كسر حاجز الصوت بصوت دويّ أقلّ..
تمتلك ناسا الكثير من الخبرة فيما يتعلّق بتطوير طائراتٍ فوقَ صوتيةٍ.

وكان أول ما قامت به ناسا اختبارَ طائرةٍ فوقَ صوتيةٍ، وفي الحقيقة كانت هذه انطلاقة ناسا، إذْ كانت لا تزال تُعرف باسم اللّجنة الاستشاريّة الوطنيّة للملاحة الجويّة (NACA).

بداية ومن الطائرة Bell X-1، استمرّ التّقليد باستعمال طائرات من الطّراز X و الطّائرات التجريبيّة الأخرى، وأحرزت ناسا تقدّمًا نحو صناعة المحرّكات النّفاثة فائقة السّرعة و الطّائرات الفضائيّة.

والآن ولأوّل مرّة منذ عقود، تتطلّع ناسا لتطوير طائرة فوقَ صوتيّة جديدة.

وبالرّغم من أنّ الطّائرة السّابقة طُوّرت لتُحطّم رقمًا قياسيًّا في السّرعة، إلّا أنّ الغرض من أحدث طراز من الطّائرات X هو صنع وسيلة نقل هادئة أسرع من الصوت أو اختصارًا (QueSST)، وتأمل ناسا أنْ توفّر هذه المركبة بيانات هامة يمكنها أن تساعد في السّماح بالطّيران التّجاريّ (بسرعات فوقَ صوتيّة) فوق اليابسة.

لذا منحت ناسا عقدًا بقيمة 247.5 مليون دولار لشركة (لوكهيد مارتن- Lockheed Marti) للملاحة الجويّة في الثّاني من أبريل لبناء (الطائرة إكس- X-plane)، وتسليمها إلى مركز (أرمسترونغ لأبحاث الطيران- Armstrong Flight Research) في كاليفورنيا بحلول نهاية عام 2021.

وكما أشار (جايون شين- Jaiwon Shin) المدير المساعد لوكالة الطّيران والفضاء في ناسا، في بيان صحفيّ لناسا، إلى أنّ هذا المشروع يشبه إعادة النّظر في الأبحاث القديمة لناسا في الأيام الخوالي.

وقال إنّه أمر مثير للغاية أن نعود إلى تصميم وإطلاق طائرات من طراز X بهذا المقياس، كما أنّ تقاليدنا طويلة الأمد في حلّ المشاكل الفنيّة الخاصّة بالطّيران فوق الصّوتي مستمرّة ولصالح الجميع.

في الماضي، كانت الرّحلات التّجارية (بالسّرعات فوق الصّوتية) متاحة لمن يستطيع تحمّل نفقاتها على الأقلّ، مثل الطّائرة (الكونكورد البريطاني الفرنسي- British-French Concorde) الّتي استمرّت بالعمل حتّى عام 2003، والطّائرة (التوبوليف تي يو 144 -Tupolev Tu-144 ) الرّوسيّة الّتي تقاعدت في عام 1983.

ومع ذلك، كانت هذه المركبة غيرَ قادرةٍ على القيام برحلات أسرع من الصّوت فوق الأرض (اليابسة)، لأنّ كسر حاجز الصوت سيولّد دويًّا صوتيًّا عاليًا للغاية وقد تكون هذه الرّحلات ضارّة جدًّا.

ونتيجة لذلك، تحظر لوائح إدارة الطّيران الفيدراليّة (FAA) الحاليّة الطيرانَ فوق الصّوتي فوق اليابسة.

والغرض من هذه الطّائرة الأخيرة المعروفة باسم
(عارضة الطيران منخفضة الدوي- the Low Boom Flight Demonstrator) هو القيام برحلات جويّة أسرع من الصّوت على أن تخلق دويًّا صوتيًّا هادئًا للغاية، وسيكون ذلك غيرَ ملحوظ فعليًّا بالنسبة إلى الأشخاص الموجودين على الأرض.

ولبّ الموضوع هو كيفيّة توليد هيكل الطّائرة اكس الفريد من نوعه موجات صدميّة فوق صوتيّة.

ففي تصميمات الطّائرات التقليديّة ، تتجمّع الموجات الصدميّة بعد انتشارها مبتعدة عن أنف الطائرة وذيلها، مما يؤدي إلى دويّين صوتيّين منفصلين.
وعلى نقيض ذلك، فإنّ تصميم هيكل الطّائرة اكس يرسل موجات صدميّة بعيدًا عن الطّائرة بطريقة تمنعها من التّجمع.

إذْ أنّه بدلًا من ذلك تُرسل الكثير من الموجات الصدميّة الأضعف إلى الأرض والتي ستُسمع على هيئة سلسلة من الخبطات الخفيفة.
منذ ستينيّات القرن الماضي، تختبر ناسا تلك الفكرة باستخدام مركبات مثل الطّائرة النّفاثة F-5E Tiger II)).

هذه الطّائرة التي قامت برحلات تجريبيّة في الفترة ما بين 2003-2004 كجزء من برنامج تابع لناسا، كان لها أنف فريد الشّكل وأثبتت أنّ نظرية الحدّ من الدويّ كانت سليمة.

وتُشير اختبارات الطّيران الأخيرة، واختبارات نفق الرياح، وأدوات المحاكاة الحاسوبيّة المتقدّمة إلى أنّ هذه التقنيّة ستنجح.

وكما ذكر (بيتر كوين- Peter Coen) مدير مشروع التكنولوجيا الأسرع من الصوت التابع لناسا قائلًا: «لقد وصلنا إلى هذا الإنجاز الهامّ بفضل العمل الّذي قامت به ناسا مع شركائها العديدين من الوكالات الحكوميّة الأخرى فقط، وصناعة الطّيران والمؤسّسات الأكاديميّة ذات التّفكير التّقدمي في كلّ مكان».

سيعتمد تكوين الطّائرة اكس على تصميم (QueSST) الذي طوّرته شركة (لوكهيد مارتن- Lockheed Marti) في عام 2016 بالشّراكة مع وكالة ناسا، والتي أكملت الاختبار في نفق الرياح في مركز (جلين- Glenn) للأبحاث التّابع لوكالة ناسا في عام 2017.

وستكون الطّائرة المقترحة بطول 28.65 مترا (94 قدما)، وطول جناحيها حوالي 9 أمتار (29.5 قدما)، ويبلغ وزن الإقلاع 14650 كجم (32300 رطل).

وبناءً على تصميم الشّركة، ستُشغّل الطّائرة X بواسطة المحرّك General Electric F414، وهو نفس المحرّك الذي تستخدمه المقاتلات F/A-18E وF/A-18.

وستتّم قيادتها بواسطة طيّار واحد، بسرعة يبلغ حدّها الأقصى 1.5 ماخ أي 1590 كم/ساعة او 990 ميل في السّاعة وعلى ارتفاع 16764 متر أي 55 ألف قدم.

وكما أشار شين، فإنّ تطوير الطّائرة X هو مجهود مشترك يشمل جميع مراكز أبحاث الطّيران التّابعة لناسا وأنّ هناك الكثير من الناس في ناسا بذلوا قُصارى جهدهم للوصول بنا إلى هذه النقطة.

وبفضل جهودهم إلى هذه اللّحظة وما سيقدّمونه فيما بعد، سنكون قادرين على استخدام الطّائرة اكس لتوفير بيانات تُجمَّع علميًّا لتغيير قواعد الطّيران الحاليّة بهدف تطوير الطيران!.

وينقسم البرنامج إلى ثلاث مراحل، ومن المُقرّر مبدئيًّا أن تستمرّ من عام 2019 إلى عام 2025.

إذْ ستتضمّن المرحلة الأولى، التي ستستمرّ من عام 2019 إلى عام 2021، مراجعة انتقادية للتّصميم من أجل الإعداد للبناء، وفي حال نجاحها، ستبدأ أعمال البناء في منشأة لوكهيد مارتن تليها سلسلة من الرّحلات التّجريبيّة وتنتهي بتسليم المركبة إلى وكالة ناسا.

أما المرحلة الثانية، من المُقرّر أن تبدأ في عام 2022، فهي اختبار ناسا للطّائرة اكس في نطاق سرعة فوق صوتيّ فوق قاعدة إدواردز الجويّة التّابعة للقوّات الجويّة في جنوب كاليفورنيا، وذلك لتحديد ما إذا كانت آمنةً لعمليّات التّشغيل في نظام المجال الجويّ الوطنيّ.

المرحلة الثّالثة، ستمتدّ من عام 2023 حتّى عام 2025، وستتكوّن من أول رحلات لاختبار استجابة المجتمع، تليها رحلات تجريبيّة أُخرى فوق أربع إلى ست مدن في الولايات المتّحدة.

وستُسلّم البيانات التي جُمعت من اختبارات استجابة المجتمع بعد ذلك إلى إدارة الطّيران الفيدراليّة ومنظّمة الطّيران المدنيّ الدّولي (ICAO) المُستهدف حاليًا تسليمها في عام 2025 حتى يتمكّنوا من تبنّي قواعدَ جديدةً بناءً على مستويات الصّوت الملحوظة.

وإنْ كان من المفترض أنْ تُثبت عارضة الطّيران منخفضة الدّويّ كفاءتها، فقد تصبح الرّحلات التّجاريّة الأسرع من الصّوت فوق اليابسة ممكنة عمليًّا.


  • ترجمة: يوسف مصطفى.
  • تدقيق: سهى يازجي.
  • تحرير: رؤى درخباني.

المصدر