كان لنهر النيل دور كبير في ازدهار الحضارة المصرية ونموها، فقد ساهم في تخصيب التربة الزراعية، واستخدمه المصريون في نقل المواد والبضائع. يعرض المقال التالي أهمية نهر النيل في حياة المصريين القدماء.

عندما كتب المؤرخ اليوناني هيرودوت أن «مصر هبة النيل»، كان يشير إلى النهر الذي شكلت مياهه ركيزةً أساسية في نهوض إحدى أقدم حضارات العالم وأعظمها.

في الماضي وفّر نهر النيل –الذي يتدفق شمالًا مسافة 6695 كم من وسط إفريقيا حتى البحر المتوسط- لمصر التربة الخصبة ومياه الري، وشكّل أيضًا وسيلة لنقل مواد البناء. ساهم نهر النيل بدور محوري وساعد على ازدهار مدن كانت لتقبع في وسط الصحراء.

ليستفيد الناس –الذين عاشوا على طول ضفتي نهر النيل- من النهر، كان عليهم التوصل لطريقة تمكنهم من التعامل مع فيضان النهر السنوي. فطوروا مهارات وتقنيات جديدة من الزراعة حتى بناء السفن. أسهم نهر النّيل أيضًا في بناء الأهرام، تلك الصروح الرائعة الشاهدة على حضارة المصريين. وبعيدًا عن المسائل اللوجستية، أثر النهر تأثيرًا عميقًا في نظرة المصريين القدماء لأنفسهم، وصياغة دينهم وثقافتهم.

كتبت ليزا سالادينو هاني، من متحف كارنيجي للتاريخ الطبيعي في بيتسبرغ: «يشكل نهر النيل شريان حياة مهم لدوره في جلب الحياة إلى الصحراء حرفيًا». ويقول عالم المصريات توبي ويلكينسون في كتابه «النيل» الذي صدر عام 2012: «من دون نهر النيل ما كانت مصر لتوجد».

النيل مصدر التربة الغنية الخصبة

اشتُق اسم نهر النيل من الكلمة الإغريقية (Nelios) التي تشير إلى وادي النهر، وأطلق المصريون القدماء على النهر اسم آر أو أور، الذي يعني «الأسود»، في إشارة إلى طمي النيل الذي حمله النهر شمالًا ليوزعه على الضفتين كل عام في موسم الفيضان. حوَّل فيضان نهر النيل والطمي وادي النيل إلى أرض زراعية خصبة، وسمحا للحضارة المصرية أن تنبثق ويبزغ نجمها في وسط الصحراء.

كتب عن ذلك باري جي كيمب في كتابه «مصر القديمة: دراسة حضارة»: «حوَّلت طبقة الطمي الغنية في وادي النيل أعجوبة جيولوجية ونسخة مطابقة لغراند كانيون -الأخدود العظيم في أمريكا- إلى بلد زراعي آهل بالسكان».

بلغت أهمية نهر النّيل درجة كبيرة عند المصريين القدماء، إذ بدأ تقويمهم العام في الشهر الأول من الفيضان. رفعت الديانة المصرية منزلة نهر النيل، إذ عظّمت إله الفيضان والخصوبة «حابي» الذي صوره المصريون القدماء بصورة رجل ممتلئ أزرق اللون.

كان المزارعون في مصر القديمة من أوائل الجماعات التي مارست الزراعة على نطاق واسع، إذ زرعوا المحاصيل الغذائية كالقمح والشعير إضافةً إلى المحاصيل المستخدمة في الصناعة، كالكتان الذي يدخل في صناعة الملابس. ولمزيد من الاستفادة من مياه النهر، ابتكر المصريون نظام الري بالأحواض، إذ شقوا شبكة من القنوات التي توجه مياه الفيضان إلى الأحواض، حيث ستظل شهرًا حتى تتشبع التربة بالمياه وتصبح جاهزة للزراعة.

كتب آرثر جولد شميدت، الأستاذ بجامعة ولاية بنسلفانيا ومؤلف كتاب «موجز لتاريخ لمصر»: «إنه أمر بالغ الصعوبة، أن تكون الأرض التي تسكنها وتزرع عليها محاصيلك معرضة للغرق بسبب الفيضان شهري أغسطس وسبتمبر من كل عام، وكان ذلك حال نهر النيل قبل بناء السد العالي في أسوان. تطلب شق القنوات وإنشاء الأحواض والقناطر لاستخدامها في نقل مياه النهر وتخزينها الكثير من البراعة، والكثير من التجارب والمحاولات».

ووضع المصريون مقاييس النيل، ليتمكنوا من الاستعداد للفيضان، أو لانخفاض مستوى النهر ما قد ينتج عنه تراجع المحاصيل، وهي أعمدة حجرية مزودة بعلامات تشير إلى مستوى المياه.

استغلال المصريون النهر وسيلةً للنقل

إضافة إلى دوره في دعم الزراعة ونموها، مثّل نهر النّيل للمصريين القدماء وسيلة مهمة للنقل، فبنوا السفن، وقوارب خشبية كبيرة بأشرعة ومجاديف قادرة على قطع مسافات طويلة، وزوارق أصغر مصنوعة من نبات البردي مع هياكل خشبية.

نهر النيل جزءًا من الهوية

ترى «هاني» أن نهر النيل أثر في طريقة تفكير المصريين بشأن الأرض التي عاشوا فيها. قسم المصريون القدماء عالمهم إلى «كيميت» أي «الأرض السوداء»، وهي الأرض قرب وادي النيل حيث توجد المياه والطعام الكافيين لازدهار المدن ونموها، و«دشرت» أي «الأرض الحمراء» وهي المناطق الجافة والحارة. ربط المصريون القدماء وادي النيل والواحات بالحياة والوفرة والنمو، في حين ارتبطت الصحارى بالموت والفوضى.

أدى نهر النيل دورًا مهمًا في بناء المدافن الأثرية كهرم الجيزة الكبيرة. تذكر بردية قديمة إنشاء الهرم الكبير وتتحدث عن الطريقة التي نقل بها العمال القطع الضخمة من الحجر الجيري على قوارب خشبية بامتداد نهر النيل، ثم إرسال هذه القطع عبر نظام من القنوات إلى موقع تشييد الهرم.

اقرأ أيضًا:

اللغز وراء تدفق نهر النيل لـ 30 مليون سنة قد حل أخيرًا

حقائق عن نهر النيل

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: يمنى عيسى

المصدر