تحكّم النظام الأبوي في حياة النساء في بلاد الرافدين وقادها، لكن داخل هذا التركيبة الاجتماعية، كثيرات منهن تميزن وكنَّ قادرات على تبوء مناصب كانت حكرًا على الرجال تقليديًا. عملت النساء جنرالات وكاتبات وحكمن في بعض الأحيان.

لنتابع في مقالنا قصة عشر نساء عظيمات من بلاد الرافدين استطعن الوصول إلى السلطة والنفوذ.

1- الملكة بوابي – 2600 قبل الميلاد

لم يعرف أحد الملكة بوابي حتى اكتشاف مدفنها في القرن العشرين. وقد اكتشف رفاتها عالم الآثار البريطاني ليونارد وولي عام 1922 في موقع سماه المقبرة الملكية في أور.

شكل اكتشاف مدفن الملكة بوابي أحد أعظم اللقى الأثرية، لكن اكتشاف مدفن توت عنخ آمون في العام ذاته قد خطف الأضواء والأنظار نحوه.

اشتهرت الملكة بوابي بالإكليل المزين بالأوراق الذهبية والأشرطة والسلاسل التي تحمل خرزًا من أحجار العقيق واللازورد.

استخرج وولي من المدفن الكثير من القطع القديمة الساحرة ذات القيمة التاريخية من بينها ختمها الأسطواني الذي كان بمنزلة تعريف شخصي للفرد في بلاد الرافدين. وقد أشار الختم إلى أنها ملكة من دون الإشارة إلى قرين ذكر. استنتج علماء آثار ومؤرخون أن بوابي على الأرجح قد حكمت ملكة على أور في أواخر عهد الأسرة الثانية (2800-2600 قبل الميلاد) أو في بدايات عهد الأسرة الثالثة (2600-2334 قبل الميلاد).

يدل عدد الخدم والمرافقين والحرس الذين دُفنوا معها إضافة إلى ثروتها الضخمة على أنها كانت ملكة قوية وثرية.

2- الملكة كوبابا

وفقًا لقائمة الملوك السومريين، فإن كوبابا كانت مالكة حانة قبل أن تصبح ملكة على كيش.

لا توجد سجلات تفسر كيف ارتقت كوبابا بنفسها، لكنها المرأة الوحيدة –بوصفها ملكة حاكمة- التي ظهر اسمها على قائمة الملوك. لذلك ارتبطت كوبابا مع السلالتين الثالثة والرابعة اللتين حكمتا كيش. ووفقًا لبعض الباحثين مثلت كوبابا إلهامًا تمخضت منه الإلهة الأناضولية سيبيل لاحقًا.

السلالة التي أسستها كوبابا انتهت كحال عهد السلالة الباكرة عندما برز إلى المشهد سرجون من أكاد (2334-2279 قبل الميلاد) وأسس الإمبراطورية الأكادية في بلاد الرافدين.

3- أماه – 2330 قبل الميلاد

كانت أماه سيدة أعمال سومرية ناجحة من مدينة أوما. وعلى الرغم من أنها كانت متزوجة، أدارت أماه عملها الخاص باسمها الخاص.

استخدمت أماه بعضًا من أرباحها لتستثمر في العقارات ومشاريع البناء وأشرفت على شبكة تجارة واسعة. حُفظَت هذه المعلومات في سجلات تجارة العائلة، لكن لا شيء معروف عن حياتها باستثناء أنها كانت متزوجة من رجل يُدعى أور-سارا.

4- إنهدوانا – 2285-2250 قبل الميلاد

كانت إنهدوانا ابنة سرجون من أكاد -إحدى الإمبراطوريات التي نشأت في بلاد الرافدين- على الرغم من وجود شكوك وتساؤلات حول حقيقة صلتها بسرجون؛ فهناك من يقول أنها ابنته من صلبه، وقسم آخر يرى أن ابنة هو لقب تشريفي لها فقط.

إنهدوانا هي أول مؤلفة في العالم معروفة بالاسم وأصبحت مشهورة بوصفها الكاهنة العليا لمدينة أور في خدمة آلهة القمر إنانا، واشتهرت أيضًا بنتاجاتها الشعرية في مدح الآلهة إنانا، وقد قدمت هذه النتاجات صورة أكثر حميمية عن المرء وعلاقته مع الآلهة من تلك التراتيل والأناشيد التي ألفها كتّاب ذكور.

كتبت إنهدوانا شعرًا شخصيًا ونجت من انقلاب في المدينة أجبرها على أن تمضي مدة في المنفى، ثم عادت لتستمر بعملها كاهنة وشاعرة لأكثر من 40 عامًا. أثرت نتاجاتها في كتابة ترانيم وتراتيل لاحقة، وما تزال تُستخدم في يومنا نماذج عن الشعر الشعائري والشخصي.

5- سامو رامات – 811-806 قبل الميلاد

سامو رامات كانت وصية على عرش الإمبراطورية الآشورية في بلاد الرافدين لابنها الصغير أداد نيراري الثالث (811-783 قبل الميلاد) بعد وفاة زوجها شمشي أداد الخامس (823-811 قبل الميلاد).

حُظِر على النساء تبوء مناصب في السلطة أعلى من الرجال وقبلها لم يكن هناك ملكة آشورية.

أطلقت سامورامات مشاريع بناء وكلفت بإنشاء نصب عمودي ينقش عليه اسمها وقد تكون قادت حملات عسكرية لتأمين الإمبراطورية والحفاظ على الاستقرار. يُعتقَد أن عهدها قد قدح زناد الحكايات حول الملكة الأسطورية سميراميس التي ربتها حمامات وهزمت بلاد الرافدين وخاضت علاقات حميمية مع عدة رجال وسيمين وبعد موتها تحولت إلى حمامة وطارت بعيدًا.

المعلومات والتفاصيل عن عهد سامو رامات مبهمة، ويزعم بعض الباحثين أنها لم توجد قط، لكن قدرتها على أن تحكم وتأمر ببناء مسلة منقوش عليها اسمها، يشيران إلى أنها كانت امرأة قوية.

6- زاكوتو – 728 إلى 668 قبل الميلاد

زاكوتو امرأة أخرى من نساء بلاد الرافدين تمكنت من أن ترتقي بنفسها بغموض من محظية إلى أرملة ملك ووالدة ملك وجدة ملك.

كانت زاكوتو من محظيات سنحاريب (705-681 قبل الميلاد) التي تمكنت بطريقة ما من جعل ابنها أسرحدون (681-669 قبل الميلاد) يخلف والده في الحكم على الرغم من أنه الأصغر من بين أحد عشر ابنًا على الأقل، كثيرٌ منهم أنجبتهم ملكة سنحاريب تاشميتو شراط.

خلال عهد أسرحدون، أمرت زاكوتو ببناء قصره في نينوى وأصدرت نقشًا خاصًا بها. وفي عام 670 أو 668 قبل الميلاد سنَّت معاهدة زاكوتو الشهيرة التي تضمن انتقالًا سلسًا للسلطة من ابنها إلى حفيدها آشوربانيبال (668-627 قبل الميلاد) الذي جلس على عرش أبيه بعد وفاته. حافظت زاكوتو على حضور ثابت في البلاط الملكي في بداية عهد حفيدها قبل أن تقاعدها أو وفاتها.

7- سيروا إتيرات – 652 قبل الميلاد

سيروا إتيرات امرأة قوية أخرى من العائلة نفسها، كبرى بنات أسرحدون والأخت الكبرى لآشوربانيبال. سيروا إتيرات هي الابنة الوحيدة من بنات أسرحودون المعروفة باسمها؛ إذ تظهر في القوائم المتعلقة بالمهرجانات إلى جانب إخوتها. وعلى الرغم من أنها امرأة، ما يعني أنها أقل قيمة من الرجل في بلاد الرافدين، فقد أُدرجَت في المرتبة الثالثة بعد أخويها آشوربانيبال (الوريث الحالي للحكم) وأخيه الأصغر سنًا الذي كان سيحكم بابل، ما يشير إلى أنها حازت منزلة رفيعة في البلاط الملكي.

مثل جدتها، بدا أنها تحظى بسلطة معتبرة، واشتُهرت برسالة تعاقب فيها كنتها زوجة آشوربانيبال على كسلها في الدراسة ومخاطرتها بجلب العار للعائلة لأنها غير متعلمة.

8- العرافة نوسكا – 671 قبل الميلاد

العرافة نوسكا كانت فتاة مستعبدَة مجهول اسمها، انخرطت في مؤامرة للإطاحة بأسرحدون عام 671 قبل الميلاد. وخلافًا لأي عرافة معتمدة رسميًا فإن الفتاة لم ترتبط بموقع أو معبد مقدس، لكنها كانت ملكًا لرجل يُدعى Bel-ahu-usur.

في ذلك العام بدأت تمثل أن أرواحًا إلهية قد تملكتها وتنبأت بنبوءة مفادها أن عهد أسرحدون سينتهي وأن مسؤولًا يُدعى ساسي سيصبح ملك الإمبراطورية الآشورية. أخذ ساسي نبوءتها على محمل الجد وأخذها إلى منزله وبدأ التحضير للانقلاب، لكن أسرحدون -الذي كان له باع طويل في التنجيم والنبوءات- قد أخذ كلامها بجدية واحتاط للأمر لحماية نفسه بما في ذلك محاولته الإمساك بالفتاة.

عام 670 قبل الميلاد نجح أسرحدون في مسعاه، وبقي مصير الفتاة مجهولًا، فقد تكون قد أُعدمَت إلى جانب ساسي ومتآمرين آخرين.

9- أرتميزيا الأولى من كاريا – 480 قبل الميلاد

أرتميزيا الأولى كانت ملكة كاريا شمال بلاد الرافدين (حاليًا في تركيا) ومشهورة بدورها في معركة سلاميس عام 480 قبل الميلاد خلال غزو زيركسيس الأول لليونان. حكمت أرتميزيا وصيةً على ابنها الصغير بعد وفاة زوجها من دون إشراف أو نصيحة ومشورة من أي رجل.

لم تشتهر فقط بسلوكها في سلاميس بل بالنصيحة التي قدمتها لزيركسيس الأول قبل المعركة تقترح فيها إخضاع الإغريق بتجويعهم بدلًا من الدخول معهم في معركة. تجاهل زيركسيس الأول اقتراحها وهُزِم في سلاميس وفشل غزوه لليونان. رافقت أرتميزيا الأولى أبناء زريكسيس الأول في العودة إلى فارس، ثم اختفى ذكرها من السجلات التاريخية.

10- آزادخت شاهبانو زوجة شابور الأول 240-270

من نساء بلاد الرافدين التي لطالما عُرفت بأنها دبلوماسية لدى الإمبراطورية الساسانية تحت حكم شابور الأول ومرافقته الأساسية وزوجته وامرأة تجيد استخدام السيف، لكن تتجه الدراسات الحديثة على نحو متزايد نحو تحديدها قوة موجِهة في عهد شابور الأول والمسؤولة عن إنشاء المركز الفكري والثقافي والطبي العظيم في جونديشابور.

اسمها آزادخت الذي يعني الفتاة الحرة، في حين شاهبانو لقب أي زوجة الملك.

لطالما نُظِر إلى إنشاء مستشفى ومكتبة جونديشابور التعليمية في عهد شابور الأول على أنه من أبرز إنجازاته، لكن دراسة حديثة تشير إلى أن آزادخت هي من دعت الأطباء الإغريق إلى الإقامة في بلاط شابور الأول لغرض تأسيس المستشفى والمركز التعليمي. وعُرفت بمهارتها مع الأسلحة وقد تكون امتلكت أيضًا أعمالها التجارية الخاصة على الرغم من أن هذا الادعاء موضع اعتراض.

اقرأ أيضًا:

كيف قاد نظام المحاسبة في بلاد الرافدين إلى اختراع أول كتابة في التاريخ؟

بلاد الرافدين أو ميسوبوتاميا: منبع الثقافة والعلوم

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: يمنى عيسى

المصدر