لم تنقل سفينة الفضاء كرو دراجون Crew Dragon -أول سفينة فضاء مجهزة لحمل البشر تصممها شركة سبيس إكس SpaceX- أي شخص على متنها من قبل. مع ذلك، أزاحت الشركة مؤخرًا الستار عن سفينتها الفضائية الأكبر ستارشيب Starship، التي بُنيت في بوكا شيكا Boca Chica، وهي قرية ساحلية تقع جنوبي شرق ولاية تكساس، في إطار خطتها لحمل طاقم كبير إلى الفضاء، الأمر الذي أزعج مدير الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء/ ناسا NASA.

سبب ذلك أن كرو دراجون- المكونة من كبسولة مجهزة لحمل المعدات والطاقم على متن الصاروخ فالكون 9- ما زالت لم تجهز، متأخرة عن جدولها الزمني المحدد.

فقد وقّعت ناسا عام 2014 عقدًا مع سبيس إكس، ينص على تسليم مركبة فضائية مجهزة لحمل رواد الفضاء بحلول عام 2017، إلا أن هذا لم يتم إلى الآن، فمنذ مارس 2019، لم تنطلق كرو دراجون إلا في رحلة واحدة دون طاقم إلى محطة الفضاء الدولية International Space Station: ISS، وقد كان مخططًا إطلاق رحلات أخرى تحمل طاقمًا في وقت لاحق من عام 2019، إلا أن انفجار جزء من الكبسولة أثناء أختبار المحرك في أبريل، أدى إلى تأجيل إطلاق هذه الرحلات.

صرح إيلون ماسك Elon Musk المدير التنفيذي لشركة سبيس إكس، في 30 سبتمبر لشبكة CNN، أن كرو دراجون ستكون جاهزةً لحمل رواد الفضاء خلال ثلاثة إلى أربعة أشهر.

إلا أن مدير ناسا جيم بريدنشتاين Jim Bridenstine أبدى عدم اقتناعه بهذا التصريح، بسبب التأخر الواضح لشركتي سبيس إكس وبوينج Boeing التي تعمل على إنشاء كبسولة منافسة -متأخرة بدورها- تُدعى ستارلاينرStarliner، لذلك فهو يتوقع أن تُضطر ناسا إلى شراء المزيد من المقاعد على متن الرحلات الروسية.

بدأ التوتر بين ماسك وبريدنشتاين قبل هذا بأيام قليلة، حين نشر بريدنشتاين تغريدةً مسيئة لماسك، بعد إعلانه عن النموذج الأول لسفينة ستارشيب، قال فيها: «إني متحمس لإعلان سبيكس إكس عن سفينتها الفضائية الجديدة، ولكن في نفس الوقت، فإن برنامج كومرشيال كرو Commercial Crew متأخر لسنوات عن جدوله الزمني المحدد، كنا نأمل أن نرى نفس القدر من الحماس حين يتعلق الأمر باستثمارات دافعي الضرائب الأمريكيين، لقد حان وقت الوفاء بالالتزامات»، وهو في هذا يشير إلى برنامج النقل الفضائي الممول من وكالة ناسا والرابط بين الحكومة والقطاع الخاص.

ناسا منزعجة بسبب صاروخ إيلون ماسك العملاق أول سفينة فضاء مجهزة لحمل البشر تصممها شركة سبيس إكس سفينة الفضاء كرو دراجون Crew Dragon

إذن، لماذا تعمل سبيس إكس على إنشاء سفينتين، ولماذا هي في خلاف مع مدير ناسا؟

كانت كرو دراجون الحل الذي قدمته سبيس إكس لناسا بعد تقاعد مكوكهم الفضائي عن العمل، بعد رحلته الأخيرة في يوليو 2011، فمنذ ذلك الحين لم يكن لدى ناسا أي سفينة فضائية أخرى صالحة لنقل الرواد والمعدات إلى المدارات المنخفضة حيث تدور محطة الفضاء الدولية، وأصبحت ناسا تعتمد في رحلاتها على المركبات الروسية.

أما ستارشيب -التي يأتي الجزء الأكبر من تمويلها من ملياردير ياباني متحمس للسفر إلى القمر- فهي أمرمختلف تمامًا، إذ أنها لم تُصمم لخدمة أي من مخططات ناسا، ولن تنطلق من منصاتهم (على الأقل في البداية)، بل ستُستخدم -كما هو مخطط – لتحقيق أهداف ماسك بشأن الاستيطان الدائم للمريخ.

في عهد الرئيس أوباما، شرعت ناسا في تنفيذ برنامج كومرشيال كرو، القائم على التعاقد مع شركات خاصة لإنشاء سفن فضاء قادرة على نقل رواد الفضاء والإمدادات من وإلى المدارات المنخفضة، ونقل رواد الفضاء إلى بعثات أبعد، إلى القمر أو ما وراءه.

استخدمت ناسا أساسًا سبيس إكس وبوينج لتنفيذ المشروع تحت إشرافها، اعتقادًا منهم أن الشركات الخاصة أكثركفاءةً من الجهات الحكومية. وفي نفس الوقت، شرعت ناسا في تسخير إمكانياتها الهندسية من أجل تنفيذ مشروع نظام الإطلاق الفضائي SLS ، وهو صاروخ ضخم كبير الحمولة، صممته ناسا ليُستخدم في إطلاق البعثات إلى ما وراء المدارات المنخفضة، مثل الرحلات إلى القمر والمريخ وربما إلى غيره من الكواكب.

واصل بريدنشتاين، المُعيَّن في عهد ترامب، دعمه لكلا المشروعين. تريد ناسا إتمام تنفيذ برنامج كومرشيال كرو وتشغيله بأسرع ما يمكن، كما أعلن نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس في مارس من العام الحالي، أنهم يعتزمون العودة إلى القمر، وإرسال أول امرأة إلى سطحه بحلول عام 2024 ( أي نهاية فترة ترامب الرئاسية، حال انتخابه لفترة ثانية). حسب رؤية ناسا، ستكون بعثة 2024 الخطوة الأولى نحو إنشاء محطة دائمة بالمدار القمري، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة في القطب الجنوبي للقمر.

ولكن SLS ربما لن يخرج إلى النور قريبًا، ففي أكتوبر 2018، وجدت ناسا أن SLS قد تجاوز الميزانية المتفق عليها، كما تأخر عن الجدول الزمني المحدد له. وصرح بريدنشتاين أنه إذا لم يكن SLS جاهزاً للإطلاق في الموعد المحدد، فستتجه ناسا إلى الاعتماد على برنامج كومرشيال كرو للقيام بالمهمة القمرية.

ولكن كان هذا قبل إنفجار كبسولة كرو دراجون، وتعديل خطط برنامج كومرشيال كرو، بالإضافة إلى وجود مخاوف بشأن أمان وسلامة مظلات كرو دراجون، وفقًا لسبيس نيوز.

المشكلة الآن: لماذا تبني سبيس إكس المركبة الفضائية الجديدة ستارشيب، والتي ستسافر في رحلات أبعد، بينما لم تُتم بعد بناء كرو دراجون؟

من المفترض نظريًا أن تكون كرو دراجون منخفضة التكلفة وعالية الكفاءة كما وعدت سبيس إكس. كما أنها مركبة فضائية قابله لإعادة الاستخدام، ويمكنها أن تقل سبعة ركاب إلى المدار على متن صواريخ فالكون 9 القابلة لإعادة الاستخدام بدورها.

ما يعني أن تكلفة نقل رائد الفضاء الواحد ستكون أقل من 85 مليون دولار، وهو المبلغ الذي تنفقه ناسا لكل رائد فضاء مقابل استخدام المركبات الروسية، لذلك تُعَد كرو دراجون أكثر من مجرد نسخة مطورة من المركبات الصغيرة المستديرة مسطحة القاع التي سيطرت على تصميم سفن الفضاء منذ عقود، باستثناء مكوك الفضاء the big gliding space shuttle.

تُعَد رؤية سبيس إكس للرحلات الفضائية أكثر طموحًا مما أرادت ناسا تحقيقه مع SLS وأوسع نطاقًا. لسنوات عدة، ظل إيلون ماسك يذكر ستارشيب في تصريحاته، وفي ليلة الجمعة 28 سبتمبر، كشف الستار عن النموذج الأولي MK-1 حيث تم تركيبه في الحقل المخصص جنوب ولاية تكساس.

بلغ عرض الصاروخ ستارشيب 30 قدمًا (9 أمتار)، وطوله 160 قدمًا (50مترًا) قبل تركيبه على الصاروخ الدافع. تمثل سفينة الفضاء القابلة لإعادة الاستخدام، والمصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، فكرة للسفر إلى أعماق الفضاء السحيق لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإنساني. بعد تركيبه على الصاروخ الدافع (الذي لم يُبنى بعد)، سيبلغ ارتفاع المجموعة بالكامل 380 قدمًا (115 مترًا).

وفقًا لسبيس إكس، ستكون ستارشيب في صورتها النهائية قادرة على حمل 100 طن (90 طنًا متريًا metric ton) على متنها إلى المدارات الأرضية المنخفضة، ومن الممكن -عندما يكون الرقم أقل من هذا- أن تكون قادرة على الهبوط على سطح القمر والعودة مجددًا إلى الأرض. تخطط سبيس إكس أيضًا لأن تُقل ستارشيب 100 شخص، إلا أن هذا يعني تكديس الحمولة.

لقد استطاعت صواريخ Saturn V5 التي استُخدمت في رحلات أبوللو Apollo حمل وزن مماثل، ولكن كبسولات طاقمها كانت صغيرة نسبيًا، ولم تحمل أكثر من ثلاثة أشخاص في المرة الواحدة. أما كبسولة أوريون Orion المخطط لها، والتي ما زالت مركبة الطاقم الأساسية للمرحلة الأولى من مهام SLS، فمن المتوقع أن تُقل 6 أشخاص كحد أقصى، بينما تُقل الكبسولات الروسية 3 أشخاص فقط.

لو أن كرو دراجون أُنشئت في موعدها المحدد، وقدمت لناسا الطريق إلى الفضاء دون حرج اللجوء للمساعدات الروسية، ربما كان بريدنشتاين أكثر سعادة لرؤية ماسك يقف في الحقل الذي يحوي مركبته العملاقة الرائعة، التي صرح أنها ستنفذ إطلاقًا تجريبيًا يبلغ مداه 12 ميلًا (19 كيلومترًا) خلال شهر أو اثنين، وستصل إلى المدار خلال ستة أشهر.

إن ستارشيب منخفضة التكلفة نسبيًا، وكبيرة بدرجة كافية للقيام بالمهام التي تتطلب السفر لمسافات بعيدة، وأنشأها مهندسون استطاعوا تجاوز تحفظات ناسا وثقافتها في العمل، فعلى النقيض من مشروع SLS التابع لناسا، نجح مصممو سبيس إكس في إنشاء MK-1 خلال أشهر قليلة، في العراء، بعيدًا كل البعد عن نهج ناسا في استخدام حظائر الطائرات العملاقة والمعقمة حيث ينشئون مشروعاتهم التي تستغرق سنوات.

ولكن ستارشيب وحدها لا تكفي لسد احتياجات ناسا، فليس لديها صاروخ دافع بعد -أي صاروخ لحمل كبسولة المركبة الفضائية إلى الفضاء- بالإضافة إلى أنظمة دعم الحياة اللازم توافرها، والمعدات المطلوبة لإبقاء الرواد على قيد الحياة وبشكل صحيح على متن المركبة.

نشر بريدنشتاين عبر تويتر في الثالث من أكتوبر، أنه قد تحدث مع ماسك هاتفيًا، ما يعني أنهما قد اتفقا، وأن ماسك طمأنه أن سبيس إكس ما تزال تركز جهودها على كرو دراجون، في حين لا تشغل ستار شيب أكثر من 5% من جهود الشركة.

اقرأ أيضًا:

إيلون ماسك: الفرق بيننا وبين الذكاء الصناعي هو نفس الفرق بين الشمبانزي والبشر

إيلون ماسك يخطط لإسقاط قنابل نووية على المريخ

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر