كيف يمكنك رؤية شيء خفي؟ حسنًا، ربما يتمكن التليسكوب إقليدس Euclid من ذلك! سيضع التليسكوب المستقبلي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ESA خريطةً لبُنْية الكون، ليعلمنا الكثير عن المادة المظلمة الخفية، والطاقة المظلمة كذلك. يشرح لنا الفلكي هينك هويكسترا Henk Hoekstra المنسق العلمي لتليسكوب إقليدس، وأحد أربعة علماء مسؤولين عن إدارة المشروع، كيف يمكن تحقيق ذلك.

لماذا نفترض وجود مادة مظلمة إن كنا لم نرها أو نقسها سابقًا؟

يجيب هويكسترا: «نحن ندور حول مركز مجرتنا بسرعة 220 كيلومترًا في الثانية، إنها سرعة عالية جدًّا، ولحسن حظنا أننا لا نشعر بهذه السرعات. لكن يحدث شيء غريب؛ وفقًا لعدد نجوم مجرتنا، يجب أن تكون سرعات النجوم عند حافة المجرة أقل، لكن هذا لا يحدث؛ إذ تماثل سرعاتها سرعة الشمس مثلًا، لذلك لابد أن شيئًا ما يربطها معًا».

هكذا سيصور التليسكوب إقليدس المادة المظلمة - التليسكوب إقليدس Euclid - المستقبلي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ESA - المادة المظلمة الخفية

يضيف هويكسترا: «لا يوجد لذلك سوى تفسير واحد: شيء ما لا يمكننا رؤيته، هو ما يسبب هذا التأثير، إنها المادة المظلمة. أو قد تكون نظريات الجاذبية الخاصة بنا خاطئة. لكن كل شيء يشير إلى وجود مادة مظلمة، فقط لا يمكننا معرفة ماهيتها. ما نعرفه بالتأكيد أنها لا تمتص الضوء أو تتفاعل معه بأي شكل».

وهذا ما يجعلها خفيةً تمامًا. إذا لم يكن هذا غريبًا بما يكفي، فإننا نعلم تمامًا منذ عام 1998 أن الكون يتوسع بوتيرة متسارعة. ولا يفسر ذلك إلا وجود هذا المكون الغامض: الطاقة المظلمة، يشير هذا المصطلح إلى كم كبير من الأفكار التي يدرسها علماء الفلك والفيزياء الفلكية حاليًا.

لماذا نحتاج إلى التليسكوب إقليدس؟

لقد عرفنا بعض الأشياء عن المادة المظلمة، لكن لا يمكن التحقق منها بواسطة القياسات الحالية. لذا نحن في حاجة إلى استخدام طرق أفضل للقياس. هنا يأتي دور إقليدس، القمر الصناعي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، الذي سينطلق عام 2022 إلى مسافة تبعد 1.5 مليون كيلومتر من الأرض.

سيضع إقليدس خريطةً لثلث السماء، ما قد يمكِّننا من الأجابة عن أسئلة مثل: ما تأثير الجاذبية على تشكل هيكل الكون؟ كيف تُوزَّع المادة بأنواعها في أرجاء الكون؟ وكيف تتغير بمرور الوقت؟ يقول هويكسترا: «ستمكننا الإجابة عن السؤال الأخير من اختبار نموذج الطاقة المظلمة مباشرةً. سنبحث عن الكيفية التي تُشوِّه بها المادة المظلمة الفضاء».

يشبه الكون خزان مياه مملوء بعملات معدنية!

لكن كيف؟ يشرح هويكسترا: « تُشوِّه الكتل الفضاء والزمن حولها. ويمكن ملاحظة هذا التأثير، وإن لم نتمكن من رؤية المادة المظلمة. إذا وضعت عملة معدنية داخل خزان مملوء بالماء، ثم طرقت على الحاوية، فستتموج المياه وتتأرجح العملة. وعند التقاط عدة صور للعملة ستبدو مختلفةً في كل مرة. وبالمثل، يمكننا مقارنة تأثير الكتل على الزمكان.

لنفترض أن لديك الكثير من العملات المعدنية الدائرية، إذن يمكنك استنتاج حجم المياة في الخزان. يمكن تطبيق نفس المثال على المادة المظلمة؛ إذ تُشوِّه المادة المظلمة الزمكان، ما يسبب تَشوُّه المجرات في الخلفية. يمكن قياس هذا التشوه بواسطة التليسكوب إقليدس، من طريق حساب متوسط الأشكال الممكنة للمجرات».

الأكثر- الأفضل

«بزيادة المادة المظلمة في مكان ما، تزداد المجرات تشوُّهًا. وبذلك يمكننا تحديد توزع المادة المظلمة في الكون، لكننا أولًا في حاجة إلى المزيد من الصور الدقيقة. كلما زادت المجرات التي نقيسها، ازدادت نتائجنا دقة. لذلك نحن نتحدث عن كم هائل من البيانات المعقدة؛ إذ سيجمع التليسكوب في غضون أيام قليلة عددًا من الصور يماثل ما جمعه التليسكوب هابل طوال 25 عامًا».

التعاون الأكبر في علم الفلك

يُعَد فريق مشروع التليسكوب إقليدس أكبر فريق فلكي في العالم؛ إذ يضم 1500 بين علماء ومهندسين وفنيين. وسيكون عدد علماء الفلك المستفيدين من المشروع أكبر من ذلك بكثير؛ إذ ستُجمَع البيانات وتُنشَر للعامة، ويمكن استخدامها في أغراض متعددة، مثل الكشف عن الكوازرات البعيدة وتحديد النجوم الضخمة في المجرات القريبة.

قال هويكسترا: «في البداية ستكون البيانات متاحةً فقط للمشاركين في المشروع، لكن بعد ذلك ستُنشَر، لإعطاء العامة فكرةً عن نتائجنا الأولية، أما النتائج الاستثنائية فسيُعلَن عنها فورًا».

اقرأ أيضًا:

19 مجرة تخلو من المادة المظلمة.. والسبب غير معروف

أكبر ألغاز المادة المظلمة

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر