، ودعامات محركات الديزل، واللحوم المصنعة، وجميع المواد السابقة صنفت ضمن المجموعة الأولى (مواد مسرطنة مؤكدة)، أما الأشعة الإلكترونية الصادرة عن الهواتف المحمولة، فصنفت ضمن المجموعة 2B (مواد مسرطنة محتملة)، وصنفت اللحوم الحمراء ضمن المجموعة 2A (مواد مسرطنة مرجحة)، وعلى الرغم من أن التصنيف لم يقدم تعليمات محددة، فإنه يحفز إجراء المزيد من الدراسات العلمية الإضافية، إذ تستطيع IARC تقديم النصائح، ولكن تطبيقها عائد إلى الدول.

تصنيف IARC للمسرطنات

وظفت IARC خبراء علميين لعرض الأدلة المتوفرة بشأن إمكانية تسبب مواد كيميائية محددة للسرطان.

  • الجموعة 1: مواد تسبب السرطان.
  • المجموعة 2A: على الأرجح تسبب السرطان.
  • المجموعة 2B: من المحتمل أن تسبب السرطان.
  • المجموعة 3: غير قابل للتصنيف.

من المهم معرفة أن هذا التصنيف لا يحدد حجم الخطر المرتبط بالمادة الكيميائية، ولكنه يساعد على اتخاذ إجراءات للحد من التعرض لعوامل قد تسبب السرطان.

في عام 2022 عندما صنفت IARC الأفيون على أنه من المجموعة الأولى، طبقت إيران قوانين للحد من إدمان الأفيون في البلاد.

الخلافات في تصنيف المواد المسرطنة

على الرغم من أن التصنيفات بنيت على أسس وأدلة علمية قوية، فقد يكون بعضها جدليًا.

مثلًا، في عام 2015 صنّفت IARC مادة الغليفوسات أنها مسببة للسرطان، وهي مادة تستخدم بكثرة كمبيدات حشرية في منتجات مثل Roundup الذي تنتجه شركة Monsanto، واستعرض 17 خبيرًا من 11 بلدًا مختلفًا النتائج لأكثر من ألف دراسة علمية مختلفة، وصنفت الغليفوسات ضمن المجموعة 2A.

نظرًا إلى انتشار هذه المادة على نطاق واسع وقيمتها السوقية الكبيرة جدًا، حمل قرار تصنيفها باعتبارها مادة مسرطنة عواقب مالية وقانونية، إذ تلقت IARC الدعم من العديد من المنظمات والهيئات العلمية، ولكنها تعرضت في المقابل لانتقادات من آخرين، وعانت وكالات أخرى بما فيها EPA من مشكلات مشابهة من تسييس وغيره لقراراتها وتصنيفها لمخاطر المواد المسرطنة.

تؤدي الوكالات مثل IARC دورًا حاسمًا في دراسة الآثار الصحية لمواد كيميائية محددة، والحد من التعرض لها، ومساعدة الناس على فهم مدى أهمية تقييم هذه الوكالات للمواد في ضمان الشفافية وحماية البيئة والبشر.

اقرأ أيضًا:

وجد العلماء شيئًا غريبًا في جينات امرأة أصيبت 12 مرة بالسرطان!

هل تزيد منتجات الألبان خطر الإصابة بالسرطان؟

ترجمة: غنى عباس

تدقيق: هادية أحمد زكي

المصدر