تستعير غوغل من مفاهيم داروين لتحقيق قفزة نوعية في التعلم الآلي التلقائي ، ما قد يضع نهاية لمعظم التحيز البشري. فبرنامجها AutoML-Zero قادر على إنشاء خوارزميات جديدة تمامًا من الصفر في عملية تشبه التطور الدارويني. يعتقد علماء غوغل أن هذه القفزة في أبحاث التعلم الآلي التلقائي (اختصارًا AutoML) ستحدث ثورةً في هذا المجال، ما يتيح لغير الخبراء الاستفادة من إمكانيات التعلم الآلي. وذلك وفقًا لبحث نُشر في مارس 2020 على موقع ArXiv -موقع مختص بنشر الأبحاث التي لم تخضع بعد لمراجعة الأقران- ونُشر رسميًا في يوليو 2020.

التعلم الآلي صعب، فغالبًا ما تفشل الخوارزمية -وهي مجموعة الخطوات التي يتبعها الحاسوب لتنفيذ مهمة ما- في حالة معينة، أو لا تكون جيدة بما يكفي، ما يقود إلى عملية تصحيح أخطاء صعبة. والعثور على الخوارزمية المثالية قد تكون مهمة صعبة، فلا يمكن اختيار الخوارزمية المثالية ببساطة إذا لم تكن موجودة، وبعض الحلول ليست بديهية للعقل البشري. ما يعني أن عملية اختيار الخوارزميات وصقلها تكرارية ورتيبة إلى حد ما.

هنا تظهر الحاجة إلى التعلم الآلي التلقائي -أحد فروع البحث المختص بالطرق والعمليات التي تعمل على أتمتة التعلم الآلي- ليتمكن غير الخبراء أيضًا من جني فوائده.

وفقًا لغوغل، فإن فريقًا من علماء الحاسوب قد توصل إلى طريقة جديدة للتعلم الآلي التلقائي، إذ بوسعها إنشاء أفضل خوارزمية لمهمة معينة تلقائيًا، وفيما يلي شرح للفرضية:

بوسع نظام جديد (يُسمى AutoML-Zero) تكييف الخوارزميات مع أنواع مختلفة من المهام وتحسينها باستمرار، وذلك في عملية تطور تشبه الداروينية، تقلل من التدخل البشري المطلوب، ما سيقلل من محدودية النتائج التي نحصل عليها في النهاية، إذ يُدخِل البشر تحيزاتهم في الأنظمة، أي يبرمجون محدوديتهم الخاصة. لذا تحاول غوغل إنشاء سيناريو حيث يُمكّن الحاسوب التجول بحرية والإبداع إن جاز التعبير.

هكذا ستطور الخوارزميات ذاتها - هل التعلم الآلي التلقائي ممكن - كيف يمكن لخوارزميات تعلم الآلة أن تطور نفسها في المستقبل من تلقاء ذاتها

يقدم إستيبان ريال -مهندس برمجيات في فريق غوغل برين المعني بالبحث وذكاء الآلة، المؤلف الرئيس للبحث- تشبيهًا فيما قاله لمجلة Popular Mechanics: «بفرض أنك تهدف إلى بناء منزل، وكان لديك غرف نوم ومطابخ وحمامات مبنية مسبقًا، فستكون مهمتك سهلة الإدارة، ولكنك محدود أيضًا بالغرف الموجودة تحت تصرفك، أما إذا كنت ستبدأ بدلاً من ذلك بالقرميد والملاط، فستكون مهمتك أصعب، لكن مساحة الإبداع لديك أكبر. إذا كان كل ما تعرفه هو النمط الروماني، سيكون منزلك مليئًا بالأعمدة والفسحات السماوية، ولن تتمكن من ابتكار مبنى إمباير ستيت أو كنيسة سيستين، أما باستخدام القرميد فلست مقيدًا بأسلوب معين».

الاستغناء عن البشر والتحيز

سابقًا، اعتمدت الأبحاث على المدخلات البشرية كثيرًا، فمثلًا، يعتمد البحث في معمارية الشبكات العصبية -الذي ينمذج تصميم شبكة عصبونات كما يوحي الاسم- على طبقات معقدة يبنيها الخبراء بوصفها وحدات بناء للشبكة العصبية الجديدة. لكن على العكس، ففي AutoML-Zero، تُستخدم الرياضيات بدلًا من المكونات المصممة بشريًا، وتكون حجر الأساس للخوارزميات الجديدة.

إن اختيار اللغة والتمثيل في لغات البرمجة يسمحان بوجود التحيز، كما يقول أرماندو سولار ليزاما، أستاذ من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا غير مشارك في البحث، يقود مجموعة البرمجة بمساعدة الحاسوب في المعهد، التي تركز على أتمتة عملية البرمجة.

يقول لمجلة Popular Mechanics إن بحث غوغل الجديد يحاول معرفة كيف يمكن لغة بسيطة قائمة على الرياضيات أن تجعل الأشياء التي تكتشفها غير متحيزة باختيار اللغة، وفي هذا السياق، التحيز يعني الخيارات المحدودة.

لكن ريال والباحثين لا يزالون يؤكدون أن بعض التحيز سيبقى في البرامج رغم بذل أفضل الجهود، فحتى العمليات الحسابية المحددة التي اختاروها قد تحوي تحيزًا ضمنيًا بسبب المعرفة المسبقة للباحثين بخوارزميات التعلم الآلي.

الخوارزميات الجينية

لاكتشاف خوارزميات جديدة، يبدأ AutoML-Zero بمئة خوارزمية عشوائية أُنشِأت بمجموعة من العمليات الرياضية، ويبحث النظام بين الخوارزميات للعثور على أفضلها، التي ستنتقل إلى الخطوة التالية، على غرار عملية تمرير البشر للجينات المفضلة بمرور الوقت في لعبة البقاء للأصلح.

ثم يختبر النظام الخوارزميات على نوع من مهام التعلم الآلي، كتمييز الدراجات النارية عن الشاحنات التي تفعلها في اختبار ري كابتشا لتؤكد أنك لست روبوتًا، ويسجل فعالية كل خوارزمية في إتمام هذه المهمة، ثم يعدل أفضلها -يُدخل عليها طفرة- لبدء جولة أخرى.

ثم تجري مقارنة هذه الخوارزميات الجديدة -الأبناء- مع الخوارزميات الأصلية -الأم- لتحديد مدى تحسنها في أداء المهمة، وتتكرر العملية باستمرار حتى تفوز أفضل الطفرات وينتهي بها الأمر في الخوارزمية النهائية.

وفي النهاية، بوسع هذا النظام البحث في 10000 نموذج ممكن في الثانية، مع القدرة على تخطي الخوارزميات المرئية سابقًا، واستخدم الباحثون مجموعة بيانات صغيرة بدلًا من كميات أكبر وأكثر تعقيدًا من المعلومات، ما يجعل هذا العمل إثباتًا للمفهوم فقط.

هذا النموذج الذي يستخدمه AutoML-Zero هو ما يعرف بالخوارزميات الجينية التي ظهرت منذ الثمانينيات، ولكن استخدامها فشل في معظم الأحيان. ويقول ليزاما أن ذلك غالبًا لأن الخوارزميات الجينية هي الأفضل في البيئات غير المنظمة إذ لا يعمل أي شيء آخر، وغالبًا ما تؤدي إلى كود -تعليمات برمجية- غير قابل للقراءة يصعب إجراء هندسة عكسية له، وإضافةً إلى ذلك فهي تنتج أجزاء طويلة جدًا من التعليمات البرمجية.

ويقول ليزاما: «كلما طال الكود الذي تحاول توليده أصبح تسلل الأخطاء أسهل، قد يكون الفرق في هذا الجزء من الكود هو ما يجعله يفعل ما تريده بالضبط أو ألا يعمل إطلاقًا، وقد يكون هذا الفرق حرفًا واحدًا، وهذه مشكلة عامة في تركيب البرنامج».

ومع ذلك، فإن الخوارزميات الجينية منطقية في هذه الحالة، لأنك لا تريد تقليل خيارات الحاسوب.

مشكلة التوسيع

لقد طورت غوغل بالفعل لغة برمجة خاصة بها (Cloud AutoML) ما يسهل تدريب نماذج التعلم الآلي بأقل قدر من الخبرة البشرية، لكن AutoML-Zero تبدو خطوةً نحو مشاركة بشرية أقل.

مع ذلك، فإن توسيع نطاق هذه الطريقة سيكون تحديًا وفقًا لليزاما، لأن AutoML-Zero يستخدم الحساب بدل لغات البرمجة عالية المستوى، فلا توجد أي إرشادات لمساعدة النظام في التعامل بسرعة مع مشكلة واجهها في إصدارات سابقة، وبدلاً من ذلك يجب عليه إعادة اختراع العجلة في كل مرة، وليس هذا بحل أمثل.

لتجاوز قضية التوسع، يقترح ليزاما أن يتبنى الباحثون عقلية (فرق تسد) في العمل المستقبلي. فبفصل جزء من البرنامج عن جزء آخر، قد يحقق AutoML-Zero النجاح، إضافةً إلى ذلك، سيكون من الضروري إيجاد التوازن الصحيح بين الحساب المجرد بوصفه كتل بناء وبين التعليمات الأعقد التي بوسعها أداء مزيد من العمل، لكن هذا قد يؤدي إلى التحيز.

وفقًا لليزاما، إذا نجحت غوغل في توسيع نطاق النظام والسماح للآلات حقًا ببناء الخوارزميات، فقد يعني ذلك طريقة أسرع في تطوير التطبيقات وترجمة اللغة ومعالجة الفيديو، ما يعني أيضًا تمكين المطورين الصغار والشركات الصغيرة من الاستفادة من إمكانات التعلم الآلي دون الحاجة إلى توظيف فريق علم بيانات كامل أو الاستعانة بمصادر خارجية. ويقول: «القدرة على العثور على خوارزمية مضبوطة جيدًا ومعدة جيدًا لتطبيق معين تتعامل معه، سيكون أمرًا عظيمًا جدًا».

اقرأ أيضًا:

خوارزميات برمجية جديدة تساهم في تسريع معالجة البيانات ، لكن كيف ؟

ما مدى أهمية الخوارزميات في حياتنا؟

ترجمة: أناغيم أبو خضور

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر