إذا كنت مشهورًا في أوساطك بكونك من محبي العلوم، فنحن متأكدون بأنك سمعت هذا السؤال بالتحديد لمرةٍ واحدةٍ على الأقل من قبل: «إذا تطوّر البشر من القرود، فلماذا لا تزال هناك قرود موجودة معنا حتى الآن؟».
يتوقّف معظم الناس للحظةٍ واحدةٍ قبل أن يفسدوا الحقائق حول الانتخاب الطبيعيّ والأسلاف المشتركة إذ أنّ كل نوعٍ يتكيّف مع نظامه البيئيّ الفريد. على الرغم من صحة الموضوع في الغالب، إلّا أنّه ليس صحيحًا تمامًا.
في الواقع لقد تعلّم معظم الناس -في الغالب قد تكون أنت من ضمنهم- التطوّر بشكلٍ خاطئ وفقًا لبروسانتا شاكرابارتي، وهو أستاذ مشارك في علم الأحياء والتطور والأنظمة في جامعة ولاية لويزيانا.
يقوم بروسانتا بالتدريس في واحدٍ من أكبر مساقات البيولوجيا التطوريّة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويؤمن أنّه قبل أن يتمكن من تثقيف الناس حول التطور، يجب عليه أولًا تدمير بعض الأساطير والمفاهيم الخاطئة التي كانت لديهم.
يوضح ذلك في حديث رائع له ضمن سلسلة TED، إذ يوضح أربعة ملياراتٍ من السنين في التطوّر خلال ست دقائق. ننصحك بمشاهدة الفيديو إذا كان لديك بعض الوقت، لأنك عندما ستنتهي منه سيتغير مفهومك لمكاننا على شجرة الحياة.
يبدأ شاكرابارتي من خلال معالجة واحدةٍ من المفاهيم الخاطئة الأكثر شيوعًا عن التطور، وهو القول بأنّها مجرد نظريةٍ!
ويشرح أنّ هناك في الواقع العديد من النظريات في علم الأحياء التطوّريّ، لكن الأمر هنا يشبه عملية التطوّر تمامًا، فقط النظريات الأكثر ملائمةً للمعلومات والبيانات التي لدينا تمكنت من البقاء حتى الآن.
في الغالب معظم القراء على معرفةٍ تامةٍ بنظرية الانتخاب الطبيعيّ الداروينيّ، وهي العملية التي تصف تمّكن الكائنات الحية التي تناسب البيئة على البقاء والتكاثر، في حين أن الكائنات الأقل قدرةً تموت وتنقرض بشكلٍ تدريجيٍّ. فيقول تشاكرابارتي: «هذه هي كل النظرية، إنّ التطور بهذه البساطة».
حتى هذه اللحظة، من المحتمل أنّك ستهز برأسك وتقول بأنّك تعرف أنّ التطور ليس مجرد نظريةٍ وأنّك تفهم الانتخاب الطبيعيّ.
ولكن في الحقيقة، إنّ الأمور تسوء تمامًا -حتى بالنسبة إلى أكثر المتعلمين من بيننا- لأنّ المعلمين أو الأساتذة قاموا بشرح التطور بهذه الصورة:
لقد تم تعليمنا في الماضي في دروس علم الأحياء أنّ البشر يتواجدون في نهاية الشجرة التطوريّة. كما تعلمنا أنّ النباتات والبكتيريا هي كائنات بدائيّة. وأن الفقاريات الأولى من الأسماك أدت إلى ظهور البرمائيات لاحقًا. وفي النهاية أصبحت بعض البرمائيات زواحف، وأصبح بعض الزواحف ثديياتٍ، وفي النهاية حصلنا على البشر.
لكن الخطأ المعرفيّ هنا أنّ التطور لا ينتهي بنا، والحياة بالتأكيد لا تتطور في خطٍ مستقيمٍ. أو كما قال تشاكرابارتي: «نحن لسنا هدف التطور».
قد تتساءل لماذا يهم كيف نتصور حدوث التطور؟
شرح تشاكرابارتي: «لا يمكنك أن تسأل هذا السؤال المعتاد (من أين جاء البشر؟) دون فهم التطوّر بالطريقة الصحيحة. سوء الفهم أدى إلى العديد من وجهات النظر الملتوية والفاسدة حول كيفية التعامل مع أشكال الحياة الأخرى على الأرض، وكيف ينبغي أن نعامل بعضنا البعض من حيث اختلاف العرق والجنس».
إذن، بما أنّنا كنا نفكر في الأمر بطريقةٍ خاطئةٍ، فما هي الطريقة الصحيحة؟ فهم التطور يتطلب رحلةً سريعةً خلال أربعة مليارات عام إلى الماضي لرؤية الكائن وحيد الخلية الذي أتينا كلنا منه.
لقد أدى هذا الكائن أحادي الخلية إلى ظهور الكائنات وحيدة الخلية الموجودة حاليًا، ولم يوجد أيّ تعقيدٍ للحياة كالتعقيد الموجود لدينا في عصرنا الحاضر، وهي الحياة التي عادةً ما يُنظر إليها على أنّها قديمة جدًا وبدائيّة تمامًا.
لكن -وهو ما يكون مفاجئًا للبعض منا- تلك الكائنات أحادية الخلية لا تزال تتطوّر حتى يومنا هذا. الميكروبات الدقيقة مثل الأركيا والبكتيريا يمكن وصفها بأنّها أحد أكثر الكائنات الحية نجاحًا على وجه الأرض.
وذكر تشاكرابارتي: «بالتأكيد سيكونون هنا بعد أن تنقرض البشرية».
ثم، قبل حوالي ثلاثة مليارات سنةٍ، تطوّر منها الكائنات متعددة الخلايا من ضمنها: الفطريات والنباتات والحيوانات.
كانت أول حيواناتٍ تتطور بلا عمودٍ فقريٍّ هي الأسماك، لذلك نحن جميعنا أسماك من الناحية التقنية. بعد ذلك تحولت سلالة سمكةٍ واحدةٍ إلى العيش على اليابسة، وأدت إلى ظهور الزواحف والثدييات من بين الكائنات الأخرى.
وكما تعلمون أصبحت بعض الزواحف طيورًا، وأصبحت بعض الثدييات رئيسيات. وأصبحت بعض الرئيسيات (قردةً ذات ذيل – monkeys) بينما أصبح البعض الآخر (قردةً عليا – great apes) تضمنت المجموعة الأخيرة مجموعةً من الأنواع البشرية، والتي ينتمي البشر إلى واحدةٍ منها تعرف بـ (الهومو سابينز – homo sapiens).
لكن هذا ليس نهاية الخط. فلقد استمرت الحياة من حولنا طوال هذا الوقت في التطوّر والانقراض، مع بقاء معظم الأنواع التي تمكنت من البقاء على قيد الحياة لملايين من السنين على كوكب الأرض.
في الواقع، معظم أشكال الحياة على الأرض التي نراها اليوم هي تقريبًا في نفس عمر فصيلتنا.
فإذا فكرت في الحياة ككتابٍ كبيرٍ غير منتهٍ، فإننا الآن ننظر فقط إلى الصفحات القليلة الأخيرة من كل فصل ومع ذلك نحن نخطئ ونعتقد بأننا نشاهد الصفحة الأخيرة من الكتاب.
لذا من الصائب الآن أن ندحض الصورة السابقة، ونقول بأنّ مسيرة التقدم والتطور على الأرض شبيهة بهذا الشكل:
قال تشاكرابارتي: «إنّها غطرسة وتمحور حول ذاتنا كبشر قولنا بأنّ النباتات والبكتيريا بدائية، وأننا هنا في لحظةٍ تطوريّةٍ راقيةٍ عنهم، لذلك نحن بشكلٍ خاصٍ مميزون عنهم. فكروا فينا جميعًا كأوراقٍ شابةٍ في شجرة الحياة القديمة والهائلة هذه. نحن كلنا مرتبطون بأفرعٍ غير مرئيةٍ، ليس فقط ببعضنا البعض بل بأقاربنا المنقرضين وأسلافنا التطوّريين أيضًا».
كما أضاف: «تخيل أننا كسمكةٍ صغيرةٍ في أعماق المياه. نعم، هذه السمكة تعلمت المشي والتحدث. ولكن ما زال هناك الكثير من التعلّم الذي يجب أن تفعله هذه السمكة بشأن معرفة من نحن، ومن أين جئنا بالتحديد!».
- ترجمة: أحمد حسين إبراهيم
- تدقيق: رند عصام
- تحرير: زيد أبو الرب
رابط فيديو TED:
