صمم العلماء تجربةً للمقارنة بين التوائم على جبل إيفرست لتحليل ما إذا كانت التغيرات في تعبير جينات سكوت ناتجةً عن الفضاء أو الإجهاد .

ربما تتذكر الدراسة التي أجرتها ناسا على رائد الفضاء سكوت كيلي وأخوه التوأم مارك، والتي قامت بها 10 فرق مختلفة من الباحثين، إذ أمضى سكوت عامًا كاملًا على متن محطة الفضاء الدولية من عام 2015 إلى عام 2016 وتمت مقارنته مع توأمه المتطابق، رائد الفضاء مارك كيلي، والذي بقي على الأرض.

جزء من هذا البحث، تضمن دراسة ومقارنة الحمض النووي للتوأمين، وكما في تفاصيل المقالة في صحيفة The Atlantic، أدى هذا إلى ضجة بسبب أن العديد من الأخبار أساءت فهم النتائج ونشرت أن جينات سكوت كيلي قد تغيرت بسبب الوقت الذي أمضاه في الفضاء، في الواقع وكما أوضحت ناسا في هذا البيان العلمي، جينات سكوت كيلي لم تتغير في الأساس، لكن الباحثين لاحظوا التغيرات في التعبير الجيني؛ أي كيف تتفاعل الجينات مع البيئة المحيطة.

فقد عاد معظم التعبير الجيني لسكوت إلى طبيعته بعد هبوطه على الأرض، ولكن 7% فقط من جيناته لم تعد، كما نشرت ناسا  في ملاحظاتها، فإن ال 7% المختلفة من المحتمل أنها تشير إلى التغييرات على المدى الطويل في جينات سكوت والمتعلقة بنظام المناعة لديه، وإصلاح الحمض النووي وكذلك النسيج المشكل للعظام، وربما تؤثر التغيرات على استجابة الجينات لنقص الأكسدة، ونقص الأكسجين وزيادة ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى وجود الكثير من ثاني أكسيد الكربون بمجرى الدم؛ هذا الأمر محتمل جدًا في محطة الفضاء الدولية، كما في دراسة جرت عام 2012، ارتفع مستوى ثاني أكسيد الكربون في المحيط إلى مستويات فوق حالة الهواء الجوي الطبيعية على الأرض، وقام الطاقم بالإجراء الروتيني بالإبلاغ عن ذلك لشعورهم بالصداع والخمول.

الفضاء أم الإجهاد؟

لكن التغييرات في تعبير جينات سكوت كيلي، هل هي ناتجة من وجوده في الفضاء، أو ببساطة بسبب البيئة المرهقة جدًا؟ هناك طريقة واحدة لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال وستكون بدراسة متسلقي الجبال في ارتفاعات شاهقة، حيث أن الهواء الجوي الخفيف ودرجات الحرارة المنخفضة تساهم في حدوث الإجهاد، ومقارنتهم مع توأم بقي على ارتفاعات منخفضة.

كريستوفر مانسون Christopher Mason، أستاذ مشارك في كلية الطب وايل كورنيل بمدينة نيويورك والذي يقود دراسة ناسا حول التعبيرات الجينية، والذي قام بتصميم تجربة مقارنة تتضمن اثنين من المتسلقين، ويلي بنغاز Willie Benegas ومات مونيز Matt Moniz، واللذين خطط ليتم إرسالهما للتسلق، وفقًا لـ Science magazine على حسابها، المتسلقان لهما توأم يبقى على ارتفاع منخفض؛ التوأم المطابق لـ(بنغاز) وكذلك الأخ التوأم لـ(مونيز)، وذلك لمقارنتهم.

وفقًا لمكتب تسجيل جامعة ولاية ميشيغان فإن التوأمين المتطابقين يتشاركان بنسبة 100% بنفس الجينات، بينما الأخ التوأم بنسبة 50%.

هذا وإن جرى كل شيء كما خطط له، فقد ذكر موقع للمجلة في 11 مايو أن هناك مشاكل في التنظيم في نيبال قد تواجههم أثناء التسلق. على كل حال، فإن بنغاز قد ذكر عبر بريده الإلكتروني في 14 مايو أن الصعود لايزال مقررًا، مع استهداف المتسلقين للوصول إلى القمة في  20 مايو.

وفقًا لـ زاك شيفرون-Zac Cheviron، الأستاذ المساعد في جامعة مونتانا: «هناك دليل علمي بالفعل على أن المغامرة في الارتفاعات العالية قد تغير تعبير الجينات».

هذا وقد تضمن البحث التأثيرات الذي يسببها الارتفاع على فئران تجارب، هذا المخلوق الصغير له ميزة الوصول لأقصى مدى من الارتفاع عن أي حيوان ثدي في الشمال الأمريكي، إذ يمكنه العيش من أدنى مستوى لسطح البحر في وادي الموت إلى مستوى جانب الجبل باتفاع يبلغ 4300 متر صعودًا.

شيفرون، والذي لم يشارك في الدراسة على إيفرست قال: «عندما تتعرض الفئران لمحاكاة ظروف ارتفاعات عالية جدًا، فإن هذه التجربة تغيّر في التعبير الجيني لها والذي يؤثر على البنية العضلية لها، فالتغيّر في التعبيرات الجينية سيجعل التطور بطيئًا جدًا، تأكسُد ألياف العضلات، ونمو المزيد من الأوعية الدموية، هذه التغيرات هي نتيجة التأقلم والذي سيسمح لهذه الفئران التغلب على البيئة الجبلية، فالهواء الرقيق يجعل عملية تزويد الأكسجين اللازم للأنسجة العضلية أمرًا أكثر صعوبةً.

التغيرات تُقلّد التحول، إلى حد معين

يشرح شيفرون أن التعبير الجيني هو امتداد لعلم وظائف الأعضاء. تتحوّل هذه الجينات إلى أعلى وأسفل؛ وذلك للبقاء على قيد الحياة في هذه الظروف، ويقول: «بالنسبة لسمات معينة، فإن الليونة المكتسبة من قبل التعبير الجيني تبدو كتكيّف مقلّد كما هو مكتسب بواسطة التحول».

يؤكد شيفرون أن هذا صحيح إلى حدٍ ما. فالفئران قد ولدت في الجبال، وانحدرت من جينات فئران سابقة تطوّرت على ارتفاعات عالية، هذا التحول سمح لها بتطوير نفس الجينات التي تؤثر على الألياف العضلية والأوعية الدموية في مستويات ارتفاع أعلى بكثير من فئران الارتفاعات المنخفضة على الإطلاق.

ويقول شيفرون: «إذا أخدت فئران المستويات المنخفضة ووضعتها على مستويات أعلى فإنها ستطور تعبيرًا جينيًا لزيادة الأوعية الدموية، ولكنها لن تكون كثيرةً مثل تلك الفئران في المستويات المرتفعة».

لا تكون كل التعبيرات الجينية التي تكيّفت بها فئران المستويات الأدنى في الارتفاعات العالية جيّدةً  بالضرورة، كما في عام 2014 في تفاصيل موضوع المجلة العلمية، العديد من شعب التيبت الذين يعيشون على ارتفاعات عالية قد ورثوا جينات تسمح للجسم باستخدام الأكسجين بكفاءة أكبر، من دون الحاجة إلى عدد أكبر من خلايا الدم الحمراء المحملة بالهيموغلوبين. فعندما يغامر شخص من الأراضي المنخفضة إلى نفس تلك الأماكن العالية، سيحاول جسمه التغلب على هذا وذلك بإنتاج المزيد من خلايا الدم الحمراء، وهذا سيغير من كثافة الدم، مايجعل هذا الشخص أكثر عرضةً للجلطة الدموية والسكتة الدماغية.


  • ترجمة: يحيى بعيج
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر