ميكانيكا الأمواج، أو ميكانيكا الكم: هي النظرية التي تحكم عالم الذرات والجسيمات الدقيقة، التي تحوي الكثير من الأمور غير المعروفة، أو المفسرة التي تجعلها مبهرةً، ومثيرةً للفضول، على عكس العديد من مجالات الفيزياء الأخرى.

بدأت النقاشات المثيرة حول هذه النظرية عندما مُنحت جائزة نوبل في الفيزياء عام 2022 لكل من آلان أسبكت، وجون كلاوزر، وأنطون زيلنجر، لأبحاثهم حول ميكانيكا الكم.

لكن هذه المناقشات سواء أكانت في منتديات الدردشة، أو على وسائل التواصل الاجتماعي؛ كانت مغلوطةً، ومشوشةً في أغلب الأحيان، بسبب عدد من الأساطير والمفاهيم الخاطئة، سنذكر منها أربعةً:

1- القطة يمكن أن تكون حيةً أو ميتةً:

لا نعتقد بأن العالم إيرفن شرودنغر كان بإمكانه تخيل أن تجربته العلمية (قطة شرودنغر)، ستكون أحد أشهر الصور المضحكة على الإنترنت في القرن الحادي والعشرين. إذ تتضمن التجربة قطًا سيئ الحظ، عالقًا في صندوق به مفتاح. يُقتل القط، ويُفعل هذا المفتاح بواسطة حدث كمي عشوائي أو ما ندعوه بالتفكك الإشعاعي.

على سبيل المثال يمكن أن تكون القطة حيةً وميتةً في الوقت نفسه طالما أننا لا نفتح الصندوق للتحقق من ذلك. ويمكن وصف التعبير قطة (حية ميتة) بالتراكب الكمي؛ أي أن الجسيمات الكمومية يمكن أن تكون في موقعين في الوقت ذاته. فقد تمكن العلماء من عرض ذلك في تجربة الشق المزدوج الشهيرة. إذ يمكن لجسيم كمي واحد مثل الفوتون، أو الإلكترون أن يمر عبر شقين مختلفين في جدار في وقت واحد، فكيف نعرف ذلك؟

في ميكانيكا الكم كل حالة جسيم هي أيضًا موجة، لذا عندما نرسل تيارًا من الفوتونات، واحدًا تلو الآخر عبر الشقين فإن مرور الفوتون أو الموجة من الشقين في الوقت عينه، يخلق نمطًا من موجتين تتداخلان مع بعضهما، ويظهر هذا النمط على شاشة تقع خلف الشقين. ونعلم جيدًا أن الفوتون وحيد؛ أي لا توجد فوتونات أخرى ليتداخل معها عندما يمر عبر هذين الشقين، ومن ذلك نستنتج أنه لا بدّ من أن الفوتون مر عبر كلا الشقين في الوقت نفسه، لذلك يمكننا القول أنه تداخل مع نفسه. ولكي ينجح هذا فإن الموجات الناجمة عن مرور الفوتون عبر كلا الشقين يجب أن تكون “ملتحمةً” أي أن الموجتين يجب أن تتداخلا ببعضهما بشكل متماسك لتشكلا حالةً واحدةً، هي تراكب للحالتين.

يمكن إجراء تجارب التراكب الكمي بأشياء أكبر حجمًا وتعقيدًا. إذ أظهرت إحدى التجارب الشهيرة التي أجراها أنطون زيلينجر عام، 1999 التراكب الكمي لجزيئات كبيرة من Carbon-60 تُعرف باسم “كرات بوكي”.

إذن ماذا يعني هذا لقطتنا المسكينة؟ هل هي حية وميتة حقًا ما دمنا لا نفتح الصندوق؟

من الواضح أن القطة لا تشبه الفوتون المنفرد في بيئة المختبر الخاضعة للرقابة، فهي أكبر بكثير، وأكثر تعقيدًا. وأي تماسك بين تريليونات الذرات التي تتكون منها القطة مع بعضها يكون قصير العمر للغاية، لكن هذا لا يعني أن التماسك الكمي مستحيل في الأنظمة البيولوجية، إنه فقط لا ينطبق بشكل عام على المخلوقات الكبيرة مثل القطط أو الإنسان.

2- يمكن أن تفسر المقارنات البسيطة التشابك الكمي:

التشابك الكمي هو خاصية كمومية تربط جسيمين مختلفين. أي إذا قمنا بقياس أحدهما يمكننا تلقائيًا أن نعرف حالة الجسيم الآخر، بغض النظر عن المسافة بينهما. وعادةً نرى العديد من الأمثلة الواقعية في عالمنا الميكروسكوبي الكلاسيكي، مثل: النرد، أوالبطاقات، أو حتى أزواج من الجوارب ذات الألوان الفردية.

على سبيل المثال: تخيل أنك تخبر صديقك أنك وضعت بطاقةً زرقاء في ظرف، وبطاقةً برتقاليةً في ظرف آخر. وأخذ صديقك أحد الظروف، وفتحها فوجد البطاقة الزرقاء فسيعرف أن لديك البطاقة البرتقالية.

لكن لفهم ميكانيكا الكم عليك أن تتخيل البطاقتين الموجودتين داخل المغلفات في تراكب كمي مشترك، ذلك يعني أنهما برتقاليتان، وزرقاوان في الوقت ذاته (زرقاء/ برتقالية، برتقالية/ زرقاء). إذ إن فتح ظرف واحد يكشف عن لون واحد حُدّد عشوائيًا، لكن فتح الثاني ما يزال يكشف دائمًا عن اللون المعاكس لأنه مرتبط تمامًا بالبطاقة الأولى. ويمكن للمرء أن يجبر البطاقات على الظهور بمجموعة مختلفة من الألوان، مثل القيام بنوع آخر من القياس. فيمكننا فتح ظرف، والسؤال: “هل أنت بطاقة خضراء، أم حمراء؟” سيكون الجواب عشوائيًا مرةً أخرى: أخضر، أو أحمر. ولكن بشكل مؤكد إذا كانت البطاقات متشابكةً، فستظل البطاقة الأخرى تحمل النتيجة الأخرى عند طرح السؤال عينه.

حاول ألبرت آينشتاين شرح ذلك كلاسيكيًا، وقال إنه كان من الممكن تزويد البطاقات بمجموعة تعليمات داخلية مخفية. تخبر البطاقات بالألوان التي يجب أن تظهر بها عند طرح سؤال معين، وترفض الفعل “الشبحي” الظاهر بين البطاقات والذي يبدو أنه يسمح لها بالتأثير على بعضها على الفور، ما يعني أن الاتصال بين البطاقات أسرع من سرعة الضوء؛ وهو أمر تحظره نظريات آينشتاين.

مع ذلك استُبعد تفسير آينشتاين لاحقًا من خلال نظرية بيل (اختبار نظري ابتكره الفيزيائي جون ستيوارت بيل) والتجارب التي أجراها الحائزون على جائزة نوبل عام 2022 (فكرة أن قياس إحدى البطاقات المتشابكة يغير حالة الأخرى ليست صحيحةً).

ترتبط الجسيمات الكمومية بغموض، وبطرق لا يمكننا وصفها بالمنطق الكلاسيكي، أو اللغة. فهي لا تتواصل فيما بينها اعتمادًا على رموز مخفية، مثلما كان يعتقد آينشتاين. لذا انسَ أمر الأشياء اليومية عندما تفكر في التشابك الكمي.

3- الطبيعة غير واقعية، وغير محلية:

أُخذ بعين الاعتبار أن نظرية بيل تثبت أن الطبيعة ليست “محليةً” أحيانًا، وأن الشيء لا يتأثر مباشرةً بمحيطه فقط. تفسير شائع آخر يقول: إن خصائص الأشياء الكمومية ليست “حقيقيةً”، وإنها لم تكن موجودةً قبل القياس. لكنّ نظرية بيل تسمح لنا فقط بالقول: إن ميكانيكا الكم تعني أن الطبيعة ليست حقيقيةً، وليست محليةً إذا افترضنا بعض الأشياء الأخرى في الوقت نفسه.

تتضمن هذه الافتراضات فكرة أن القياسات لها نتيجة واحدة فقط، وليست متعددةً -ربما في عوالم موازية الأمر مختلف- وأن السبب والنتيجة يتدفقان إلى الأمام مع تدفق الوقت، وأننا لا نعيش في “كون الساعة” حيث كل شيء محدد مسبقًا منذ فجر التاريخ.

على الرغم من نظرية بيل، فإن الطبيعة قد تكون حقيقيةً ومحليةً إذا سمحنا بكسر بعض الأشياء الأخرى التي نعدها من الفطرة السليمة، مثل مضي الوقت للأمام. نأمل أن يؤدي المزيد من البحث إلى تضييق العدد الكبير من التفسيرات المحتملة لميكانيكا الكم، على الرغم من أن معظم الخيارات المطروحة على الطاولة – على سبيل المثال: الوقت يتدفق إلى الوراء، أو غياب الإرادة الحرة – سخيفة مثلها مثل مفهوم الواقع غير المحلي.

4- لا أحد قادر على فهم ميكانيكا الكم:

يقول الاقتباس الكلاسيكي المنسوب إلى الفيزيائي ريتشارد فاينمان، والذي أُعيدت صياغته بواسطة العالم نيلز بور: «إذا كنت تعتقد أنك تفهم ميكانيكا الكم، فأنت لا تفهمها».

يُنشر هذا الرأي على نطاق واسع في الأماكن العامة، ويقال إنه من المفترض أن يكون من المستحيل فهم فيزياء الكم وحتى من قبل الفيزيائيين أنفسهم.

لكن في القرن الحادي والعشرين، لم تعد فيزياء الكم صعبةً رياضيًا، ولا مفاهيميًا؛ خاصةً على العلماء فهُم الآن يفهمونها جيدًا، لدرجة أنه بإمكانهم التنبؤ بالظواهر الكمومية بدقة عالية، ومحاكاة أنظمة كمومية شديدة التعقيد، وحتى البدء في بناء أجهزة كمبيوتر كمومية.

ولا يتطلب التراكب والتشابك عند شرحهما بلغة المعلومات الكمية، أكثر من رياضيات المدرسة الثانوية. إذ لا تتطلب نظرية بيل أي فيزياء كمومية على الإطلاق، ويمكن اشتقاقها في بضعة أسطر باستخدام نظرية الاحتمالات، والجبر الخطي.

ربما تكمن الصعوبة الحقيقية في كيفية التوفيق بين ميكانيكا الكم وواقعنا البديهي. ولكن ذلك لن يوقفنا عن الحصول على جميع الإجابات، وإحراز المزيد من التقدم في مجال التكنولوجيا الكمومية.

ولحسن الحظ بالنسبة للبشرية، رفض الحائزون على جائزة نوبل آسبكت، وكلاوزر، وتسيلينجر الصمت. واستمروا في التساؤل عن الأسباب وغيرها فيما يتعلق بالظواهر الكمية. وقد يساعد آخرون مثلهم يومًا ما في التوفيق بين غرابة الكم والواقع.

اقرأ أيضًا:

هل سنجد رابطًا بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة يومًا ما؟

باحثون يهدفون إلى تغيير مفهومنا عن الزخم في ميكانيكا الكم

ترجمة: نور حاتم

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر