إذا كانت الأوراق المنشورة في الأشهر الستة الماضية صحيحة، فإن رقمًا واحدًا يكفي للتنبؤ باحتمالية معاناة الأشخاص نوبةً قلبية قبل أوانها، أو الاعتماد على الكحول، أو تركز الدهون في الجسم. هذا الرقم السحري هو النسبة بين طول الإصبع الثاني إلى الرابع، المعروفة باسم نسبة 2D: 4D. تميل النسبة لأن تكون أقل عند الرجال -ما يعني أن الإصبع الرابع يميل إلى أن يكون أطول من الثاني- مقارنةً بالنساء. يقول الباحثون الذين يؤمنون بقيمته التنبؤية إنه يعكس تعرض الجنين لهرمون التستوستيرون والهرمونات الأخرى التي توجه التطور، متضمنًا الدماغ.

تنبع فكرة أن أطوال الأصابع البشرية تكشف الكثير من عمل عالم الأحياء التطوري جون مانينغ، الذي يعمل الآن في جامعة سوانسي في المملكة المتحدة.

لكن المجال الذي ألهمه توسع أكثر مما يتخيله. ربطت أكثر من 1400 ورقة بحثية في ما يزيد على 20 عامًا نسبة الإصبع بسمات مثل الشخصية والقدرات المعرفية والتوجه الجنسي، إضافةً إلى خطر الإصابة بأمراض مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والتصلب الجانبي الضموري. حتى أن الباحثين حاولوا استخدام النسب المأخوذة من بصمات اليد المرسومة على جدران الكهوف لتحديد هل كان الفنانون الذين رسموا اللوحات القديمة رجالًا أم نساء؟

أثارت الفكرة تحفظ الكثير من النقاد، الذين جادلوا بأن الباحثين الذين يعتمدون على مقارنة 2D: 4D قد أغراهم مقياس مبسط وخاطئ. يؤكد بعض المشككين أن الفرق في النسب بين الجنسين هو وهم ناتج من أن أيدي الرجال أكبر حجمًا، أو أن المقياس نفسه يمثل مشكلة إحصائية. يقول عالم الفسيولوجيا والإحصاء الحيوي دوغلاس كوران إيفريت: «أنا متشكك في كل نتيجة تتضمن هذه النسبة».

يجادل منتقدون آخرون بأن المجال مليء بنتائج لا تمكن مراجعتها. يقول عالم النفس مارتن فوراسيك من جامعة فيينا، الذي يقارن العمل على نسب الأصابع بعلم فراسة الدماغ أو الوجه: «إن الأمر مثل منزل من البطاقات مبني على قاعدة غير معروفة وغير مؤكدة».

في رأيه، فإن الأفكار التي تربط شكل رأس الشخص أو ملامح وجهه بسمات الشخصية أو الذكاء قد فقدت مصداقيتها.

مع ذلك، فقد أغرت نسبة الأصابع جيلًا كاملًا من الباحثين، في حين أثارت استياء كثيرين آخرين. وفقًا لعالم الغدد الصماء العصبية السلوكي كيم والن من جامعة إيموري في أتلانتا، وهو أحد المشككين، فإن الجدل حول النسبة وأهميتها «يثير بعض القضايا الأساسية حول ما نعده دليلًا».

التنبؤ بالإصبع:

ذكر عالم تشريح ألماني للمرة الأولى في سبعينيات القرن التاسع عشر أن نسب الأصابع تختلف عادةً بين الجنسين. لكن الملاحظة ظلت فضولًا حتى سلط مانينغ الضوء عليها عام 1998. كان يتعاون مع زملائه في عيادة الخصوبة في ليفربول في المملكة المتحدة لدراسة التناظر في الجسم، الذي اشتبه بعض الباحثين بأنه مرتبط بمستويات الهرمون. يقول مانينغ: «تذكرت بشكل غامض أني قد سمعت عن الاختلاف بين الجنسين في نسب الأصابع».

اقترح التفاوت دورًا لبعض الهرمونات المرتبطة بالجنس. عندما قاس الباحثون نسب الأصابع لدى المرضى في العيادة، كانت النسب الأقل في اليد اليمنى للرجال مرتبطة بمستويات أعلى من هرمون التستوستيرون.

وفقًا لدراسة شملت الأطفال والشبان من منطقة ليفربول، اكتشف العلماء أيضًا أن التباين في نسب الأصابع بين الجنسين وُجد لدى الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم عامين. دفعت هذه النتيجة الباحثين إلى افتراض أن الفرق نشأ قبل الولادة وارتبط بمستويات الهرمون في الرحم.

يوضح مانينغ أن نسبة الإصبع تشير إلى المستويات النسبية للتستوستيرون والإستروجين في أثناء التطور المبكر.

لم يتوقع مانينغ أن يكون لنتائجه مثل هذا التأثير. الفكرة التي تقتضي أن رقمًا وحيدًا قد يكشف عنا الكثير لا تقاوم، يلاحظ عالم الوراثة الإحصائي ديفيد إيفانز من جامعة كوينزلاند، الذي درس الأساس الجيني لنسب الأصابع: «عندما تتحدث عن نسبة 2D: 4D، وفور ذكرها يبدأ الجميع بالنظر إلى أيديهم».

استخدم الباحثون الماسحات الضوئية وآلات التصوير والفرجار والمساطر وآلات الأشعة السينية لقياس طول الإصبع. في بعض الدراسات قاس الأشخاص بأنفسهم. يمكن للعلماء جمع كميات كبيرة من البيانات بسرعة وبتكلفة زهيدة. أظهر استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية على الإنترنت حول الاختلافات بين الجنسين، نسب أصابع أُبلغ عنها ذاتيًا لأكثر من 240 ألف شخص. يقول عالم الأعصاب مارك بريدلوف من جامعة ولاية ميشيغان في إيست لانسينغ: «لا أعرف علامة حيوية أدق يمكن قياسها بسهولة للأندروجين قبل الولادة عند البالغين».

يبدو أن نسب الأصابع تلبي حاجة علمية. في أواخر الخمسينيات اقترح الباحثون فكرة جذرية آنذاك: إن هرمون التستوستيرون والهرمونات الجنسية ذات الصلة في الرحم توجه نمو الدماغ، ومن ثم تشكل سلوك البالغين. منذ ذلك الحين، سعى العلماء للبحث عن روابط بين التعرض لهرمونات ما قبل الولادة وخصائص مثل العدوانية والتوجه الجنسي، إلى جانب خطر الإصابة بحالات مثل التوحد والإدمان. لكن أخذ عينات من الهرمونات في الجنين المبكر قد يعرض الحمل للخطر. لا عجب أن الباحثين توجهوا إلى نسبة الإصبع بوصفها قراءةً بسيطة لبيئة يتعذر الوصول إليها.

تعتمد الدراسات على اختلافات دقيقة. مع أن نسبة الأصابع عادةً ما تكون أصغر عند الرجال، فإن الفجوة بين الجنسين محدودة. في دراسة الإذاعة البريطانية، كان متوسط قيم اليد اليمنى للرجال والنساء 0.984 و0.994 على التوالي. تتداخل توزيعات الجنسين ويختلف متوسط النسب اختلافًا كبيرًا تبعًا للأصول الجغرافية.

مع ذلك، فإن العديد من العلماء مقتنعون بأن نسبة 2D: 4D هي مؤشر موثوق. يقول بريدلوف: «أعتقد أنه لم يعد هناك أي شك في أن هذه النسب في البشر تعكس التعرض للأندروجين قبل الولادة». يضيف عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية برنارد فينك من جامعة غوتنغن في ألمانيا، وهو مؤيد آخر للنسبة: «تظهر مئات الدراسات أنها ترتبط بمجموعة متنوعة من السلوكيات والقدرات التي يمكن ربطها منطقيًا بالأندروجينات قبل الولادة». مع ذلك، فهو يعترف بأن النسبة تفسر عادةً قدرًا «صغيرًا إلى معتدل» من الاختلاف في سمة ما.

من الاستخدامات البارزة لنسبة الإصبع: فحص التوجه الجنسي لدى النساء. اقترح الباحثون أن مستويات الهرمون في وقت مبكر من التطور تؤثر في الجنس الذي ينجذب إليه الشخص، إذ إن المستويات الأعلى من هرمون التستوستيرون والأندروجينات الأخرى عند الجنين الأنثى قد تزيد من احتمالات مثليتها. كانت الفرضية مثيرة للجدل ويصعب اختبارها. اعتقد بريدلوف وزملاؤه أن نسب الأصابع قد تسفر عن أدلة جديدة، لذلك في أوائل عام 2000 في معارض الشوارع في منطقة خليج سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، بدأوا بطرح الأسئلة على الناس وتصوير أيديهم.

مع أن الاختلاف في الأرقام لم يكن واضحًا بين الرجال المثليين والمغايرين، استنتج الباحثون أن النساء اللائي وصفن أنفسهن بأنهن مثليات، كان لديهن نسب أصابع أقل، أي أكثر «ذكورية» مقارنةً بالمغايرات. يقول بريدلوف: «الاستنتاج المنطقي من هذه النتائج، أن التستوستيرون له تأثير في التوجه الجنسي للشخص قبل الولادة».

حتى بين مؤيدي نسبة الإصبع، فإن هذه النتائج لم تحسم الجدل حول العلاقة بين الهرمونات ما قبل الولادة والتوجه الجنسي.

يقول مانينغ إن النسبة تعطي أيضًا لمحة عن مستقبل الشخص. مثلًا، قد تتنبأ نسب الأصابع بفعالية علاجات سرطان البروستات التي تثبط هرمون التستوستيرون وعلاجات سرطان الثدي التي تثبط الإستروجين. يقول مانينغ: «ما زلنا في مرحلة مبكرة من هذا المجال، لكننا لن نعرف حتى نجري المزيد من الدراسات».

يقول مانينغ إن توقعات النسبة أوضح في مجال الرياضة. كشفت الدراسات عن ارتباطات بين انخفاض نسب 2D: 4D وأداء أفضل في مجموعة من الرياضات، متضمنةً كرة القدم والجري لمسافات طويلة والرجبي والتزلج والتجديف وكرة السلة. يؤكد مانينغ أن التأثير واضح لدرجة أن على الفرق استخدام نسبة الأصابع معيارًا لاختيار اللاعبين، «إذا تمكنا من الحصول على موافقة علماء الرياضة».

مشكلات رقمية

مع ذلك، قوبلت النسبة بشك مستمر من العلماء، الذين ما زالوا غير قادرين على أخذ عينات من الدم بأمان من الأجنة في بداية تشكلهم.

لم تؤكد الأبحاث الفرضية الجوهرية للنسبة، التي تنص على أن التباين في أطوال الأصابع يرتبط بالاختلافات في مستويات الهرمونات في دم الجنين خلال الثلث الأول من الحمل، إذ تبدأ الأصابع بالنمو، لكن بدلًا من ذلك يستعين العلماء بدليل غير مباشر.

قال مانينغ إن الدليل الأقوى يأتي من دراسات الحيوانات، التي تتدخل في تبديل وسط الهرمونات خلال الحمل.

في دراسة أجراها زينغ وكون، عالما البيولوجيا التنموية من جامعة فلوريدا في غينسيفيل، درس الباحثان تغيير نشاط المستقبلات التي تستجيب للهرمونات، بإعطاء أنثى الفأر جرعات محددة من الديهيدروتيستوستيرون، الشكل الأشيع من التيستوستيرون في الجسم، أو بإعطائها هرمون الإستروجين.

بعد ثلاثة أسابيع، قاس العلماء تأثير ذلك في أصابع الأقدام الخلفية للجراء.

أظهرت النتائج أن لتحفيز نشاط مستقبلات الأندروجين في أمهات الجراء المؤنثة دور في زيادة نمو الإصبع الرابع، ما أدى إلى انخفاض نسبة في طول الإصبع الثاني إلى الرابع، لكن بالمقابل، فإن حث الإستروجين كبح إطالة الإصبع الرابع، ما أدى إلى زيادة نسبة طول الإصبع الثاني إلى الرابع في النسل المذكر.

استنتج التقرير أن الهرمونات الجنسية يمكن الاستفادة منها في الحلقة الجينية التي تتحكم في نمو الجهاز الهيكلي، ولما كانت الآليات المتحكمة في تطور الأطراف لدى الفقاريات متشابهة، فإن الهرمونات تتصرف بشكل مماثل لدى البشر.

لكن بالمقابل، تدحض دراسات أخرى على الحيوانات تلك النتائج.

في دراسة أجرتها عالمة الأعصاب سابين هوبر وزملاؤها من جامعة مانشستر، كرر الباحثون دراسة زينغ وكون، وحصلوا مع ذلك على نتائج مناقضة للتجربة الأولى، إذ وجدوا أن رفع مستويات الديهيدروتيستوستيرون في الفئران الحوامل أدى الى معدلات أصابع مؤنثة أكثر في الأطراف الخلفية للجراء الذكور، في حين أدى كبح مستقبلات الأندروجين إلى نسب أقل وأكثر عضلية في الأجنة المؤنثة. في تقريرها، قالت هوبر إنها غير واثقة من كون نتائج أي التجربتين هي الأدق، وأقرت باحتمال أن تكون اختلافات المداخلات على الفئران والجهد المحدث عليها هي سبب هذا التناقض.

يقول النقاد إن النتائج غير الحاسمة من دراستين كبيرتين مسحتا الجينوم بحثًا عن المتغيرات الجينية المرتبطة بطول الإصبع، تثير الشكوك حول نسبة 2D: 4D. في دراسة أجراها علماء الوراثة الإحصائية في معهد (QIMR Berghofer) للبحوث الطبية في بريسبان، حلل الباحثون بيانات آلاف الأشخاص بحثًا عن علاقة بين النسبة والمتغيرات في المسارات الجزيئية التي تتحكم في مستويات هرمون التستوستيرون أو الاستجابة للهرمون. قال الباحثون: «لم نجد أي دليل قوي على دور هرمون التستوستيرون».

يشير المشككون إلى أن نسبة 2D: 4D قد تكون بلا معنى إحصائيًا. يقول بعض الإحصائيين إن النسب إشكالية في جوهرها، لأنها قد تشوش العلاقة بين المتغيرين. يقول غاري باكارد، الأستاذ الفخري في علم الأحياء من جامعة ولاية كولورادو في فورت كولينز: «قد يكون الاستنتاج القائم على النسبة بعيدًا عن الهدف ومضللًا».

اقترحت الأساليب الرياضية الأكثر تطورًا للبيانات أن الاختلاف الواضح في نسب 2D: 4D بين الجنسين هو مجرد ارتباط بكبر حجم الأيدي لدى الذكور. قد يكون الإصبع الرابع لدى الذكور أطول لأنه كلما كبرت اليدان، يصبح الإصبع الرابع أطول من الثاني.

في دراسة أجريت عام 2017، عمل فليجر وزملاؤه الباحثون من جامعة تيسايد في ميدلسبره في المملكة المتحدة، لتحليل الاختلاف في أحجام اليد في بياناتهم. انقلب الفرق بين الذكور والإناث في نسب الأرقام، أي أصبح لدى الرجال الآن قيم أعلى للنسبة. يقول فليجر إن هذا الانعكاس يشير إلى أن الاختلاف بين الجنسين المبلغ عنه على نطاق واسع في نسب 2D: 4D ليس تأثيرًا لهرمون التستوستيرون، بل تأثير لحجم اليدين.

قد يفسر ذلك مشكلة أخرى يستشهد بها المتشككون في النسبة، إذ لا يمكن تكرار النتائج في كثير من الأحيان. ميليسا هاينز، عالمة النفس والأعصاب التي تدرس نمو الجنس البشري في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، أقرت سابقًا بصحة النسبة. لكنها غيرت رأيها عندما طلبت من بعض الطلاب إعادة الدراسات المنشورة لمشاريعهم في السنة النهائية. مع أن الطلاب بدوا أنهم يكررون الإجراءات من الدراسات، فإنهم لم يتمكنوا من الحصول على نفس النتائج.

«لا أزعم أنه ليس للأندروجين تأثير في السلوك البشري. لكني لا أعتقد أن نسب الأصابع هي مقياس موثوق علميًا لبيئة الهرمونات المبكرة».

يقول فوراسيك، الذي كان يؤمن سابقًا بصحة النسبة، إن الأبحاث حول نسبة 2D: 4D تجسد أزمة الكثرة التي ظهرت في مجالات متعددة من العلوم خلال السنوات القليلة الماضية. ويقول إن النتائج المثيرة للاهتمام التي تظهر في الدراسات الصغيرة تختفي عندما يدقق العلماء في مجموعات أكبر أو يجرون تحليلات تلوية.

يضيف فوراسيك أن تنفيذ بعض الممارسات الموصى بها لتحسين مصداقية البحث قد يساعد على ترسيخ العلم وربما سد الفجوة بين مؤيدي النسبة ومنتقديها. وتشمل هذه التدابير دراسات مسجلة مسبقًا، إذ يوضح الباحثون أهدافهم وأساليبهم قبل أداء العمل، وتعاون العلماء ذوو الأفكار المتضاربة.

اقرأ أيضًا:

الأذن: التشريح والوظيفة والاضطرابات والعلاج

تثخن الأظفار الخلقي (متلازمة ياداسون-ليفاندفسكي)

ترجمة: محمد انبيعه

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر