الكثير من الناس الذين يجدون الرياضيات شاقّة نوعًا ما ومن لا يجدونها كذلك أيضًا، هذا المقال موجّهٌ إليكم.

ماذا يخطر لكَ عندما تفكّر في الرياضيات؟

ربما تفكر بإحداثيات المحور (X) أو أحداثيات المحور (Y)، أو ربما بالكسور المستعصية أو التمارين الغير مفهومة المقدّمة على شكل قِصص.

رسام الكاريكاتير غاري لارسون (Gary Larson) صوّر في أحد المرّات مكتبة الجحيم على شكل مجلدات عملاقة من المسائل القصصية على سبيل المثال: “إذا غادر قطار نيويورك…”

“لقد تم تدريبي كعالم رياضيات وسأطلعك على سر المهنة”: هذا ليس ما تقوم عليه الرياضيات ولا تنتمي له، صحيحٌ أنّ الرياضيات غالبًا تتضمن حلًا للمشاكل، لكن يجب علينا التركيز على متعة حل الألغاز أكثر من حفظ القواعد.

أنا أدعوك أن ترى نفسك كحلّال للمشاكل أو كخبير رياضيات، كما أودّ أن أقدم لك الرجل الذي دعاني إلى حل المشاكل: جورج بوليا (George Pólya)، ومن أجل عدة أسباب؛ أولها أنّ بوليا توفي في عام 1985 فإنك ستتعرف عليه كما تعرفت عليه أنا من خلال كتابه “How to Solve It” الذي كتبه في عام 1945، بِيعت من هذا الكتاب حوالي مليون نسخة وتُرجم إلى 17 لغة، وكعالم رياضيات عمل بوليا على نطاق واسع من المسائل بما فيها دراسة الاستدلالات، أو كيف تقوم بحل المسائل.

عندما تقرأ كتابه “How to Solve It” تشعر وأنك تذهب مع دليل سياحي في عقل بوليا، ذلك لأن كتاباته توصف بأنها وراء معرفية -أي أنه يكتب عن التفكير في طريقة التفكير، وتسمى (metacognition) حيث أنها تُعتبر جوهر حلّ المسائل.

تنقسم خطة بوليا في حل المسائل إلى أربعة خطوات:

  1. تأكد أنك فهمت المسألة جيدًا.
  2. ضع خطة لحل المسألة.
  3. نفّذ الخطة.
  4. تحقق من حلك باختبار إجابتك.
  5. وبذلك يكون حل المسائل في متناول يديك، اختصرت الرياضيات في أربع خطوات.

لدينا أحد المسائل التقليدية من أبحاث تعليم الرياضيات المقترحة من قبل (Jean Lave)، لنفترض وجود رجل اسمه جون يقوم بصنع 3/4 وصفة ما، تحتاج إلى 2/3 كوب جبنة، ماذا فعل جون برأيك؟ وماذا من الممكن أن تفعل أنت؟

إذا كنت تفكر مثلي فإنك غالبًا ستبدأ بالانغماس في الحسابات، ربما ستعاني قليلا مع الكسور وأنت تحاول تذكر قواعد الحساب، هذا ما بدا أنه ما سيفعله جون في البداية حتى خطرت له الفكرة!

قام جون بوزن 2/3 كوب من الجبن ثم ألقاها على لوح التقطيع وثناها على شكل دائرة ورسم داخلها خطوطًا، أحدها عموديًّا والآخر أفقيًّا ليقسم فطيرة الجبنة إلى أربعة أقسام ثم قام بحذر بإعادة أحد أرباع الجبنة إلى العلبة، وبذلك حصلنا على ثلائة أرباع من 2/3 من كوب الجبنة المتبقي.

جون هو خبير رياضيات وحلّال مسائل أيضًا، في البداية فَهم المسألة حيث احتاج 3/4 مما كانَ مطلوبًا في الوصفة والذي هو 2/3 كوب جبنة، ثم وضع خطة لحلّ هذه المشكلة، أي أنّه وضع تصورًا في عقله لكيفية قياس الجبنة وتقسيمها، ثم أخيرًا نفّذ الخطة. هل تحقق جون من جوابه؟ يبقى ذلك غير واضحًا، وبإمكاننا التحقق من فعاليّة حله، هل حصل في النهاية على نسبة ثلاثة أرباع من 2/3 كوب الجبنة؟ نعم لأن الكمية بالكامل قد نقصت بمقدار الربع ليبقى منها ثلاثة أرباع.

اقتراحٌ آخر:

هل يمكنُ أن ينفع هذا الحل مع أنواع الطعام والوجبات الأخرى؟ نعم طالما أنه يمكن للشخص أن يقسمها إلى أربعة أرباع.

ولكن هل يمكن أن نحل المشكلة بطريقة مختلفة وهل نصل إلى النتيجة نفسها؟

بالطبع هناك الكثير من الطرق لحل هذه المشكلة ويجب أن تصل جميعها إلى النتيجة نفسها، وهذه واحدة منها: لاحظ أنّ هذا الحل يستخدم الصور، وقد أثبتت أبحاث الدماغ الجديدة ما يقوله خبراء الرياضيات منذ عقود أن الصور تساعدنا في التفكير والرسومات هي أيضًا أحدُ اقتراحات بوليا. وقد استخدم جون أحدَ أهمّ اقتراحات بوليا فهل يمكنك أن تفكّر بحلولٍ أخرى؟

بطبيعة الحال هذه المشكلة تعتبر سهلة (للأسف لم أستطع مقاومة الوصف) والتي تعتبر شكوى شائعة من المسائل القصصية، وقد اخترتها لأنها أبهرت الباحثين لسنوات، ولأن جون كان ذكيًا في اختيار حله كما أنه خبيرٌ جدًا في الرياضيات.

لقد قمت بتعليم الرياضيات وأيضًا كيفية تعليمها لمدة 30 سنة تقريبًا، ولحوالي عشر سنوات كانت مهمتي أن أقنع طالب السنة الأولى في المدرسة الثانوية بأهمية الجبر وبالقيمة العالية لها، وقد قابلت في عملي الكثير من الناس منهم من يحب الرياضيات ومنهم من يجدها صعبة جدًا وبلا معنى، لذلك فإنّ جزءًا مهمًّا من عملي أن أساعد الناس على رؤية الجانب الجميل والمدهش في الرياضيات، وأن يفكروا في أنفسهم كخبراء رياضيين.

هذه الرسائل مهمة بشكل خاص بالنسبة للأهل الذين يساعدون أطفالهم على تعلّم الرياضيات، فإذا فهمت المشكلة فأنت في طريقك إلى حلها، نعم سوف تصبح قادرًا على حلّ المسائل.

وجميعًا يعلم أنّه ليس من السهل دائمًا حلّ المسائل، لكنّ بوليا فعلها وفي ذلك تكمن المغامرة الفوضوية والقويّة والرّائعة.


  • ترجمة: بتول حبيب
  • تدقيق: لؤي حاج يوسف
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر