شهد عام 1957 إطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء (سبوتنيك 1)، وبعد ذلك توالت آلاف الأجهزة المُرسَلة حول مدار الأرض في رحلة لم يكن خيار العودة مطروحًا على الإطلاق لكثير منها، التي انتهى بها المطاف بعد استكمال مهامها قطعًا مهجورة، وقمامة تنتقل حول كوكبنا بسرعات عالية، ومخيفة قد تصل إلى 27 ألف كلم في الساعة، ما يؤدي إلى ظهور مزيد من الحطام نتيجة التصادم العنيف لهذه القطع غير المفيدة. بالتأكيد إن هذا الأمر يطرح مشكلةً خطيرة لعالم يعتمد على الأقمار الصناعية، والاتصالات، وإشارات الـ GPS، فعلى سبيل المثال دمر الحطام الفضائي أكثر من قمر صناعي نشط، وهو بلا شك نفس المصير الذي ستواجهه العديد من الأقمار الأخرى مستقبلًا.

للأسف لم نتوصل إلى حل مثالي حتى الآن، لكن ثمة بعض الطرق لإزالة بعض الأجسام منتهية الصلاحية التي تدور في الفضاء كإرسال تعليمات للأقمار الصناعية القديمة، والسفن الخارجة عن الخدمة بالهبوط في جزء بعيد من جنوب المحيط الهادئ، وهو ما ظلّت تفعله وكالات الفضاء منذ نحو نصف قرن حتى الآن.

تشتهر منطقة الهبوط هذه باسم «مقبرة المركبات الفضائية»، التي تحتوي على مكان جغرافي مهم جدًا يُعرف باسم «نقطة نيمو» وهو أبعد بقعة عن اليابسة على كوكب الأرض، ويقع على بعد نحو 4023 كيلومترًا شرق نيوزيلندا بالقرب من ثلاثة جزر نائية: «دوسي» و «موتو نوي» و«ماهر». لذلك من المطمئن عند إرسال مركبة فضائية إلى هناك أن احتمالات اصطدامها بشخص، أو حتى قارب عابر ضئيلة جدًا.

استقبلت المقبرة أول مركبة فضاء خارجة عن الخدمة عام 1971، وبعدها دُفنت أكثر من 260 مركبة أخرى هناك، وأغلبها من أصل روسي لكن الأشهر على الإطلاق، وأكثرها هيبةً محطة «مير» التابعة للاتحاد السوفييتي، وسلف محطة الفضاء الدولية، التي عُدّت أكبر الأقمار الصناعية آنذاك، وحلّقت حول الأرض بين العام 1986 و2001، وكانت محطة مير في حالة غير صالحة لأداء المهمات الفضائية عندما تلقّت تعليمات بالهبوط قرب نقطة نيمو في مارس 2001، فقد تفككت في أثناء هبوطها عبر الغلاف الجوي للأرض، واحترقت العديد من مكوّناتها في هذه العملية، ولم يتبقَ منها عدا ستة أجزاء رئيسية تبعثرت عبر مساحة واسعة من قاع البحر، وحدث نفس الشيء للمركبة الفضائية الأوروبية «جول فيرن، وسفينة الشحن الروسية «بروجروس»، وعدد لا يحصى من المركبات القابعة في مقابر أعماق البحار.

بالتأكيد تتطلب قيادة مركبة فضائية غير مأهولة للهبوط في مكان معيّن الكثير من المهارة والحسابات الدقيقة، فيجب أن تظل وكالات الفضاء على اتصال دائم بسفنها من أجل إرسال تعليمات إرشادية، بيد أن فقدان الاتصال، والسيطرة على المركبة يؤدي حتمًا إلى فقدان التكهن بمكان هبوطها.

مثال على ما سبق ما حدث لمركبة «سكاي لاب» التابعة لناسا إبان سباق الفضاء بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، فقد هبطت على نحو غير متوقع في غرب أستراليا عام 1979، وقد شهد نفس المصير مختبر الفضاء الصيني «تيانجونج 1» بعد توقفه عن العمل في مارس 2016، لكنه خرج عن السيطرة بعد دخوله الغلاف الجوي للأرض، وتحطّم في 1 أبريل 2018، جنوب المحيط الهادئ ليس ببعيد عن نقطة نيمو، ما أثار استغراب الصحافة التي وصفت مكان السقوط بـ «المصادفة المدهشة».

المثير للاهتمام أن ناسا تخطط لإغراق محطة الفضاء الدولة في مياه نقطة نيمو عام 2031، بعد 30 عامًا من دخولها الخدمة، ولكنها تتوقع إمكانية بقائها في حالة جيدة حتى يحين أوان دفنها في مقبرة المركبات الفضائية.

اقرأ أيضًا:

مخلفات فضائية كانت على وشك الاصطدام بالمحطة الفضائية الدولية لولا تغيير المدار

لماذا لا تحترق المركبات الفضائية كما يحدث للنيازك عندما تدخل الغلاف الجوي؟

ترجمة: رضوان بوجريدة

تدقيق: ميرفت الضاهر

مراجعة: نغم رابي

المصدر