ميشيل دو نوستردام (Michel de Nostredame) أو المعروف أكثر باسم نوستراداموس (Nostradamus)، هو فيزيائي ومنجم فرنسي معروف على صعيدٍ واسع.

بقي نوستراداموس مشهورًا بعد أكثر من أربعة قرون من موته بسبب كتابٍ نشره سنة 1555 على وجه الخصوص يحمل عنوان “قرون”، وهي مجموعة من الرباعيّات ــ نوع من أنواع الشعر ــ يُعتقد أنها تتنبأ بالمستقبل.

بالاعتماد على المصدر الذي تختاره للاطلاع عليه، يُنسب إلى نوستراداموس التنبؤ الدقيق بقصف مدينة هيروشيما اليابانية سنة 1945 بالقنبلة النووية؛ حادثة المكوك الفضائي تشالنجر سنة 1986؛ الثورة الفرنسية في 1789؛ النزول على سطح القمر سنة 1969؛ موت الأميرة ديانا في 1997، وكذلك اندلاع الحربين العالميتين، وأمور أخرى.

في الحقيقة، سيصعب عليك أن تذكر حدثًا عالميًا كبيرًا لم يقل عنه أحدهم أن نوستراداموس قد قام بالتنبؤ به.

نوستراداموس وأحداث 11/9:
من أشهر الادعاءات في العشرين سنة الأخيرة هي تلك التأكيدات على تنبؤ نوستراداموس بالهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001.

انتشرت القصة بشكلٍ واسع أواخر تلك السنة، ولاتزال ذات شعبية واسعة حتى يومنا هذا.

وانتشر هذا البيت الشعري من أعمال نوستراداموس على الإنترنت على وجه الخصوص:

“سيسقط طائران حديديان من السماء على العاصمة،

ستحترق السماء في من منطقة تقع على درجة خمسة وأربعين

النار تقترب من المدينة الجديدة العظيمة

على الفور ينطلق لهيبٌ ضخم ومشتت

خلال أشهر، ستمتلئ الأنهار بالدماء

سيجوب الموتى الأحياء الأرض لمدة من الزمن”.

هل يمكن اعتبار “طائران حديديان” على أنهما طائرات؟ هل من الممكن أن تكون نيويورك هي “العاصمة” التي تقع في حوالي الدرجة أربعين شمالًا؟ الكثيرون ظنوا ذلك؛ لكن كُشف في وقتٍ لاحق بأن تلك الأبيات هجينة في الحقيقة من أبيات نوستراداموس الفعليّة، ولم يكن ذلك لأن الأبيات لم تأتِ على شكل رباعيَّات، لكن جملة “طائران حديديان” كانت تنبئية فعلًا، لأن الحديد المناسب للطائرات لم يُبتكر حتى سنة 1854 ــ أي بعد حوالي 200 سنة من وفاة نوستراداموس.

وفي بيت آخر نجد:

“في مدينة الله ستكون عاصفة عظيمة

تتمزق أوصال أخوين بالفوضى حيث يقاوم الحصن

القائد العظيم سيستسلم

ستبدأ الحرب الثالثة الكبرى عندما تحترق المدينة الكبيرة

– نوستراداموس 1654”

بأخذ موت نوستراداموس سنة 1566 في عين الاعتبار، أي قبل ثمانية وثمانين سنة من كتابة هذه الرباعيّات المزعومة، ستكون قطعة جديرة بالملاحظة دون شك.

لقد نُشرت في الحقيقة في موقع كندي كجزءٍ من تجربة لمعرفة سهولة خلق تنبؤات تبدو مهمة باستخدام صورٍ مبهمة.

من السَّاخر حقًا أن تتحول تجربة تشكيكية في جوهرها ضد التنبؤ إلى شيءٍ يُنشر على أنه حقيقة.

في سنة 2007 قام جون هوج (John Hogue) كاتب لعديد من الكتب حول تنبؤات نوستراداموس، بالإعلان عن أن السنة القادمة ستأتي بمجاعة عالمية قد تقتل الملايين من البشر، إذ كانت كلماته: “حقبة الجامعة العالمية التي تنبأ بها نوستراداموس ستبدأ في سنة 2008.”

توقع حدوث المجاعة العالمية لم يكن صحيحًا (لحسن الحظ) وكان من بين الأشياء الكثيرة التي لم تتجسد على أرض الواقع، لكن التنبؤات الخاطئة تشير إلى جانبٍ آخر من أعمال نوستراداموس: لا وجود لاتفاق عام على ما يعنيه الرجل بأشعاره.

كتب نوستراداموس أعماله بلغة فرنسية وسيطة -مرحلة سابقة للفرنسية الحديثة انتشرت ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر- باستخدام كلمات مبهمة، استعارات ومراجع مؤرخة غامضة.

هناك العشرات من النسخ المترجمة لكتابه “القرون”، مع العديد من الاختلافات في الجمل والكلمات المستخدمة.

هذا التنوع الواسع في الترجمات يساعد على جعل التنبؤات “صحيحة”، فإذا لم تدعم ترجمة واحدة الدليل التاريخي، قد تكون ترجمة أخرى في مقامٍ أفضل لدعمه.

في غالب الأحيان لا يتفق الدارسون لنوستراداموس على حقيقة ما أراد الرجل إيصاله.

العديد من التنبؤات كانت نتاجًا لجهلٍ بسيط باللغة أو بالتاريخ أو بكليهما.

على سبيل المثال، يتم تفسير جزءٍ من أعمال نوستراداموس على أنه إشارة لآدولف هتلر “المعركة الرئيسية يجب أن تكون قريبة للـهستر، يجب عليه أن يجرّ الأعظم إلى قفصٍ حديد، في حين يجب على الألمان أن ينظروا إلى الراين الرضيع.”

نلاحظ ذكر ألمانيا، وحرب، وكذلك هستر (والتي تبدو للآذان كـ هتلر اليوم): قوى تنبؤية رائعة صحيح؟ في الحقيقة، لا؛ فـ “هستر” المذكورة آنفًا (والتي يمكن ترجمتها إلى “إستر” أو “إيتر”) ليس اسمًا آخر لأدولف هتلر أو أي شخص آخر؛ فهومن أسماء نهر الدانوب الأدنى، وهي كلمة استخدمها نوستراداموس كذلك في عمله “التقويم” المنشور سنة 1554.

في كتابه المعنون “التنبؤات الكاملة لنوستراداموس” يطرح هنرس س.روبرتس (Henry S. Roberts) الترجمة التالية لكتاب القرن الثامن :

“في كوندون وأوكس، وحول ميراندا

أرى نارًا من السماء تحيط بهم.

صول (Sol)، مارس (Mars)، في اقترانٍ مع الأسد، ثم مارماند بعد ذلك.

برق، حرب عظيمة، مياهٌ تسقط في الغارون”.

ما الذي يعنيه كل ذلك؟ قد تشير صول ومارس إلى الشمس والمريخ (وربما لا).

كوندون وأسماء العلم الأخرى تشير إلى أماكن (على الأرجح).

والنار من السماء قد تكون أي شيء من مذنب إلى شمسٍ متفجرة.

ما الذي فعله روبرتس بهذه الكلمات في رأيك؟

إذا كنت تفكر في اتصال مع كائنات فضائيَّة، فأنت على صواب؛ فطبقًا لتفسير روبرتس “النار من السماء” تشير إلى سفينة فضائية تحط على الأرض وسط حربٍ عظيمة.

وبما أن التاريخ لم يذكر في الأبيات فقد يحصل الأمر مستقبلًا طبعًا، أو ربما يُشير ذلك إلى مذنب هالي الذي يظهر مرة كل 75 سنة، والذي ظهر من دون شك في سنوات الصراع، أو أي شيء آخر يمكن استنتاجه من الكلمات.

رغم اعتباره متنبئًا على نطاقٍ واسع، يجد العديد من الذين درسوا أعمال نوستراداموس أن معظم التنبؤات الرائعة المنسوبة إليه ليست سوى نتيجة لجهل تاريخي ولغوي من الأشخاص الذين ترجموا أعماله.

في كتابة المعنون “نوستراداموس: الرجل، الخرافة والحقيقة” يستنتج بيتر ليميسوريه (Peter Lemesurier) اللغوي والكاتب السابق لجامعة كامبريدج والذي له العديد من الكتب حول العرّاف الفرنسي، أن نوستراداموس لم يكن طبيبًا ولا منجمًا، ولا حتى متنبئًا (حسب أقواله).

لقد آمن فحسب أن التاريخ يعيد نفسه، وهكذا قام بإعادة بعث الأحداث السابقة في المستقبل.

ويرثي ليميسوريه في هذا الصدد: “معظم الذين يقومون بمثل هذه التوقعات -بمن فيهم الكُتّاب الناطقين بالإنجليزية للعديد من الكتب الشعبية في هذا الموضوع- لا يعلمون شيئًا آخر حول نوستراداموس، والنصوص أو حتى اللغة الفرنسية للقرن السادس عشر التي كُتبت بها تلك الأعمال.

القليل منهم رأوا النصوص الأصلية، كما أن القليل منهم كذلك يجيد من الفرنسية ما يكفي… وكنتيجة لذلك تعتبر التوقعات هذه حصيلةً لعدم قراءة ما تعنيه تلك النصوص فعلًا، بل هي عبارة عن تحريفٍ لكلماتٍ بفهمٍ محدود دون خجل وبأثر رجعي لكي تناسب الأحداث المقترحة، أو في بعض الحالات يتم حتى تحريف الأحداث لتناسب الكلمات”.

قام نوستراداموس بصياغة رباعيّاته بمصطلحات مبهمة ليقرأ الناس أي شيءٍ يريدونه فيها.

لم يقم نوستراداموس بوضع توقعات في الحقيقة (عبارات تشير إلى أحداث معلومة قبل حدوثها)؛ لكن بدل ذلك قام بصياغة نصوص بعد-بيانيَّة (عبارات تبدو وكأنها تتحقق على أرض الواقع بعد وقوع الأحداث).

إذا ما تنبأ نوستراداموس بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، الحرب العالمية الثانية، أو حادثة المكوك تشالنجر، على سبيل المثال، كان من المفروض أن يعلم بهم العالم قبل عقود (بل قرون) من حدوثهم.

التنبآت التي تبدو واقعية بعد وقوع الأحداث بالفعل لا تعتبر تنبؤات على الإطلاق.

سواء أكانت أعماله دقيقة أم لا، وبالنسبة لرجلٍ لم يكتب شيئًا منذ قرابة الـ 400 سنة حتى الآن، فإن أعمال نوستراداموس وسِيَرهُ الذاتيَّة ستواصل الظهور دون تباطؤ.


  • ترجمة: وليد سايس
  • تدقيق: جعفر الجزيري
  • تحرير : رغدة عاصي
  •  المصدر