رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في 15 يونيو 2022 أسعار الفائدة بمقدار 0.75 نقطة مئوية، وهي ثالث زيادة هذا العام والأكبر منذ 1994. وتهدف هذه الخطوة إلى مواجهة أسرع وتيرة تضخم منذ أكثر من 40 عامًا.

كانت (وول ستريت) تتوقع زيادة بمقدار نصف نقطة، ولكن أحدث تقرير عن أسعار المستهلك صدر في 10 يونيو دفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى اتخاذ إجراء أكثر صرامةً. ومع ذلك، فإن الخطر الأكبر هو أن المعدلات المرتفعة للفائدة ستدفع الاقتصاد إلى الركود، وهو الخوف الذي عبر عنه الهبوط الأخير في مؤشر أسهم (S&P 500) الذي انخفض بنسبة تزيد عن 20% عن ذروته في يناير، ما يجعله سوقًا هابطة (سوق الدب).

ماذا يعني كل هذا؟، يجيب ذلك براين بلانك بوصفه باحثًا ماليًا يدرس كيفية تكيّف الشركات والتعامل مع الانكماش الاقتصادي، ويشرح ما يحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي تحقيقه، وهل بإمكانه النجاح؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للأشخاص العاديين؟

ما الذي يفعله بنك الاحتياطي الفيدرالي؟ ولماذا؟

كانت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (ذراع صنع السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي) تفكر في مقدار رفع سعر الفائدة القياسي وسرعته خلال الأشهر المقبلة لمحاربة التضخم. في الواقع إن المخاطر بالنسبة للاقتصاد الأمريكي والمستهلكين والشركات عالية جدًا.

قبل أسبوع واحد فقط، كان من المتوقع أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 0.5 نقطة مئوية في الاجتماع الأخير. لكن الأسواق والاقتصاديين في وول ستريت بدأوا يتوقعون ارتفاعًا أكبر بمقدار 0.75 نقطة بعد أن أشارت بيانات أسعار المستهلك لشهر مايو إلى أن التضخم كان عنيدًا لدرجة غير متوقعة، حتى أن بعض المحللين في وول ستريت جادلوا بأن رفع الأسعار بمقدار نقطة مئوية واحدة أمر ممكن.

وقد دفعت احتمالية تسريع وتيرة رفع أسعار الفائدة بسبب التضخم الأسواق المالية للانخفاض بأكثر من 6% منذ تقرير 10 يونيو. يشعر المستثمرون بالقلق من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يبطئ الاقتصاد كثيرًا في كفاحه لخفض التضخم الذي إذا تُرك دون رادع سيتسبب أيضًا في مشكلات خطيرة للمستهلكين والشركات. في الحقيقة، أظهر استطلاع حديث للرأي أن التضخم هو أكبر مشكلة يعتقد الأمريكيون أن الولايات المتحدة تواجهها الآن.

ما الذي يحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي تحقيقه؟

يمتلك الاحتياطي الفيدرالي تفويضًا مزدوجًا لزيادة التوظيف مع الحفاظ على استقرار الأسعار.

في كثير من الأحيان يجب على صانعي السياسات إعطاء الأولوية لشيء دون الآخر. فعندما يكون الاقتصاد ضعيفًا، عادةً ما يكون التضخم مضبوطًا ويمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي التركيز على إبقاء المعدلات منخفضة لتحفيز الاستثمار وتعزيز التوظيف. وعندما يكون الاقتصاد قويًا، عادةً ما تكون البطالة منخفضة جدًا، وهذا يسمح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بالتركيز على السيطرة على التضخم.

ولتحقيق ذلك، يحدد الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة قصيرة الأجل التي تساعده بدورها في التأثير في أسعار الفائدة طويلة الأجل. فمثلًا، عندما يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة قصير الأجل المستهدف، فإن ذلك يزيد من تكاليف الاقتراض للبنوك التي تنقل تلك التكاليف المرتفعة بدورها إلى المستهلكين والشركات بمعدلات أعلى على القروض طويلة الأجل للمنازل والسيارات.

وحاليًا يعد الاقتصاد قوي جدًا والبطالة منخفضة، وبوسع مجلس الاحتياطي الفيدرالي التركيز على خفض التضخم، المشكلة هي أن التضخم مرتفع جدًا بمعدل سنوي قدره 8.6%، لدرجة أن خفضه قد يتطلب أعلى معدلات للفائدة منذ عقود، ما قد يضعف الاقتصاد كثيرًا.

ولذلك، يحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي تنفيذ ما يسمى بالهبوط الناعم.

ما هو الهبوط الناعم؟ وهل هو محتمل الحدوث؟

يشير الهبوط الناعم إلى الطريقة التي يحاول بها بنك الاحتياطي الفيدرالي إبطاء التضخم (والنمو الاقتصادي بالنتيجة) دون التسبب في ركود.

ومن أجل استقرار الأسعار مع عدم الإضرار بالتوظيف، يتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي زيادة أسعار الفائدة بسرعة كبيرة في الأشهر المقبلة، ومن ضمنها أحدث رفع لسعر الفائدة، إذ رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي بالفعل أسعار الفائدة بمقدار 1.5 نقطة مئوية هذا العام، ووضع سعر الفائدة القياسي في نطاق 1.5% إلى 1.75%.

تاريخيًا، عندما اضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بسرعة، كان من الصعب تجنب الانكماش الاقتصادي. هل يمكن هذه المرة إدارة هبوط ناعم؟ أصر رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي (جيروم باول) على أن أدوات سياسة البنك المركزي أصبحت أكثر فاعلية منذ آخر معركة للتضخم في الثمانينيات، ما قد يجعل الهبوط الناعم ممكنًا هذه المرة. لكن ما يزال الكثير من الاقتصاديين والمراقبين الآخرين غير متأكدين، ويشير استطلاع حديث لخبراء الاقتصاد إلى أن الكثيرين يتوقعون بدء الركود العام المقبل.

ومع ذلك، ما يزال الاقتصاد قويًا نسبيًا، وبالوسع القول إن احتمالات حدوث ركود في العام المقبل ما تزال على الأرجح نتيجة غير مؤكدة تمامًا.

هل توجد أي طريقة لمعرفة ما قد يفعله الاحتياطي الفيدرالي بعد ذلك؟

في كل مرة تجتمع فيها اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، تسعى إلى إيصال ما تخطط للقيام به في المستقبل لمساعدة الأسواق المالية على معرفة ما يمكن توقعه حتى لا تؤخذ على حين غرّة.

جزء واحد من الإرشادات حول المستقبل الذي تقدمه اللجنة هو سلسلة من النقاط، إذ تمثل كل نقطة توقعات عضو معين لأسعار الفائدة في نقاط زمنية مختلفة، أشار مخطط النقطة سابقًا إلى أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة إلى 2% بنهاية العام وتقترب من 3% بحلول نهاية عام 2023.

ومع ذلك فإن آخر أخبار التضخم تجبره على تغيير مسار خطتها، ويشير مخطط النقطة الآن إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يتوقع أن تقترب المعدلات من 3.5% بحلول ديسمبر، ما يعني أن الكثير من الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة ما تزال قائمة هذا العام، وما يقرب من 4% في عام 2023، قبل أن تنخفض مرة أخرى في عام 2024.

أما أسعار الفائدة طويلة الأجل، مثل عوائد سندات الخزانة الأمريكية ومعدلات الرهن العقاري، تعكس بالفعل هذه التغيرات السريعة. ومع ذلك، يعتقد بعض المستثمرين أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر إلى التحرك بسرعة أكبر، ويتوقعون أن تقترب المعدلات من 4% بحلول نهاية عام 2022.

ماذا يعني ذلك بالنسبة للمستهلكين وللاقتصاد؟

تمثل أسعار الفائدة تكلفة الاقتراض، لذلك عندما يرفع الاحتياطي الفيدرالي السعر المستهدف، يصبح الاقتراض أكثر تكلفةً.

أولًا، تدفع البنوك أكثر لاقتراض الأموال، لكنها تفرض فائدة إضافية على الأفراد والشركات أيضًا، وهذا هو سبب ارتفاع معدلات الرهن العقاري وفقًا لذلك، وهذا أحد أسباب ارتفاع مدفوعات الرهن العقاري بهذه السرعة في عام 2022، حتى مع بدء تباطؤ أسواق الإسكان والأسعار.

عندما تكون أسعار الفائدة أعلى، يمكن لعدد أقل من الناس شراء المنازل وقليل من الشركات تستطيع الاستثمار في مصنع جديد وتوظيف المزيد من العمال. نتيجة لذلك، قد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى إبطاء معدل نمو الاقتصاد عمومًا مع كبح التضخم أيضًا.

وهذه ليست قضية تؤثر على الأمريكيين فقط، فقد يكون لأسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة تأثيرات مماثلة على الاقتصاد العالمي، سواءً بزيادة تكاليف الاقتراض أو زيادة قيمة الدولار، ما يجعل شراء السلع الأمريكية أكثر تكلفةً.

لكن ما يعنيه ذلك في النهاية بالنسبة للمستهلكين وأي شخص آخر، سيكون معتمدًا على ما إذا كانت وتيرة التضخم تتباطأ بالسرعة التي توقعها الاحتياطي الفيدرالي.

اقرأ أيضًا:

أيهما أسوأ الكساد الاقتصادي أم الركود الاقتصادي؟

لماذا نشبت الأزمة الاقتصادية في سريلانكا؟

ترجمة: صقر تركاوي

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر