قامت نسخة جديدة من تقنية (كريسبر- كاس9 – CRISPR-Cas9) في النماذج المخبرية، والخلايا المأخوذة من المرضى للتعديل الجيني، بتصحيح آفات الـ (RNA) المسؤولة عن مجموعةٍ من الأمراض، مثل: بعض أنواع (الضمور العضلي- muscular dystrophy), و(التصلب الجانبي الضموري – ALS), و (مرض هنتنغتون – Huntington).

وحتى وقتٍ متأخر, كان استعمال تقنية (كريسبر- كاس9 -CRISPR Cas9 ) للتعديل الجيني، محصورًا بالتلاعب بالـ (DNA) فقط، ولكن في دراسةٍ أُجريت عام 2016م, قام باحثون في جامعة كاليفورنيا, في مدرسة سانتياغو للطب, بتعديل هذه التقنية؛ لتتعقب الـ RNA)) في الخلايا الحية، بطريقةٍ تدعى: استهداف الـ (RNA -RNA Targeting Cas9 ) (RCas9)، وفي دراسةٍ جديدةٍ نُشرت في 10 آب /August في دورية الخلية – cell -, قام الفريق بالتقدم خطوةً أخرى بهذه التقنية, إذ قاموا باستخدامها من أجل تصحيح الأخطاء الجزيئية التي تؤدي لمجموعة أمراض تحت اسم: (microsatellite repeat expansion diseases) والتي تتضمن الضمور العضلي التأتري صنف 1 و 2, أكثر الأنماط شيوعًا، – نمط من التصلب الجانبي الضموري الوراثي -, وداء الرقص لهنتغتون.

وقد قال البروفسور (جين يو- Gene Yeo), أحد مؤلفي الدراسة الرئيسيين, والحاصل على شهادة الـ (PhD), والبروفسور في الطب الخلوي، والجزيئي في مدرسة سانتياغو للطب: إن هذا الشيء مثيرٌ للاهتمام؛ لأننا لم نقم فقط باستهداف السبب الأصل للأمراض التي لا تملك علاجًا حاليا يؤخر من تطورها, بل قمنا أيضًا بإعادة هندسة نظام (كريسبر- كاس9) بطريقةٍ تجعله ملائمًا؛ لإيصاله لأنسجةٍ محددةٍ، عن طريق ناقلٍ فيروسيٍ.

ويمكن القول بأن الـ (DNA ) يمثل الهيكل الرئيسي للخلية, والـ (RNA) هو تفسير هذا الهيكل، إذ أنه في أساسيات دستور الحياة, وإن الجينات المرمزة في الـ (DNA) في النواة يتم نسخها للـ (RNA)، ويحمل الـ (RNA) الرسالة خارجًا نحو سيتوبلازما الخلية, وهناك يتم ترجمة الرسالة لصناعة البروتينات.

وتنشأ مجموعة الأمراض التي تدعى بـ (Microsatellite repeat expansion diseases) نتيجة تكرر شاذ في تتالي الـRNA) ) سام للخلية؛ لأنها يمنع جزئيًا إنتاج بروتينات هامٍة، وتتجمع متتاليات الـ (RNA) هذه في النواة أو السيتوبلازما، مشكلةً نقاطًا كثيفةً تدعى (البؤر- foci).

وفي هذه الدراسة المستخدمة لإثبات المبدأ, قام فريق (يو – YEO) باستخدام تقنية (RCas9) ؛لإزالة الـRNA) ) المسبب للمشكلة في أمراض الـ (microsatellite repeat expansion diseases) في الخلايا المشتقة من المرضى، والنماذج الخلوية المرضية في المختبر.

عادةً ما تعمل تقنية (كريسبر- كاس9)، كالتالي: يقوم الباحثون بتصميمRNA) ) موجّهٌ ليوافق تتالٍ محددٍ في الجين المستهدف، و يقوم هذا الـ (RNA) بتوجيه أنزيم (Cas9) للمكان المرغوب في الجينوم, إذ يقوم الأنزيم بقطع الـDNA) )، وبعد ذلك, تقوم الخلية بإصلاح الانقطاع الحاصل بشكلٍ غير صحيح, مما يؤدي لعدم تفعيل الجين, أو يقوم الباحثون باستبدال مكان القطع بنسخةٍ مصححةٍ من الجين، وتعمل تقنية (RCas9) بالطريقة نفسها، ولكن يقوم الـ (RNA) الموجه بإيصال (Cas9) نحو جزيء الـRNA) )، بدلًا من الـDNA) ).

وقد قام الباحثون باختبار نظام (RCas9) على (RNA) أمراض on microsatellite repeat expansion disease في المختبر، فقام (RCas9)  بإزالة 95% أو أكثر، من بؤر الـ (RNA) المرتبطة بالضمور العضلي التأتري نمط 1 ونمط 2 , – نمط من مرض التصلب الجانبي الضموري-، ومرض الرقص لهنتغتون، وقام هذا الاختبار أيضًا بإزالة 96% من تكرر الـRNA) ) الشاذ في خلايا مرضى الضمور العضلي التأتري المزروع في المختبر.

هناك نقطة نجاحٍ أخرى في هذا الاختبار، كانت حول البروتين (MBNL1), وهو بروتين يرتبط عادةً بشكلٍ طبيعيٍ مع الـ (RNA), ولكن بوجود نتيجة بؤر الـRNA) ) الشاذة, أصبح معزولًا عن المئات من أهدافه الطبيعية، وهي الـ (RNA), وهذا ما نشاهده في النمط الأول من الضمور العضلي التأتري، وعندما قام الباحثون بتطبيق(RCas9)، وقاموا بعكس 93% من (RNA) الهدف غير الفعالة في خلايا المريض العضلية, وفي النهاية عادت الخلايا لطبيعتها، وصحتها.

وشرح (يوYEO-) أنه على الرغم من أن الدراسة قامت بتأمين الدليل الأولي أن هذا الأسلوب مفيدٌ في المختبر, لا يزال هنالك طريقٌ طويلٌ قبل أن نتمكن من اختبار (RCas9) على المرضى.

وأحد المشاكل الموجودة، هي إيصال الـ (RCas9) بشكلٍ فعالٍ لخلايا المرضى، إذ أن الفيروسات المرتبطة بالفيروس الغدي غير المعدية، شائعة الاستعمال في العلاج الجيني, ولكنها صغيرةٌ جدًا لتحمل أنزيم الـCas9) )؛ لاستهداف الـ (DNA)؛ ولذلك قام فريق (يوYEO-) بصنع نسخةٍ أصغر من الـ (Cas9) عن طريق حذف بعض المناطق من البروتين، كانت مهمةً عند استهداف الـ (DNA), ولكن يمكن الاستغناء عنها لربط الـ (RNA).

وقال (يوYEO-): إن الشيء الأساسي الذي ما زلنا لا نعرفه، هو: ما إذا كانت النواقل الفيروسية التي تقوم بإيصالRCas9) ) للخلايا، سوف تقوم بتفعيل استجابةٍ مناعيةٍ أم لا, و لذلك, قبل أن نتمكن من تجريب التقنية على البشر, يجب علينا التجربة على النماذج الحيوانية؛ لتحديد السمات المحتملة، وتقييم التعرض طويل الأمد، وآثاره.

ومن أجل القيام بهذا, قام (يوYEO-) وزملاؤه بإنشاء شركةٍ تدعى: (لوكانا – locana)؛ من أجل التعامل مع خطوات المرحلة ما قبل السريرية؛ من أجل نقل تقنية (RCas9) من المختبر؛ للتطبيق السريري فيما يخص الأمراض المتعلقة بالـ  RNA ), مثل تلك التي تنشأ من (التوسع التكراري المايكروساتالايتي – microsatellite repeat expansions).

وقال (ديفيد نيلس(DAVID Nelles – ، الحاصل على الـ (PhD), وأحد أوائل مؤلفي الدراسة مع (رانجان باترا- (Ranjan Batraالحاصل أيضًا على الـ (PhD)، وكلاهما باحثان في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مختبر (يو Yeo): إنهم متحمسون حقًا لهذا العمل؛ لأنهم لم يجدوا فقط آليةً علاجيةً جديدةً محتملةً باستخدام (RCas9), ولكنهم حددوا أيضًا كيفية استخدامها لعلاج مجموعةٍ من الحالات التي لا يوجد علاج فعالٌ لها حتى الآن.

وقال باترا: إنه يوجد أكثر من 20 مرضًا جينيًا ناجمٌ عن التوسعات المايكروساتاليتية، في أماكن مختلفةٍ من الجينوم, وقدرتنا على برمجة نظام الـ (RCas9) لاستهداف عمليات تكرر مختلفة, إضافةً لخطورة منخفضة في الحصول على آثارٍ غير مرغوبةٍ، هو إنجازٌ، وقوةٌ حقيقية.


  • المترجم : عماد دهان.
  • المدقق: رجاء العطاونة.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر