روبوتات مقهى داون في العاصمة اليابانية طوكيو تُقدم فرص عمل للأشخاص الذين يواجهون صعوبة في العمل خارج المنزل.

في أحد مقاهي مدينة طوكيو، يُرحب المدعو ميتشيو إيماي بأحد الزبائن، لكن ليس شخصيًا، كونه يتواجد على بُعد مئات الكيلومترات من المقهى، بل يلقي التحية بواسطة إدارته لما يدعى (نادل آلي) يتحكم به عن بُعد، جزء من تجربة تهدف إلى تحقيق مفهوم التوظيف الشامل لجميع فئات المجتمع.

نُدل مقهى داون الآلية مُصممة لتكون أكثر من مجرد فكرة عمل ذكية تجذب الانتباه، إذ أنها توفر فرص عمل لمن يواجهون صعوبة في العمل خارج المنزل.

على منضدة بالقرب من مدخل المقهى يوجد نادل آلي أبيض يشبه البطريق الصغير يلتفت للزبائن برأسه ويلوح بأطرافه مُرحبًا وينادي: «مرحبًا، كيف حالكم؟».

على بعد 800 كيلومتر من المقهى يتحكم المدعو إيماي بهذا النادل من منزله في مدينة هيروشيما، وهو واحد من خمسين موظف يعانون من إعاقات بدنية وذهنية يعملون على إدارة طاقم الروبوتات من منازلهم.

في يونيو 2021 وفي حي نيهونباشي وسط العاصمة طوكيو افتتح المقهى أبوابه للزبائن ويعمل على إدارته عن بعد أشخاص يعيشون في اليابان وخارجها، إضافة إلى موظفين يمارسون عملهم داخله.

كان من المفترض افتتاح المقهى العام الماضي تزامنًا مع الألعاب البارالمبية، طوكيو 2020، لكن تسببت تداعيات جائحة كورونا في تأجيل الموعد كما هو حال الألعاب البارالمبية.

يوجد نحو 20 روبوتًا بعيون لوزية الشكل على الطاولات وغيرها من الأماكن في المقهى الذي لا يوجد به أدراج ومُصَمم بأرضية خشبية متناسقة وكبيرة بما يكفي لتناسب الكراسي المتحركة.

الآلآت التي تسمى أوريهيم-OriHime مجهزة بكاميرات ومايكروفون وسماعة تسمح لمُشَغليها التواصل مع الزبائن عن بعد.

يسأل أحد الروبوتات: «هل يمكنني معرفة طلبك؟» عارضًا حاسوبًا لوحيًا به قائمة طعام تشمل البرغر والكاري والسلطة.

بينما يتحدث الزبائن مع مُشَغلي الروبوتات (العاملين عن بعد)، تتناوب على تلبية طلبات المشروبات أو تحيي الزبائن عند المدخل إصدارات أكبر حجمًا من روبوت الأوريهيم تشبه البشر نوعًا ما تسمى هيومان اويد-Humanoid.

حتى أنه يوجد روبوت يرتدي مريولًا بُنيًّ اللون عند حانة الشراب يمكنه صنع القهوة مستخدمًا مكبس القهوة الفرنسي.

نُدل طوكيو الآلية تُقدم رؤية جديدة لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة مهنيًا في المجتمع - ما الخدمات التي يقدمها مقهى داون لذوي الاحتياجات الخاصة

جزء من المجتمع

تُعد الروبوتات وسيطًا يتواصل عبره العاملون مع الزبائن.

«أتبادل الحديث مع زبائني في شتى أمور الحياة من الجو إلى مسقط رأسي وحتى عن حالتي الصحية، طالما أنا على قيد الحياة، أريد تقديم شيء للمجتمع، أشعر بالسعادة إذا استطعت أن أكون عنصرًا فعّالًا فيه». هذا ما قاله إيماي الذي يعاني من (اضطراب العَرَض الجسدي) ما يجعل خروجه من المنزل أمرًا شديد الصعوبة.

يعاني الأشخاص الذين يديرون الروبوتات من إعاقات مختلفة، البعض يعانون من التصلب الجانبي الضموري ويستخدمون حركة العين للتحكم في لوحة رقمية مخصصة لإرسال الإشارات إلى الروبوتات.

هذا المشروع وَليد أفكار رائد الأعمال كينتارو يوشيفوجي-Kentaro Yoshifuji الذي أسس شركة مختبر اوري- Ory Laboratory الصانعة للروبوتات العاملة في المقهى.

بعدما عانى من نوبة مرضية جعلته عاجزًا عن الذهاب إلى المدرسة، بدأ يوشيفوجي التفكير بإيجاد طريقة لجعل الناس يعملون حتى لو كانوا عاجزين عن الخروج من المنزل.

قال الشاب الذي يبلغ من عمره 33 عام: «كنت أفكر كيف سأتيح للناس في منازلهم خيارات العمل عندما يريدون ذلك، هذا هو المكان المناسب الذي يسمح للناس بالمساهمة الفعّالة في المجتمع».

أنشأ يوشيفوجي المقهى بدعم من شركات كبرى وحملات تمويل جماعي، وبالنسبة له فإن تلك التجربة تتخطى في أهدافها الروبوتات نفسها بمراحل، فهي تستهدف دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع.

يُصَرح كينتارو يوشيفوجي لوكالة فرانس برس: «لا يأتي الزبائن من أجل مقابلة روبوتات أوريهيمي فحسب، يوجد وراء أوريهيمي من يديرها عن بعد من ذوي الاحتياجات الخاصة، ما سيجعل الزبائن يعودون لرؤية هؤلاء الأشخاص مجددًا».

المزيد من الدمج

تزامن افتتاح المقهى مع الألعاب البارالمبية في 24 أغسطس 2021، ما جعل المدافعين عن ذوي الاحتياجات الخاصة يتحاورون حول مدى تقدم اليابان في الدمج المجتمعي لهذه الفئة وإتاحة الفرص لهم.

منذ فَوز طوكيو بشرف تنظيم دورة الألعاب البارالمبية واستضافتها عام 2013، وهي تَبذل كافة الجهود لجعل المرافق العامة متاحة للجميع، لاسيما ذوي الاحتياجات الخاصة.

يقول سيجي واتانبي وهو رئيس مؤسسة غير ربحية معنية بدعم توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة: «دعم الدمج المجتمعي لهذه الفئة في اليابان ما زال محدودًا».

من الجدير بالذكر أن الحكومة اليابانية عَدّلت اللوائح لرفع الحد الأدنى الإلزامي لنسبة العاملين من ذوي الاحتياجات الخاصة في الشركات من 2.2٪ إلى 2.3٪.
وقال واتانابي لوكالة فرانس برس: «تُعد نسبة التوظيف هذه ضعيفة ومنخفضة جدًا، والشركات اليابانية لا تبادر من تلقاء نفسها إلى تبني ثقافة توظيف موارد بشرية متنوعة».

قال مامورو فوكايا أنه وابنه البالغ من العمر١٧ عامًا يستمتعان بقضاء وقت الغداء في مقهى داون.

وعلق الرجل الذي يناهز من العمر 59 عامًا قائلًا: «كان العامل الذي يدير الروبوت عن بعد في غاية الوِد، ونظرًا لقوله إنه لا يستطيع العمل خارج المنزل، فمن الرائع أن يتاح له هذا النوع من فرص العمل».

حاليًا يُرَكّز يوشيفوجي على مشروع المقهى، لكنه يظن بأن الروبوتات يُمْكنها يومًا ما جَعْل الألعاب البارالمبية أكثر شمولية لجميع فئات المجتمع ومن بينهم ذوي الاحتياجات الخاصة.

وأردف قائلًا: «لعله من الممكن في يوم من الأيام القيام بألعاب بارالمبية جديدة لأولئك الذين يلازمون الفراش، بل يمكننا حتى إنشاء رياضات جديدة تمامًا، سيكون الأمر مثيرًا».

اقرأ أيضًا:

ارتداء الملابس بمساعدة الروبوتات

حين تسرق الروبوتات وظائفنا، من سيكون أكبر الخاسرين؟

ترجمة: مي مالك

تدقيق: علي الطريفي

مراجعة: مازن النفوري

المصدر