النظام الغذائي الغني بالبروتين يخفف آلام الأمعاء الملتهبة


تحرس الخلايا المناعيّةُ الأمعاءَ لتحرصَ على عدم تسلُّل الأحياء الدقيقة الضارّة المختبئة في الطعام الذي نأكله إلى أجسامنا، إذ تعادل الخلايا التي تعزُّزُ قدرةَ التحمُّلِ المناعيّ (وهي حالة عدم استجابة الجهاز المناعيّ لموادَّ أو أنسجةٍ لديها القدرة على إحداث استجابةٍ مناعيّةٍ) الخلايا القادرةَ على تنشيط الالتهاب؛ ممّا يحمي الجسمَ من دون إيذاء الأنسجة الحسّاسة، وعندما يميل هذا التوازنُ باتجاه الالتهاب ينتج داء الأمعاء الالتهابيّ.

وجد باحثون في كلية الطبّ بجامعة واشنطن في سانت لويس ظهور نوعٍ من الخلايا المناعيّة تلك التي تعزّز قدرةَ التحمُّل لدى الفئران التي تحمل نوعًا معيّنًا من الجراثيم في أمعائها، وتحتاج الجراثيم علاوةً على ذلك إلى الحمض الأمينيّ التريبتوفان -وهو واحدٌ من اللبنات الأساسيّة للبروتينات- لتحفيز ظهور الخلايا، فقد أكّدوا على وجود علاقةٍ بين أحد أنواع الجراثيم (العصيّات اللبَنيّة-Lactobacillus reuteri ) وهي جزءٌ من الجراثيم المتواجدة بشكلٍ طبيعيٍّ في الأمعاء وزيادة عدد الخلايا التي تعزّز قدرةَ التحمّل المناعيّ، وكلما زاد الحمضُ الأمينيّ التريبتوفان في نظامهم الغذائيّ زاد عددُ الخلايا المناعيّة لديهم.

وإذا كانت النتائج هذه صحيحةً بالنسبة للبشر، فإنَّ ذلك يشير إلى أنَّ نظامًا غذائيًا غنيًّا بمزيجٍ من الجراثيم (العصيّات اللبَنيّة-Lactobacillus reuteri ) والحمض الأميني التريبتوفان سيعزّز بيئةَ أمعاءٍ أكثرَ قدرةٍ على التحمّل وأقلَّ التهابًا؛ ممّا يعني راحةً لميلون أمريكيٍّ أو أكثرَ يعيشون مع آلامٍ في البطن وإسهالٍ بسبب داء الأمعاء الالتهابيّ.

واكتشفتِ الباحثة لويزا سيرفانتيس– باراجان عندما كانت تدرس نوعًا من الخلايا المناعيّة يعزّز قدرةَ التحمّل، امتلاكَ مجموعةٍ من الفئران لتلك الخلايا، بينما لم تمتلكْها مجوعةٌ أخرى من نفس نوع الفئران ولكن وُضعت بعيدًا عن المجموعة الأولى، على الرغم من أنَّ المجموعتين متطابقتان وراثيًّا فقد وُلدت ونشأت كلُّ واحدةٍ منهما على حدى، مما يشير إلى تأثير عاملٍ بيئيٍّ على نموّ الخلايا المناعيّة، وشكَّتْ عندها أنَّ الاختلاف يُعزى إلى الأحياء الدقيقة الموجودة بشكلٍ طبيعيٍّ في أمعاء وجهاز هضم هذه الفئران.

تعاون بعدها علماءٌ لتحديد تسلسل الحمض النوويّ من أمعاء مجموعتيّ الفئران، ووجدوا ستّة أنواعٍ من الجراثيم لدى الفئران التي تمتلك خلايا مناعيّةً، ولكنّها كانت غائبةً في الفئران التي لم تمتلكْ تلك الخلايا، ودرس باحثون آخرون فئرانًا عاشت تحت ظروفٍ عقيمةٍ منذ ولادتها، لتحديد أيّ نوعٍ من أنواع الجراثيم الستّة يساهم في تحفيز نمو الخلايا المناعيّة، فوجدوا أنَّ فئرانًا كتلك افتقرت للأحياء الدقيقة التي تعيش في الأمعاء بشكلٍ طبيعيٍّ ولم ينْمُ فيها أيُّ نوعٍ من الخلايا المناعيّة، إلا أنها ظهرت عند إدخال الجراثيم (العصيّات اللبَنيّة-Lactobacillus reuteri ) للفئران الخالية من الأحياء الدقيقة.

ولمعرفة كيفيّة تأثير الجراثيم على الجهاز المناعيّ؛ زرع الباحثون الجراثيمَ في سائلٍ ونقلوا كمياتٍ قليلةً من السائل بعدَها – من دون الجراثيم- لخلايا مناعيّةٍ غيرِ بالغةٍ عُزلت من بعض الفئران، ونمَتْ عندها الخلايا المناعيّةُ لتصبحَ خلايا تعزّز قدرةَ التحمّل المناعي، وعندما فُصلَ المُكوّن الفعَّالُ من السائل، ظهر أنَّه منتجٌ ثانويٌّ لعمليّة استقلاب الحمض الأمينيّ التريبتوفان يُعرف باسم (إندول-3- حمض اللبن).

والتريبتوفان – المرتبط عادةً بلحم الديك الروميّ- هو جزءٌ طبيعيٌّ من النظام الغذائيّ للإنسان والفأر، كذلك تحتوي الأغذية الغنيّة بالبروتين على كميّاتٍ جيّدةٍ منه، كالمكسّرات، والبيض، والحبوب، والفاصولياء، والدواجن، واللبن، والجبن، وحتى الشوكولاته، وعندما ضاعف الباحثون كميّةَ التريبتوفان في غذاء الفئران؛ ارتفع عددُ الخلايا بنحو 50%، بينما عندما قلّلوا الكميةَ إلى النصف؛ انخفض عدد الخلايا بمقدار النصف.

كما ويملك البشر نفسَ الخلايا المعزّزة لقدرة التحمّل المناعيّ الموجودة لدى الفئران، كما يأوي معظمُنا جراثيم العصيّات اللبنية-Lactobacillus reuteri  في القناة الهضميّة، إلا أنَّه من غير المعروف ما إذا كان المنتجُ الثانويُّ للتريبتوفان من الجراثيم هو من يحفّز نموَّ الخلايا المناعيّة عند البشر كما يفعل لدى الفئران، ولكن اكتُشفت عيوبٌ في الجينات المرتبطة بالتريبتوفان عند الأشخاص الذين يعانون من داء الالتهاب المعويّ.


  • ترجمة: ميس أبو شامه
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر